يزدري الوطنية ويدعو لمحاربة الوطن، والولاء عنده للجماعة فقط
الحلقة الأولى
مقدمة
لم تكن الشماتة الدنيئة التي أظهرتها جماعة الإخوان في هزيمة المنتخب الوطني لكرة القدم أمام فريق غانا أخيرًا غريبة على هذه الجماعة الخائنة، حيث احتفلوا بصخب بهذه الهزيمة واعتبروها – ما شاء الله – (انتقامًا ربانيًا)- لقيام المصريين بخلع الرئيس الخائب الفاشل والخائن محمد مرسي""، وتخلصهم من نظام حكم الإخوان البغيض الذي جثم على أنفاسهم عامًا أسود كاملًا، ذاقوا فيه صنوفًا من خيانة وغدر الإخوان لمصر وشعبها، ووجه عدم الغرابة في هذه الشماتة أنها انعكاس طبيعي لأمراض الخيانة والغدر والخسة والندالة والحقارة، التي تتسم بها أخلاقهم وتسرى فيهم مسرى الدم في العروق، ليس اليوم فقط،"" ولكن منذ نشأة هذه الجماعة، عندما زرع قادتها وعلى رأسهم صنمهم المعبود حسن البنا، وكاهنهم الأكبر سيد قطب كراهية وازدراء الوطنية والقومية، وإعلاء قيم الولاء والانتماء فقط للجماعة وتنظيمها الدولي، الذي يخطط ويمول ويشرف على الأعمال الإرهابية التي ترتكبها الجماعة في أنحاء مصر.
ولم تكن شماتة الإخوان في هزيمة فريقنا الكروي في غانا إلا تكرارًا لشماتة أخرى عندما فرحوا بهزيمة الجيش في حرب 1967 وادعوا أنها عقاب إلهي للجيش الذي كان يحكم مصر بقيادة عبدالناصر، وزعموا أن هذه الهزيمة انتقام من عبدالناصر، الذي قام باعتقالهم في عامي 1954، 1965، وهو نفس ما يكررونه اليوم من معايرة الجيش بهذه الهزيمة، والتي كانت لها أسباب وظروف خاصة، لم يكن للجيش يد فيها، بدليل أنه بعد ست سنوات فقط من هزيمة 67، أمكن لنفس الجيش بمعظم القادة الذين كانوا آنذاك رتبًا متوسطة، أن يحققوا انتصار أكتوبر 73 العظيم بعد أن تولوا المناصب القيادية في الجيش،"" وأن يتم تحرير سيناء حتى آخر حبة رمل في طابا في عام 1989 في الوقت الذي ما زالت فيه باقى الأراضي العربية التي احتلت في الجولان والضفة الغربية وغزة تحتلها اسرائيل منذ 46 عامًا لم تطلق فهيا طلقة واحدة ومن المؤكد أن سعادة الإخوان كانت ستكون أعظم لو – لا قدر الله – انهار الجيش في 1973، ولكن فضل الله على هذا البلد رد كيدهم إلى نحورهم، وتم تحرير سيناء التي كان يريد نظام الإخوان بزعامة مرسي أن يستقطع 750 كم2 من شمالها ليقدمها هدية إلى حماس فرع الإخوان في غزة بدعوى «هم منا ونحن منهم» وإذا عدنا إلى ما حدث في غانا أخيرًا، فستجد أن كراهية الإخوان لبلدهم مصر وجيشها ليس لها حدود، ""يتمثل ذلك في جماعة الإخوان الذين ذهبوا إلى هناك خصيصًا لتنفيذ مخطط الشماتة، هم ومن يعملون منهم في دول غرب إفريقيا، حيث كان الهدف واحد وهو ضرب الوطن نفسه ولكن على أرض غانا، حيث فوجئ فريقنا الكروي بهتافات تنطلق باللهجة المصرية ضد الجيش المصري وقائده الفريق السيسي، من قبل الإخوان المقيمين والقادمين من مصر، وكان هدفهم واضحًا في الاساءة إلى مصر وجيشها ونظام الحكم الجديد الذي طرد الإخوان من السلطة بثورة شعبية عارمة ساندها الجيش في 30 يونيو الماضي، والانتقام من هذا الجيش الذي بدّد حلمهم في حكم مصر 500 سنة قادمة على حد قول مرسي للفريق السيسي، وهو ما يؤكد أن كل نضال الإخوان عبر 85 عامًا منذ قيام جماعتهم كان ولا يزال الوصول إلى السطلة والحكم، وما الشعارات الدينية التي يرفعونها إلا مطيتهم التي يتاجرون بها ويدجلون ويخدعون الشعب بها لتوصلهم إلى الحكم.
""
جذور ازدراء الوطنية في الفكر الإخواني
لم يكن غريبًا أيضًا، ولا غير متوقع ما صدر عن معظم قادة الإخوان في الآونة الأخيرة، من تصريحات تزدري الوطنية وتُحقر من شأن القومية العربية، مثل تلك التي قالها المنافق والكذاب صفوت حجازي، في اعتصام رابعة عن إدخال مصر في دائرة إمارات إسلامية عاصمتها القدس وليس القاهرة، ثم بعد القبض عليه أنكر كل ما قاله بل ونفى انتماءه لجماعة الإخوان أصلا ومعارضته لمرسي، وكان قبل ذلك يحمله الإخوان في رابعة على أعناقهم رافعًا عقيرته، وصائحًا بحتمية عودة مرسي للحكم، ومطالبًا أتباعه باقتحام مقار الحرس الجمهوري ووزارة الدفاع، واعدًا إياهم بوجود مرسي بينهم في رابعة لتناول الإفطار معهم في رمضان والكعك في عيد الفطر، الأمر الذي استحق معه احتقار وازدراء الجميع له من الإخوان وغيرهم!!"" مما يدل على النفوس الوضيعة والتردي الاخلاقي الذي وصل إليه قادة الإخوان ويربون أتباعهم عليه، فهل تصيبنا الدهشة بعد ذلك أن نرى قادة الإخوان – أمثال المرشد السابق مهدي عاكف – من يقول «طظ في مصر واللي جابوا مصر، أنا أقبل برئيس من ماليزيا»؟! أو نسمع مرشدهم الحالي محمد بديع يخاطب رئيس حماس اسماعيل هنية قائلًا: «كنت أود أن أراك رئيسًا لوزراء مصر»، بل ويعد الفلسطينيين في حركة حماس بأن يعطيهم أولوية التوطين في أراضي سيناء، وأن يمنح خمسين ألفًا منهم الجنسية المصرية، وأن يوافق مرسي على زيادة عدد أنفاق التهريب عبر الحدود مع غزة من 600 نفق إلى 2000 نفق ويمنع قوات الجيش من هدمها، بل ويوافق على إقامة منطقة حرة على الحدود مع غزة ليكون التهريب ليس فقط تحت الأرض ولكن أيضًا فوق الأرض، قائلًا عن حلفائه في حماس «هم منا ونحن منهم»!!
""
كل ذلك وغيره الكثير من تصريحات وكتابات الإخوان ترجع إلى أساس عقائدي يسعى إلى تخريب المجتمع المصري وهدم كياناته، بزعم أن الولاء يكون للعقيدة فقط، لا للوطن ولا للأهل والأرض، وكأن هناك تناقضًا وانفصالًا بين ولاء المسلم لعقيدته وولائه لوطنه وأرضه وأهله أما ولاء المسلم للعقيدة في نظر الإخوان، فهو فقط للمرشد والجماعة في البلد الذي تقام فيه الشريعة طبقًا لتوجهاتهم السياسية مثل السودان في ظل حكم البشير، وأفغانستان تحت حكم طالبان، وغزة تحت سيطرة حماس، أو إيران التي يحكمها نظام الملالي.. إلى غير ذلك من الأفكار الهدامة والمدمرة للدولة والمجتمع والانسان على كل الاصعدة السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية.
""
أ.. تكفير المجتمع المصري واعتباره (دار حرب)
وإذا رجعنا إلى الفكر المتطرف والهدام والمنحرف الذي رسّخه كاهن الجماعة الأكبر – سيد قطب – في عقول الإخوان منذ ثمانين عامًا، ويجرى تجديدها من حين لآخر على أيدي قادة الاجيال المتعاقبة، فسنجده يندرج تحت شعار «الحاكمية»، وما يحمله هذا الشعار من تكفير لجميع المجتمعات الإسلامية، وتقسيم البلاد إلى دار حرب ودار إسلام، والتحريض على تخريب المجتمع للاستيلاء على السلطة باسم الدين،"" واستحلال القتل وسفك الدماء تحت شعارات الجهاد والزعم باغتصاب سلطان الله في الأرض فنجد أنه من أجل قتل الولاء والانتماء للوطن في نفوس المصريين، يُحقر في كتابه «في ظلال القرآن» ص 105 من شأن الوطن والوطنية، فيزعم أن الوطن «ليس أكثر من قطعة طين»، كما يزدري جنسية البلد التي يحملها الانسان فيصفها بأنها «نتن عصبية النسب»، ويفرق بين انتماء المسلم لدينه وانتمائه لوطنه، زاعما باستحالة الجمع بينهما في قلب المسلم، ويتحول الوطن والقوم والأهل في رؤية سيد قطب إلى مجرد «كلأ ومرعى وقطيع وسياج»، وبالتالي فإن كل من يشعر بالانتماء للوطن والأهل والأرض فهو أشبه في نظره بـ (البهائم)!!"" وإذا انتقلنا إلى ص707 من نفس الكتاب فسيجد سيد قطب يحض أتباعه على عدم القتال دفاعًا عن الاوطان فيقول: «إن المسلم لا يقاتل لمجد شخصي ولا لمجد بيت ولا لمجد دولة ولا لمجد أمة ولا لمجد جنس وإنما يقاتل في سبيل الله»!! وبالطبع فهذه دعوة إلى فتنة لا يطمع أعداء الله والوطن في أكثر منها لدفع أبناء الوطن لنبذ الدفاع عنه باسم الدين. ولا يكتفى سيد قطب بطرح هذه السموم في كتابه المشار إليه آنفا، بل نجده أيضا في كتابه الآخر «معالم في الطريق»-والذي يصفه عن حق الكاتب المنشق عن الجماعة د. ثروت الخرباوي قائلًا: «إلههم المرشد، وقرآنهم معالم في الطريق»، يقول سيد قطب"" «إن الوطن ليس أرض مصر، وإنما الوطن هو الدين الإسلامي، وأن الأرض المصرية ليست سوى الطين والسكن»!! وقد اعترف أحد القيادات المنشقة عن الإخوان في إحدى الفضائيات، أنه قد انضم في سن الخامسة عشر عامًا إلى الجماعة، وتم تلقينه أن الأرض المصرية ليست سوى مساحات من الطين والرمل، وأن حب هذه الأرض كوطن هو نوع من الكفر، لأن الطين والرمل يصنع منها التماثيل، وهي أوثان، ومن ثم فإن الوطنية والحب والعشق لهذه الأرض يعد نوعا من الكفر!! وقد اعترف بأنه لم يكتشف زيف هذه المقولات الغبية إلا بعد أن بلغ عمره الثلاثين عامًا، حيث أدرك أن مصر الوطن، ليست الأرض فقط ولكنها البشر والطين والحجر والحيوان والنبات والنيل والتاريخ والحضارة معا. لذلك فإن المقولة البذيئة لمهدى عاف السابق الإشارة إليها لم تصدر عنه من فراغ، بل هي تأكيد لمزاعم سيد قطب بأن الإخواني لا يعترف بالوطن أو بالمواطنة، أو بالانتماء والارتباط بين المصري ووطنه، ولكنه يعتقد أن الوطن هو المبادئ الإخوانية المزعومة من الجماعة الإرهابية باعتبارها في نظرهم "الإسلام الصحيح"، وأن غير أعضاء الجماعة غير مسلمين وكفار يعيشون في عصر «الجاهلية الثانية» بعد الجاهلية الاولى قبل الإسلام. أما رسالة جماعة الإخوان كما حددها سيد قطب هي «إعادة الجاهلين المصريين وغيرهم من الشعوب الإسلامية إلى حظيرة الايمان الإخوانية، ونشره هذه المبادئ في كل الدول الإسلامية من إندونيسيا حتى أمريكا، وعلى رأسها إعادة الخلافة الإسلامية العالمية،"" والتي يكون فيها مرشد الجماعة هو خليفة المسلمين. فهل تصيبنا الدهشة بعد هذه الفتاوى الهدامة لسيد قطب أن يأتي عضو من الإخوان هو شكري مصطفى زعيم جماعة التكفير والهجرة والتي اغتالت وزير الاوقاف الأسبق الشيخ حسن الدهبي عام 1977 فيقول في ص 1540 من التحقيقات «إذا اقتضى الأمر دخول اليهود أو غيرهم فإن الحركة حينئذ ينبغي أن لا تبنى على القتال في صفوف الجيش المصري وإنما الهرب إلى أي مكان آمن.. أن خطتنا هي الفرار من العدو الوافد تماما كالفرار من العدو المحلي وليس مواجهته»، ثم دعا شكري مصطفى أتباعه إلى أن يفسدوا أسلحتهم إذا أُجبروا على القتال!! وهكذا يضع هؤلاء المتأسلمون المتطرفون اليهود والمسلمين في كفة واحدة، فهل هناك دعوة سافرة للخيانة أبلغ وأحط من ذلك؟!
""
ب-رفض الدفاع عن الوطن في مواجهة الاعداء
وللرد على التلاعب بالألفاظ من جانب سيد قطب لإخفاء هدفه في تنفير المسلمين من الدفاع عن أوطانهم فإننا نطرح سؤالًا بديهيًا: أليس الدفاع عن الأرض والوطن والدولة والأمة والبيئة والبيت والأهل والثروات في مواجهة الأعداء حتى يسلم الوطن من تهديداتهم وشرورهم، وحتى يكون الناس فيه آمنين مستقرين وقادرين على إقامة شعائر دينهم، وأن يحفظوا تقواهم هو عين القتال والجهاد في سبيل الله؟؟ ثم ما هو الوطن؟ أليس هو الأرض والأهل والثروة والمقدسات وكل الحرمات، ومن ثم فإن الدفاع عن كل هذا هو في ذات الوقت دفاع عن الدين والعقيدة؟ وأليس ذلك امتثالًا للحديث الشريف: «من مات دون أرضه فهو شهيد، ومن مات دون ماله فهو شهيد، ومن مات دون عرضه فهو شهيد»؟؟
""
وفي كتابه (معالم في الطريق) يروج سيد قطب في ص149 لتقسيم باطل ليس له أي دليل من كتاب الله وسنة رسوله، حيث يقسم البلاد إلى ما يسميه "دار الحرب" و"دار السلام"، ولا ينسب البلاد إلى إسلام أهلها أو كفرهم، وإنما إلى الحاكم وحده.. فاذا كان الحاكم يطبق الشريعة الإسلامية طبقًا لمفهوم الإخوان الخاطئ فإن البلد يكون (دار سلام)، واذا لم يلتزم الحاكم بتطبيقها تكون البلد «دار حرب» وتكون علاقة المسلم بها إما القتال وإما المهادنة على عهد أمان، ولا ولاء بين أهلها وبين المسلم!! وتتضح خطورة هذا التقسيم حين ندرك أن حكم المسلمين في دار الحرب عند سيد قطب أنهم (حلال الدم والمال والعرض) فيقول في ص 157 «يحاربها المسلم ولو كان فيها موعده وفيها قرابته من النسب وفيها صهره وفيها أمواله ومتاعه»!! كما يحكم سيد قطب بتكفير هؤلاء المسلمين طالما أن الحاكم لا يطبق الشريعة فيقول في ص 116 «ليس المجتمع الإسلامي هو الذي يضم ناسًا ممن يسمون أنفسهم مسلمين بينما شريعة الإسلام ليست هي قانون هذا المجتمع، وإن صلى وصام وحج البيت الحرام»!! وهكذا يحكم سيد قطب بإنكار المسلمين جميعًا، إذا لم يطبق الحاكم شريعة الإسلام على زعمهم!! أليست وثيقة خيرت الشاطر التي أصدرها عام 2005 تحت عنوان «فتح مصر» تطبيقًا حرفيًا لمزاعم سيد قطب عن تكفير المصريين ووجوب إعادتهم للإسلام بواسطة جماعته، حيث ينكر سيد قطب في نفس الصفحة إسلام المصريين قائلًا: «ليس هذا إسلامًا وليس هؤلاء مسلمين.. والدعوة اليوم إنما تقوم لترد هؤلاء الجاهلين إلى الإسلام ولتجعل منهم مسلمين من جديد»!! وفي مواجهة هذه الدعوة الخطيرة في تكفير المسلمين التي يروج لها سيد قطب نتوقف لندرك الحقائق الآتية:
""
أ-ان تكفير المسلمين بدعوى خروج الحاكم عن الالتزام بالشريعة الإسلامية هو سلوك يتعارض تعارضًا كاملًا مع قوله تعالى: «ولا تزر وازرة وزر أخرى» (الانعام 164) فإيمان أو كفر أي إنسان هو أمر شخصي يرتبط به وحده ويتعلق فقط بما يستقر في قلبه من معتقد في أركان الايمان، وليس له أية علاقة بإيمان أو كفر أي إنسان آخر بما في ذلك الحاكم، فلا يضار المؤمن مطلقًا في إيمانه بضلال أي انسان آخر كائنًا من كان مصداقًا لقوله تعالى «يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم» (المائدة 105).
""
ب-إن هذا المنهج الذي ينتهجه الكتاب في رمي المسلمين بالكفر هو مسلك بالغ الخطورة، وقد حذرنا المولى عز وجل من ولوج هذا الباب في التكفير في القرآن والسنة الشريفة، في قوله تعالى: «وإذا جاءوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به والله أعلم بما كانوا يكتمون» (المائدة 61)، حيث تؤكد هذه الآية أن الانسان لو دخل على جماعة وهو يعتقد في نفسه الايمان دون غيره ورماهم بالكفر وهم ليسوا كذلك فقد حمل هو وزر هذا الكفر وخرج به. يؤكد هذا المعنى الحديث الشريف «لا يرمى رجل رجلا بالفسوق ولا يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك»، كما يقول في حضرته «اذا كفر الرجل اخاه فقد باء بها أحدهما».
""
جـ-تقويض المجتمع المصري بدعوى جاهليته
ولان دعوة سيد قطب إلى خلع الولاء والانتماء للوطن تستهدف في الأساس تخريب المجتمع المصري وتقويضه، نجده بعد خطوته الأولى في تكفير المجتمع المصري وأهله ووصمه بالجاهلين، نجده ينتقل إلى الخطة التالية التي تكشف هدفه الحقيقي من وراء ذلك، وهو عدم وتقويض وتخريب هذا المجتمع ليقيم على أنقاضه ما يطلق عليه المجتمع الإسلامي، وأن المنوط بهذه المهمة هم جماعة الإخوان المسلمين، فنجده يدعو أتباعه إلى الانضمام في تنظيم حركي يستهدف الاستيلاء على الحكم وإزالة الأنظمة القائمة، وقطب في دعوته الخطيرة هذه يصور الأمر كله باعتباره جهادًا في سبيل الله ومنهجًا يأمر الإسلام باتباعه والالتزام به، وأن إقامة مثل هذه التنظيم هو أساس في بناء العقيدة الإسلامية ذاتها فيقول في ص45 من (معالم في الطريق) «إن العقيدة الإسلامية يجب أن تتمثل في نفوس حية وفي تنظيم واقعي وفي تجمع عضوي».
""
ثم يدعو سيد قطب أعضاء هذا التنظيم الذي هو جماعة الإخوان بعد ذلك – إلى أن يكون ولاؤهم الكامل في كل أمورهم بقيادة هذا التنظيم، وأن ينزعوا تماما كل ولاء لهم للمجتمع الذي يعيشون فيه، فيقول في ص57: «يجب أن يعمل أعضاؤه تحت قيادة مستقلة عن قيادة المجتمع الجاهلي»، ويزعم أن ذلك أساس فيما يسميه بالقاعدة النظرية للإسلام، فيقول: «لم يكن بد أن تتمثل القاعدة النظرية للإسلام أي العقيدة في تجمع عضوي حركي منذ اللحظة الأولى.. لم يكن بد أن ينشأ تجمع عضو حركي آخر غير التجمع الجاهلي.. منفصل ومستقل عن التجمع العضوية الحركي الجاهلي الذي يستهدف الإسلام القاءه». ثم يلح على عقول أتباعه بعدم الانتماء للمجتمع والوطن المصري المقيمين فيه بعد اتهامه بالجاهلية ودفعه بالكفر، فيقول في ص56 «أن يخلع كل من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ولاءه من المجتمع الحركي الجاهلي الذي جاء منه، ومن قيادة ذلك المجتمع سياسية واقتصادية واجتماعية وأن يحصر ولاءه في التجمع الحركي». بل يدعو المؤلف المسلمين صراحة إلى عدم المشاركة في هذا المجتمع الجاهلي»، ويحذرهم من كل عمل يؤدي إلى ما يسميه بـ (تقوية المجتمع الجاهلي)، كما يحذرهم من أن (يظلوا خلايا حية في كيانه تمده بعناصر البقاء والاستمرار أو أن يعطوه كفاياتهم وخبراتهم ونشاطهم ليحيا بها ويقوى».
""
ثم يفصح سيد قطب صراحة عن الهدف النهائي لجماعة الإخوان بعد أن تقوى بانضمام عدد كبير من الأعضاء اليها ممن يكون ولاؤهم الكامل لقيادة الجماعة – والمتمثلة حاليًا في مكتب الارشاد والتنظيم الدولي للجماعة – ويحدد هذا الهدف في ازالة الانظمة السياسية والحكومات والاستيلاء على الحكم فيها، فيقول في ص 56 محددًا هدف الجماعة «تحطيم الانظمة السياسية أو قهرها» ويؤكد هذا المفهوم ص 71، «إن الإسلام ليس مجرد عقيدة فهو يهدف ابتداء إلى إزالة الانظمة والحكومات التي تقوم على أسس حاكمية البشر للبشر».
""
ثم تصل دعوته إلى أقصى درجات الخطورة حين يُصوِّر محاربة الحكومات القائمة والاستيلاء على الحكم باعتبارها جهادًا في سبيل الله، فيقول في ص64: «يجب أن تواجه الحركة الإسلامية هذا الواقع كله بما يكافئه.. تواجهه بالقوة والجهاد لإزالة الانظمة والسلطات القائمة عليها».. ويعتبر دعوته هذه تحقيقًا لما يسميه بالمذهب الإلهي فيقول في ص85 أن الانطلاق بالمذهب الالهي تقوم في وجهه عقبات مادية من سلطة الدولة ونظام المجتمع وأوضاع البيئة.. وهذه كلها هي التي ينطلق الإسلام ليحطمها بالقوة».
""
انعكاسات الفكر الهدام لسيد قطب على الواقع الإخواني اليوم
وإذا طبقنا دعوة سيد قطب الهدامة هذه على الواقع المصري اليوم، وما ترتكبه جماعة الإخوان من جرائم إرهابية عبر تاريخها الدموي الطويل عن عمليات اغتيال ومهاجمة أقسام شرطة ومديريات أمن ومحاكم وبنوك ومؤسسات عامة وخاصة وكنائس ومساجد، فضلًا عن محاولات اختراق الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية، ناهيك عن سرقة أموال المصريين بواسطة شركات توظيف الأموال المسماة باطلا بـ (الإسلامية)، فسنجد جرائم الإخوان التي ترتكبها اليوم على كل الساحة المصرية هي ترجمة عملية وواضحة وتنفيذا لهذه المعالم الهدامة التي أرساها سيد قطب منذ خمسينات القرن الماضي. بل نرى في ثمانينات القرن الماضي أحد كوادر الإخوان – وهو القاضي عبدالجواد يس يعيد تأكيد هذه الدعوة المتأصلة إلى نبذ الولاء الوطني وذلك في كتابه (مقدمة في فقه الجاهلية المعاصرة) والذي يزعم فيه بوجود تعارض بين الوطنية والإسلام، ويدعى أن الوطنية هي (مبدأ وتصور جاهلي)، كما يهاجم صراحة كل دعوة إلى الانتماء العربي أو المصري فيقول في ص178 «ما تفتأ الفئة الحاكمة تردد على مسامع الناس في الماضي لحوح شعارات من نوع (القومية العربية) و(الوطنية المصرية) وشعارهم القائل مصر قبل كل شيء، ومصر فوق كل شيء). وينكر هذا المؤلف الإخواني أن يعمل المصريون على تقدم مصر ومجدها فيقول في ص180 «وما هكذا تصاغ المسألة في الإسلام – فمنطوق الهدف في الإسلام هو إنشاء المجتمع الرباني.. أما منطوق الهدف هنا فهو مجد مصر».. ثم يقارن بين الهدفين وكأن هناك تناقضًا بينهما، فيكشف عن خبيئة نفسه الحاقدة على بلده التي تأويه، فيقول في ص181 «ويمكننا المقارنة العابرة من الموقف على ضخامة الهدف وسمومه هناك على ضخامة الهدف وسموه هناك وعلى تفاهة الهدف هنا.. فما أبعد البوق وما أعظم الفرق.. لا لمصر العروبة أو مصر القومية أو مصر المجد»!! إلى هذا الحد وصل هذا المؤلف الإخواني في كراهيته وحقده على بلده مصر.. ولو أن يهوديًا معاديًا لمصر أراد أن يعبر عن عدوانه وكراهيته لمصر فلا نتوقع أن يستخدم الفاظًا أشد سمية وكراهية من هذا المؤلف الحاقد على بلده، والذي دعا في النهاية إلى عدم الدفاع عن مصر ضد أعدائها إذا ما تعرضت لهجومهم بدعوى أن المسلم يدافع عن الإسلام لا عن الاوطان!! وأن يستعد المسلم لمحاربة أهله ومجاهدة وطنه ومقاتلتهم إذا ما اقتضى الأمر.. فيقول بالحرف الواحد في ص105 "عندما تنسلخ الأوطان من رداء الإسلام ينحسر عن المسلم واجب الدفاع عنها والجهاد في سبيلها.. بل وقد يجد نفسه ملزمًا بمجاهدة وطنه ومقاتلة أهله!!
""
ولقد آتت تعاليم سيد قطب بنبذ الولاء والانتماء الوطني ثمارها المسمومة اليوم ليس فقط فيما يمارسه الإخوان من أعمال إرهاب وعنف وقتل وتخريب على كل الساحة المصرية، بل أيضًا وهو الأدهى والأمر إلى ممارسة خيانة الوطن مصر باستعداء القوى الخارجية ضد مصر ودعوتهم لاحتلالها وضرب الجيش المصري وتفكيكه ومنع السلاح وقطع الغيار عنه فقد شاهدنا من زعماء الإخوان من يطالب الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي بإرسال قواتهم إلى مصر لإسقاط النظام الجديد الذي قام بالثورة الشعبية في 30 يونيو، وأسقطت نظام حكم الإخوان، ومطالبة الأمريكيين والأوروبيين بإعادة مرسي بالقوة إلى كرسي الحكم رغم أنف الشعب والجيش المصريين، وكان شيخهم الخائن والتعيس والخسيس المدعو يوسف القرضاوي على رأس من طالب التدخل الأجنبي ضد مصر من فوق منبر مسجد عمر بن الخطاب في الدوحة، بل وسمعنا وشاهدنا خطباءهم في اعتصام رابعة يبشرون من فوق المنصة «أبشروا بنزول 7000 من جنود المارينز الأمريكان في السويس» وسط صيحات «الله أكبر» من قبل قطيع الإخوان المتجمع في ذلك الاعتصام.
إن خيانة الإخوان لمصر لم تقتصر فقط على ما سبق أن ذكرناه في حلقات سابقة عن استعدادها للتنازل عن حلايب وشلاتين في جنوب مصر لحليفها الإخواني البشير في السودان، وسلخ 750كم2 من شمال سيناء ومنحها إلى جماعة إخوان غزة (حماس) بدعوى «هم منا ونحن منهم» على حد قول مرشدهم مهدي عاكف، كذلك تسليم مفاتيح التنمية والاستثمار في منطقة القناة لمركز الخيانة في العالم العربي المسماة لقطر، بل لقد وصلت الخيانة بجماعة الإخوان خلال عام الشؤم الذي حكمت فيه مصر إلى تنازلها سرًا لإسرائيل وتركيا، عن الحقوق الوطنية لمصر في حقول الغاز المكتشفة في البحر المتوسط، ووافقت على التنازل رسميًا بعدم المطالبة بحق الشعب المصري في هذه الحقول التي تكفى احتياجات البشرية لعشرات السنين القادمة. وهكذا تكتلت جميع الدول المعادية لمصر – اسرائيل وقطر وتركيا – مع جماعة الإخوان في منع مصر من تحقيق أي مصالح وطنية ترفع من شأنها اقتصاديًا واجتماعيًا، وبذلك تتضح معالم العقيدة الإخوانية التي أرساها كل من حسن البنا وسيد قطب التي لا تعترف بمصر وطنًا لهم، بل كانت مصر – في تطبيقات إخوان اليوم لهذه العقيدة ولا تزال – قاعدة وركيزة لتحقيق الحلم الإخواني للسيطرة على المنطقة انطلاقًا من مصر، وأن التنازل عن حقوق مصر لصالح تركيا الأردوغانية هو عمل يتفق مع أهداف الجماعة.
وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، فلا يمكن أن ننسى يوم أن وقف عضو مكتب الارشاد محمد عبدالمقصود، أثناء احتفالات أكتوبر 2012 التي حضرها جميع القتلة والسفاحين، معلنًا نهاية زمن مصر للمصريين، حيث تثبت هذه الكلمات أن جماعة الإخوان تعتبر مصر وثرواتها ملكًا لأي إخواني في ماليزيا أو تركيا أو غزة أو السودان أو ليبيا، ولم يكن يعلم هذا الخائن أن هذا الشعار رفعه «طلعت حرب» في مواجهة استيلاء الانجليز على ثروات الشعب المصري، واليوم يثبت قادة الجماعة للمرة الالف أن لا فرق بين الاحتلال الانجليزي لمصر والاحتلال الإخواني لها.
""
وحتى بعد سقوط الإخوان المدوي في نظر المصريين في 30 يونيو 2013، ومع احتفالات المصريين بالذكرى الأربعين لانتصار حرب أكتوبر المجيدة، نجد جماعة الإخوان تمارس أحط وأبشع وأقذر صور الخيانة، وبما يؤكد انتفاء الوطنية لدى أتباعها، حيث وضعت بصماتها السوداء في أكثر من مكان في مصر، سواء بتخريب المنشآت العامة والخاصة، أو بإطلاق النار عشوائيًا على مواقع الجيش والشرطة، وأيضا المواطنين الأبرياء الذين كانوا يحتفلون بهذا اليوم التاريخي لانتصار جيشهم، محاولين تفجير محطات المترو بالقنابل والمتفجرات واحتلال الميادين والاعتصام بها، فكانت النتيجة سقوط أكثر من 50 قتيلًا ونحو 300 مصاب من المتظاهرين ومن الأهالي الذين تصدوا لهم في أرجاء البلاد، بل لقد وصل الأمر بأحد مُدِّونيهم في مواقع التواصل الاجتماعي التي راجت في هذه الذكرى إلى أن يصف انتصار أكتوبر بأنه «عدوان على اليهود المسالمين»، حيث كتب «قامت ميليشيات القاتل الخائن أنور السادات في مثل هذا اليوم قبل 40 عامًا بقصف المعتصمين اليهود السلميين المرابطين شرق قناة السويس، فقتلت وجرحت الآلاف منهم، ونجحت في فض الاعتصام»!! فهل بعد هذا القدر من السقوط في مستنقع الخيانة نستغرب على الإخوان الخونة وحلفائهم في سيناء اليوم، يمارسون جرائم القتل والتخريب ضد قوات الجيش المصري وقواته في سيناء بأبشع مما فعله الجيش الاسرائيلي هناك عبر سنوات احتلاله الست لسيناء؟!
ورغم مسلسل الفشل المتتالي الذي منيت به جماعة الإخوان في اثارة الشعب المصري ضد نظام حكمه الجديد، حيث لم تفلح جميع العمليات الإرهابية التي مارسوها في كسر ارادة المصريين، بل زادت من إصرارهم على نبذ هذه الجماعة واستئصالها جذريًا من الجسد المصري، إلا أن تنظيمهم الدولي لا يزال ماضيًا في مسلسل الخيانة حيث يواصل اجتماعاته بين تركيا ولاهور وقطر، ليخطط التصعيد الإرهابي ضد مصر، ومحاولة تفعيل تنظيم للاستفتاء على الدستور الجديد، خاصة أن إقرار هذا الدستور قبل 25 يناير القادم يمثل ضربة قوية لخطة التنظيم الدولي، حيث سيستتبعه بعد ذلك تنفيذ باقي استحقاقات العملية الدستورية من انتخابات رئاسية ثم برلمانية ثم تشكيل حكومة وطنية تقود البلاد إلى بر الأمان بعيدا عن أيادي الإخوان الخونة، وما شاهدناه أخيرا من استهداف وزير الداخلية ومقر جهاز المخابرات الحربية في الإسماعيلية وضرب لكنيسة الوراق إلا بعد مظاهر تنفيذ مخططات التنظيم الدولي للإخوان، والذي رصدت له الجماعة ومعها قطر 5 مليارات دولار.
""
ثم يمضي مسلسل الخيانة على الصعيد الخارجي بقيام ما يسمى بـ «التحالف الوطني لدعم الشرعية» الذي تتزعمه جماعة الإخوان المحظورة قانونًا، بتنظيم جولة أوروبية بهدف تحريض بعض الدول الأوروبية ضد نظام الحكم الجديد في مصر وضد الجيش، ليلتقي بالعديد من المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية، والبعثات الدبلوماسية في الأمم المتحدة، بل ويشترون الإعلام الدولي مثل صحيفة (الجارديان) البريطانية، وجريدة (فرانكفوتر الجمانية) الألمانية بنشر صفحات مدفوعة الأجر وذلك للتنديد بثورة 30 يونيو، إلا أن صحيفة بريطانية محترمة هي (الفاينانشيال تايمز) وجهت لطمة هائلة لجماعة الإخوان برفضها اغراءاتها لنشر صفحة كاملة مدفوعة الأجر. تروج فيها لادِّعاءات باطلة عن جرائم ضد الانسانية يتهمون بها الجيش المصري، ويطالبون بتقديم قادته إلى المحكمة الجنائية الدولية!! بل ويمضون في استعدائهم الدول الأجنبية ضد مصر إلى المطالبة بطردها من منظمات هيئة الأمم المتحدة ومنع وزير الخارجية المصري من دخول الأمم المتحدة، وفرض عقوبات دولية من مجلس الأمن على مصر وفرض رقابة دولية على قناة السويس!! وهو ما يؤكد أن جماعة الإخوان التي تمتد عبر الحدود لا تعرف قيمة الوطن، وعلى استعداد لبيعه بأبخس الاثمان، وهم بذلك يمثلون طابورًا خامسًا حقيرًا بكل معنى الكلمة يطعن المصريين ليس فقط في ظهورهن، بل وفي وجوههم بلا خجل ولا استحياء، بل وفي كبر واستعلاء وغباء واندفاع جنوني نحو الهاوية والحضيض، والسؤال هنا لمن يدعون إلى المصالحة مع هذه الجماعة: كيف بالله عليكم يمكن إجراء مصالحة أو تفاهم مع هذه النوعية من البشر؟! بل كيف نتوقع منهم أن يكونوا جنودًا أو مواطنين صالحين يحفظون الوطن ويدافعون عنه، بعد أن تربوا ونشأوا على الفكر الخياني العقيم الذي زرعه في عقولهم حسن البنا وسيط قطب وباقي مرشديهم وزعمائهم عبر سنين طويلة، وأصبحت كراهية مصر والمصريين ومحاربتهم تسرى في عروقهم مسرى الدم؟!
ولا يعكس ما سقناه آنفا من مظاهر خيانة الإخوان لمصر وشعبها الا حقيقة مُرَّة يتعين للأسف التسليم بها، وهي انتفاء المشاعر الوطنية لدى الإخوان لصالح مشاعر انتماء عالمي ينسبونه زورًا وبهتانًا للإسلام، وهي أمور تجلت مؤخرًا في ممارساتهم عند رفضهم تحية العلم المصري، وعدم الاعتراف بالنشيد الوطني، وكراهيتهم لعميقة للجيش المصري وقادته، وينشرون علماءهم تحت أجنحة الظلام يشوهون حوائط المدن بشعارات حاقدة ضد الجيش وقادته. غير أن تلك الممارسات كلها لم تسفر إلا عن تأكيد الحقيقة التي تشكل اليوم كابوسا يؤرق مضاجع هذه الجماعة، وهي أن من يرفضهم ويقاومهم اليوم ليس هم أجهزة الشرطة والجيش فقط وإنما هم أبناء الشعب البسطاء الذين اكتشفوا بعد عام واحد من الحكم الإخواني البغيض مدى إفلاسهم ومتاجرتهم بالدين من أجل سلطة فشلوا في الوفاء بأعبائها، والغريب في الموقف أنه كلما ازداد هجوم الإخوان على الجيش وقائده الفريق أول عبدالفتاح السيسي، ازداد الشعب تعلقًا بالاثنين وحيالهما، وتشبثهم بالجيش درعًا وملاذًا من أطماع هذه الجماعة، واصرارهم على ضرورة ترشيح الفريق السيسي رئيسًا للجمهورية، رغم أنه يفضل البقاء على رأس الجيش يحمى الإرادة الشعبية، ويصون حق المصريين في حرية التعبير والاختيار، لكنهم يريدونه رئيسا لهم يرون فيه المنقذ من براثن جماعة الخيانة والخونة، وإنه جماع إرادتهم وموضع توافقهم الوطني، لذلك لم يكن غريبًا أن تناصبه جماعة الإخوان وحلفائها العداء لأنه حرَّر مصر من احتلال حكمهم وقضى على حلمهم بحكم مصر 500 عام، على حد تعبير مرسي!!
الرد على أكاذيب وافتراءات سيد قطب
من يطالع دعاوى سيد قطب التي يزدري فيها معاني الوطنية والقومية، ويدعو أتباعه لمحاربة الوطن وأهله، وأن يكون ولاؤهم وانتماؤهم للجماعة وتنظيمها الدولي فقط، يلاحظ بسهولة أن قطب في كل هذه الدعاوى لا يستند لأي آية في القرآن الكريم أو حديث لسيدنا رسول الله الله صلى الله عليه وسلم، بل على العكس يجد في القرآن كل ذكر طيب وكريم لمصر دونا عن باقي بلدان الأرض قاطبة، ربما باستثناء مكة المكرمة، كما يجد في الأحاديث النبوية الشريفة الإشادة بمصر التوصية بأهلها وجندها، فقد كرّم الله تعالى مصر بذكرها في القرآن خمس مرات صراحة وأكثر من عشرين مرة بالإشارة إليها، لعل أبرزها قوله تعالى «ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين» وهو ما يعني أن مصر بأمر من الله تعالى ستكون على الدوام والاستمرار حصنًا للأمن والامان لأهلها ولكل من يلوذ بها، رغم كيد الكائدين وحقد الحاقدين الذين يريدون أن يُحولوها إلى أرض إرهاب وصراعات مسلحة، فالمولى عز وجل سيحفظ مصر وشعبها من شرورهم ويرد كيدهم إلى نحورهم، وهو ما يصدقه أيضا حديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم "مصر كنانة الله في أرضه من أرادها بسوء قصمه الله"، أي؟؟ سهام الحق ضد أعداء الدين، ولذلك فهي مستهدفة دائما بالإساءة والإيذاء من أعداء الإسلام، ولكن حضرته يتوعدهم بأن الله تعالى هو الكفيل بأن يقصم ظهورهم، وهو ما أثبتته أحداث التاريخ عندما تصدى جيش مصر لجيوش الصليبيين وهزمهم في حطين عام1187، وفي المنصورة عام 1250، وتصدى لجيش التتار وهزمهم في عين جالوت عام 1258م، ناهيك عن حروب الجيش المصري ضد الصهاينة أعوام 1948، 1956، 1967 حتى كانت هزيمتهم التاريخية في أكتوبر 1973، لذلك لم يكن غريبًا أن يأمر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه «إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا من أهلها جندًا كثيفًا، فإن بها خير أجناد الأرض وإنهم لفي رباط إلى يوم القيامة»، كما أوصى حضرته صحابته بأهل مصر في حديثه الشريف «ستفتحون من بعدي مصر فاستوصوا بأهلها خيرا فإن لكم فيها نسبًا وصهرًا»، لذلك كانت مصر ملاذ ومثوى معظم أهل بيت حضرته وصحابته. وإذا رجعنا إلى التاريخ البعيد سنجد أن مصر بأمر من الله تعالى قد تشرفت أرضها بمجيء الكثير من رسل الله تعالى.. منهم سادتنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب ويوسف، وموسى وعيسى وإدريس وشعيب.. وغيرهم عليهم جميعا أفضل الصلاة والسلام، ولم يكن ذلك إلا لصالحية قلوب أهل مصر لرسالة الإسلام التي جاء بها حضراتهم، على حكم قوله تعالى «إن الدين عند الله الإسلام»، لذلك كانت لهم على الدوام والاستمرار أتباع مؤمنون في مصر على حكم قوله تعالى «وما أرسلنا من رسول إلى ليطاع بإذن الله» وهو ما تعكسه الآثار المصرية القديمة التي تظهر المصري القديم وهو يصلي راكعًا وساجدًا وواقفًا، ومرتديا ملابس الاحرام في حجه للبيت الحرام، وهي آثار مسجله تنفي عن المصريين القدماء التهمة التي يحاول الإخوان وحلفاؤهم إلصاقها بهم بأنهم وثنيون وعباد اصنام!!
ومما يؤكد بطلان دعاوى سيد قطب التي يزدري فيها الولاء والانتماء الوطني، ويعتبر ذلك منافيًا للإسلام، تعارض هذه الدعاوى مع الكثير من أحاديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلام التي تحض على حب الاوطان والدفاع عنها وعن أهلها وثرواتها، ومنها الحديث الشريف، «من مات دون أرضه فهو شهيد، ومن مات دون ماله فهو شهيد، ومن مات دون عرضه فهو شهيد».. بل أيضًا حديث حضرته المعروف عن مغادرته مكة مهاجرًا إلى المدينة والذي قال فيه «والله إنك لأحب أرض الله إلي، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت»، وهو ما يؤكد حب واعتزاز المسلم بوطنه وأرضه وأهله، فأين ذلك كله من دعاوى سيد قطب واتباعه إلى عدم الولاء، والانتماء لمصر، ومن المفارقات التي تستحق التأمل أنه في نفس الوقت الذي ظهرت فيه دعوة سيد قطب لأهل مصر للانصراف عن الولاء والانتماء لوطنهم وأرضهم، كان اليهود يقيمون (الوطن القومي) المزعوم لليهود في فلسطين مستخدمين كل أساليب الغدر والخديعة والكذب والتزييف للزعم بأن لهم حقوقًا تاريخية في هذه الأرض حتى يجتمع اليهود في (وطن واحد) وهم الذين كتب الله عليهم الشتات!! فما الذي يستهدفه الإخوان من دعوتهم في نفس ذلك الوقت إلى إضعاف مصر ومحاربة انتماء المصريين لوطنهم؟!
لذلك وبالنظر لمعاداة جماعة الإخوان لمصر وشعبها منذ نشأة هذه الجماعة كان طبيعيًا نتيجة أعمالها الاجرامية التي برزت على الساحة المصرية منذ الأربعينات من قتل رؤساء وزارات (أحمد ماهر، فهمي النقراشي) وقضاة (أحمد الخازندار) وهجمات على أقسام الشرطة وأهداف استراتيجية، ثم محاولات اغتيال رئيس الوزراء إبراهيم عبد الهادي، ومصطفى النحاس، ثم عبدالناصر، ثم بعد ذلك اغتيال الرئيس السادات، ورئيس مجلس الشعب المحجوب.. وغيرهم، أن تتعرض عبر كل هذه العصور إلى ضربات أمنية متتالية من الانظمة الحاكمة، إلى أن وقعت ثورة 25 يناير التي ركبتها جماعة الإخوان واستغلتها بالخداع والتضليل في الوصول إلى حكم مصر خلال عام 2012/2013، وعندما اكتشف الشعب المصري حقيقة هذه الجماعة وما تتصف به من إرهاب واجرام وترويع للمصريين أن قام الشعب المصري نفسه مع الجيش والشرطة بمواجهتها وإزاحتها من السلطة والحكم، واعتقال ومحاكمة قادتها، ولم يكن تأثير هذه الضربة ضد الإخوان قاصرًا فقط على مصر، بل تعداها إلى جميع الدول العربية والإسلامية التي بها أفرع الإخوان، واكتشفت حكوماتها وشعوبها خطورة وصول هذه الجماعة إلى السلطة والحكم في بلادها والسكوت على أنشطتها الهدامة، فاتخذت من الإجراءات السياسية والأمنية ما يحجم أنشطة أفرع الإخوان في هذه الدول، بل وبدأت جماهير الشعوب فيها تستيقظ على خطورة الإخوان وعدم الاطمئنان إليهم، فابتعدوا عنهم ولم يعطوهم ثقتهم وأصواتهم مما أدى إلى سقوط ممثلي الجماعة في الانتخابات البرلمانية – مثل الكويت، بل وثورة الجماهير في تونس على حكومة الإخوان هناك (حزب النهضة)، وإجبارها على الاستقالة، نفس الأمر في الأردن وغيرها من الدول العربية وهذا هو السبب في حالة الهستيريا والسعار التي أصابت التنظيم الدولي للإخوان أخيرًا، حيث يشاهد تبدد الحلم الذي عمل على تحقيقه عبر 85 عامًا لفرض هيمنته على العالم الإسلامي، مع انهيار دولة الإخوان في مصر وتوابع ذلك في باقي الدول العربية. وهذه الضربات وغيرها مما هو ينتظر جماعة الإخوان هو واقع حديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي حذر فيه كل من يريد الإساءة لمصر بأن الله تعالى قاصمه، وستكون هذه الضربات هي النهائية إن شاء الله لجماعة الإخوان على كل الساحة الإسلامية والعربية وليس في مصر فقط بعد أن سقطت الاقنعة التي كانت تخفي وراءها سوءاتها وجرائمها وحقيقتها الدموية الإرهابية البشعة، وهذا هو مصير كل من يتحدى الإرادة الإلهية التي كفلت الحماية والأمن والأمان لمصر وشعبها.
إن مصر هي أعظم وظن يشرف كل مسلم الانتماء إليه ويلوذ به المسلمون من أجل حماية الإسلام ومقدساته، ومصر هي أيضًا أقدم وطن عرفته البشرية وقامت على أرضه أعظم الحضارات وخرجت منها دعوة الهداية على أيدي رسل الله الذين شرفت بهم هذه الأرض الطيبة، فكان الانتماء إلى مصر في كل وقت هو شرف لا يدانيه شرف، ومن ثم فإن حب مصر ومساندتها في مواقفها في حماية الإسلام ومقدساته يصبح حكما (بما أنزل الله) وكل من يعمل على بث الوهن والاضطراب في صفوف جيش مصر، إنما يصرفه عن مهمته المقدسة والمقدرة له في الدفاع عن الإسلام ومقدساته إنما يحكم (بغير ما أنزل الله)... حفظ الله مصر من شرور أعدائها في الداخل والخارج وحقدهم، فالله خير حافظًا.. «وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com