لجنة الخمسين ما زالت تفكر وتفكر، وأخذت فى المادة 219 تفكر وتفكر مثل المهراجا فى مسرحية «أصل وصورة»، ما زال السيد عمرو موسى يهرول ما بين ممثل حزب النور وممثل الأزهر، يستعطف هذا ويستميل ذاك، رغبة منه فى إقناعهما بالمرونة إزاء المادة 219 المقدسة التى من فرط قداستها ظننت أنها نزلت فى القرآن! وأنها فريضة سادسة! وما زال حزب النور يتدلل وما زال «موسى» يتذلل وما زلنا نحن ندعو للجنة الخمسين أن تنتهى من الدستور قبل يوم القيامة، المادة 219 حطمت نظريات الفيزياء والكيمياء وأثبتت أن المادة تستحدث من العدم؛ فهى مادة هبطت علينا بالبراشوت فى زمن ثار الشعب عليه وخلع رموزه، لكن هذه المادة التى استُحدثت من العدم قاومت الفناء وآثرت الخلود.
وبمناسبة الذكرى الأربعين لوفاة رائد التنوير طه حسين، أهدى للسيد عمرو موسى هذا المقال من كتاب طه حسين المهم «من بعيد» الذى ينتقد فيه سوء فهم الشيوخ لمادة الإسلام دين الدولة، تخيلوا لو كان طه حسين قرأ المادة 219، أعتقد أننا كنا الآن نحتفل بذكرى وفاته المائة نتيجة الجلطة!
يقول طه حسين: «الشيوخ فهموا هذا النص فهماً آخر، أو قل إنهم فهموه كما فهمه غيرهم، لكنهم تكلفوا أن يُظهروا أنهم يفهمونه فهماً آخر واتخذوه تكأة وتعِلّة يعتمدون عليها فى تحقيق ضروب من المطامع والأغراض السياسية وغير السياسية، فهموا أن الإسلام دين الدولة، أى أن الدولة يجب أن تكون دولة إسلامية بالمعنى القديم حقاً، أى أن الدولة يجب أن تتكلف واجبات ما كانت لتتكلفها من قبل.. فكتبوا يطلبون ألا يصدر الدستور؛ لأن المسلمين ليسوا فى حاجة إلى دستور وضعى ومعهم كتاب الله وسنة رسوله، وذهب بعضهم إلى أن طلب إلى لجنة الدستور أن تنص أن المسلم لا يكلّف القيام بالواجبات الوطنية إذا كانت هذه الواجبات معارضة للإسلام، وفسروا ذلك بأن المسلم يجب أن يكون فى حل من رفض الخدمة العسكرية حين يكلَّف الوقوف فى وجه أمة مسلمة كالأمة التركية مثلاً»!!
أما كيف استغل الشيوخ هذه المادة بعد صدورها حسب فهمهم الخاص فى كتاب الإسلام وأصول الحكم وكتاب الشعر الجاهلى، فيقول طه حسين: «إليك نظرية الشيوخ فى استغلال هذا النص الذى ما كان يفكر واحد من أعضاء لجنة الدستور فى أنه سيُستغل وسيخلق فى مصر حزباً خطراً على الحرية بل على الحياة السياسية فى مصر كلها، يقول الشيوخ: إن الدستور قد نص على أن الإسلام دين الدولة، ومعنى ذلك أن الدولة مكلفة بحكم الدستور بحماية الإسلام من كل ما يمسه أو يعرضه للخطر، ومعنى ذلك أن الدولة مكلفة أن تضرب على أيدى الملحدين..
ومعنى ذلك أن الدولة مكلفة أن تمحو حرية الرأى محواً فى كل ما من شأنه أن يمس الإسلام من قريب أو بعيد، ومعنى ذلك أن الدولة مكلفة بحكم الدستور أن تسمع ما يقوله الشيوخ فى هذا الباب، فإذا أعلن أحد رأياً أو ألّف كتاباً أو نشر فصلاً أو اتخذ زياً، ورأى الشيوخ فى هذا كله مخالفة للدين ونبهوا الحكومة إلى ذلك، فعلى الحكومة بحكم الدستور أن تسمع لهم وتعاقب من يخالف الدين بالطرد ثم القضاء ثم إعدام جسم الجريمة. ويخلص طه حسين إلى نتيجة أنه «قد تكوّن فى مصر حزب رجعى يناهض الحرية والرقى ويتخذ الدين ورجال الدين تكأة يعتمد عليها فى الوصول إلى هذه الغاية».
أرجوك يا سيد عمرو موسى اخلع رداء الدبلوماسية واقرأ لطه حسين لعلك تنجز ولعلنا نرى الدستور قبل أن يوارينا الثرى.
نقلا عن الوطن
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com