ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

مخاطر احتكار السيطرة على عقول الشباب

بقلم: مكرم محمد أحمد | 2013-11-13 13:26:02

ما الذى يدعو شاباً مصرياً هيّأت له الدولة فرصة التعليم الجامعى بالمجان، سواء بالجامعات المدنية أو الأزهرية إلى تدمير جامعته أو معهده العلمى، وإساءة معاملة أساتذته ومدرسيه إلى حد احتجازهم فى مكاتبهم بالقسر والقوة، لإلزامهم باتخاذ قرارت تساند الفوضى وتخرج عن معايير التربية الصحيحة.

وإذا كان المجتمع قد أقر بعد ثورة 25 يناير بحق الجميع فى التظاهر التزاماً بحرية الرأى والتعبير، وأعتبر ذلك واحداً من المكاسب المهمة التى حققتها الثورة، فلماذا الإصرار على استخدام العنف فى المظاهرات، ولماذا يتطوّع الآلاف من هؤلاء الشباب لخدمة مخططات تخريبية هم أول ضحاياها، تستهدف إفشال العام الدراسى للإبقاء عليهم مجرد قوة شغب فى الشارع المصرى، تتفرغ للعبث باستقرار البلاد وتهديد أمنها الوطنى ليتحولوا فى النهاية إلى أدوات هدم بدلاً من أن يكونوا قوة بناء!

ومَن المسئول عن تربية هؤلاء الشباب على قيم فاسدة، تناهض حرية الرأى والاعتقاد، وتنزع نحو العنف والتطرّف، وتصادر على الرأى الآخر وتعتبره خروجاً عن الملة والدين، وتغلق عقول هؤلاء الشباب عن أى معارف أو حقائق ما لم يكن مصدرها مرجعياتهم التنظيمية فى الحزب أو الجماعة.

وما يزيد من وطأة المشكلة ويضاعف من خطورتها أن الشباب يشكلون أكتر من 55% من المجتمع المصرى، يمثلون القوة الأغلب عدداً فى حاضر الأمة ومستقبلها.. صحيح أنهم يتوزعون على جماعات مختلفة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، تحدد طبيعة انتمائهم وتسهم فى تشكيل رؤاهم، وتدخل طرفاً أساسياً فى تحديد أهدافهم، لكنهم يتشاركون رغم اختلاف انتماءاتهم بنسب عالية فى رفض الواقع، والجنوح المتزايد نحو العنف بغض النظر عن اختلاف مستوياتهم الاجتماعية والاقتصادية، والتمسك بصلابة الموقف، والاستعداد الدائم للتضحية، ويتميزون عن أجيالهم السابقة بالإصرار على الفعل وإحداث التغيير الذى يريدونه بعد أن أسقطوا حواجز الخوف، ولا يرون فى ماضيهم أو فى ماضى بلادهم ما يدعو إلى الاكتراث والاحترام!، ويعتقدون أنهم يبدأون من نقطة الصفر لأن الأجيال السابقة لم تراكم الكثير الذى ينبغى الحفاظ عليه!، كما يتشاركون فى اهتمام شرائح واسعة منهم بتكنولوجيات الاتصال الحديثة، وتزايد ارتباطهم بمواقع التواصل الاجتماعى لخدمة عمليات الحشد وتنظيم التظاهر والاعتصام وتبادل المعلومات والتعليقات، بأكثر من استخدامهم هذه الأدوات فى تحسين قدراتهم العلمية ومهاراتهم الفردية.

ومع الأسف لم تفلح أدوات الاتصال الحديثة التى يشيع استخدامها وسط هذه الجموع فى مقاومة تشرذم هذه الجماعات وشتاتها، ولم تساعد على خلق تيار وسطى واسع يستوعب غالبيتهم، وبقيت هذه الغالبية الكبرى خارج أطر العمل السياسى والحزبى، يؤثرون عدم الانتماء إلى أىٍّ من تنظيمات وجمعيات المجتمع المدنى، على حين توزّعت بعض هذه الجموع على تنظيمات تيار الإسلامى السياسى، خصوصاً جماعات السلفيين وجماعة الإخوان المسلمين، التى تملك نظاماً تربوياً صارماً، يتعهد هؤلاء الشباب منذ نعومة أظافرهم (12 عاماً) إلى أن يصبحوا كوادر عاملة فى أنشطة الجماعة العلانية أو فى دروبها السرية، ابتداءً من القسم الخاص المنوط به ارتكاب جرائم العنف إلى الفرق الإلكترونية التى تتابع وتطارد الخصوم السياسيين، وأجهزة الرصد والمعلومات التى تتجسس على أنشطة الدولة وخصوم الجماعة، تربيهم جميعاً على السمع والطاعة، والاستعلاء الدينى، وتقتل داخلهم الانتماء الوطنى لصالح أوهام عودة الخلافة الإسلامية، وتزرع فى عقولهم رؤى الجماعة وأفكارها التى تقدم أخوة الدين على أخوة الوطن، وتعتقد أنها الأبقى والأهم والأولى بالرعاية، لأن الآخرين من غير جماعة الإخوان المسلمين هم مجرد أغيار ينبغى مجاهدتهم، إلا أن تضطر الجماعة إلى تحالف موقوت مع بعض هؤلاء الأغيار يتحتم أن يكون لصالح الجماعة وحدها.

ومع الأسف تزرع الجماعة داخل رؤوس أعضائها أفكاراً وعقائد كثيرة تخاصم الفطرة الصحيحة، كما تخاصم النظرة الموضوعية والعلمية.. تعتبر العلمانية التى تدعو إلى الفصل بين الدين والدولة كفراً، وتهدم كل المرجعيات الدينية الأخرى خصوصاً مرجعية الأزهر! كى تبقى هى المرجعية الدينية الوحيدة فى المجتمع! ولا تستحيى من نشر الخرافة للترويج لأفكارها وسياساتها بين بسطاء الناس، كما حدث فى قصة الرسول الكريم التى تقول الرواية الإخوانية إنه هبط فجراً ليحض المعتصمين فى رابعة العدوية على أن يصلوا معه وراء الرئيس المعزول!، ويرون فى كل من يستخدم عقله عدواً متوقعاً ابتداءً من «ابن رشد» إلى طه حسين ونجيب محفوظ، ويخاصمون الفن بما فى ذلك الرواية والتصوير والسينما والنحت والغناء والموسيقى، لا يرون لهذه الفنون دوراً سوى أنها تلهى الناس عن العبادة، ولا يعترفون بدورها المهم فى تهذيب مشاعر الناس وتعميق روابطهم الاجتماعية، ويعتبرون تنظيم الجماعة قدس الأقداس الذى تفوق أهميته أهمية الوطن.

ولأن الدولة لا تقدم فى مدارسها وجامعاتها بديلاً صحيحاً يساعد على مقاومة هذه الأفكار ويصححها! ويحصّن الشباب من مخاطرها، ويمكّنهم من استخدام عقولهم لفرز هذه المغالطات الفجة واختبار صحة المقولات التى تروّج لها الجماعة، بسبب مناهج الدولة التعليمية التى تخلو من الأهداف التربوية الصحيحة، والضعف المتزايد لدور المدرسة والمدرس فى العمل التربوى، واختراق الجماعة للمؤسسة التعليمية الحكومية، وسيطرتها على نسبة غير قليلة من مؤسسات التعليم الخاص.. بسبب كل هذه العوامل تكاد تحتكر جماعة الإخوان السيطرة الكاملة على أفكار مجموعات واسعة من هؤلاء الشباب، تربيهم على السمع والطاعة، وتوجّههم الوجهة التى تريدها فى غيبة الدولة التى تعجز عن مراقبة الدور التربوى الذى تنهض به الجماعة، وفى غيبة الأسر المصرية التى ضعف دورها ولم يعد فى وسعها أن تربى وتعلم وتتابع وتراقب أبناءها لفرط انشغالها بظروف حياتها الصعبة، ومع الأسف فإن الأحزاب المدنية ليست أفضل حالاً، تعجز عن تقديم بديل صحيح يساعد على توازن الحياة السياسية للشباب، خصوصاً فى الجامعات، حيث تتمكن القلة المنظمة للجماعة من التسلط والسيطرة على الحركة الطلابية رغم أنهم لا يشكلون غالبيتها.

ويكاد يكون المنافس الوحيد لجماعة الإخوان فى سعيها للسيطرة على عقول جموع واسعة من الشباب بعض التنظيمات الشبابية يدوية الصنع التى صُنعت فى الخارج، وتم تدريبها هناك لأهداف جد مختلفة، تخلص فى إثارة الفوضى الخلاقة التى تؤدى إلى تحطيم مؤسسات الدولة القديمة على أمل بناء مؤسسات جديدة ذات أهداف ملتبسة، كثيراً ما تجنح إلى مخالفة المجموع الوطنى لصالح أهداف يصعب أن تكون محض وطنية.

وعندما تتهيأ الظروف لظهور تيارات وسطية جديدة أكثر رشداً، تناهض أفكار جماعة الإخوان المسلمين، وترفض تقويض أسس الدولة المصرية، وتدعو إلى قيم الديمقراطية الصحيحة ونبذ العنف وتطبيق أحكام القانون على الجميع، وتحاول التعبير عن إرادة المجموع الوطنى من خلال أدوات جديدة تعزز إسهام المواطنين ومشاركتهم بالتوقيع على عرائض مليونية تسهم فى تشكيل رأى عام ناضج، تتكاتف مع الأسف قوى كثيرة على قتل براءة هذه الحركات الشبابية، بما فى ذلك بعض أجهزة الدولة وبعض رجال الأعمال، يغدقون الإنفاق على هذه الحركات، ويسعون إلى اختراقها، ويتعجّلون تنظيمها فى أحزاب جديدة، بدلاً من إطلاق جهودها الطوعية فى مبادرات مستقلة تساعد على تصحيح المناخ السياسى، وغالباً ما تكون النتيجة إلحاق الأذى بهذه التنظيمات بعد أن أصبحت جزءاً من عملية الاحتراف السياسى، يتشكك الكثيرون فى أهميتها وجدواها.

فى ظل هذه الظروف الشائكة احتكرت جماعة الإخوان السيطرة على أفكار مجموعة واسعة من الشباب، تربيهم فى إطار مجموعة من القيم تهدف إلى تقويض مؤسسات الدولة، وهدم مصداقيتها، وكثيراً ما تقودهم إلى صدام مع الدولة بسبب أعمال العنف وجرائم الاغتيال وعمليات التفجير التى تستخدمها الجماعة بهدف الوصول إلى الحكم، وعادة ما تفشل فى تحقيق أهدافها وتكون نتيجتها الزج بعشرات الآلاف من الشباب إلى السجون فى دورة تكررت أكثر من مرة.. ولا أظن أن أحداً يمكن أن يختلف على أن كل تنظيمات العنف فى مصر خرجت من تحت عباءة جماعة الإخوان، ابتداءً من تنظيم «الفنية العسكرية» إلى جماعات التكفير والهجرة إلى الجهاد، وفى كل هذه الجماعات كان الخيط التنظيمى واحداً، كما كان موردهم الفكرى واحداً، ابتداءً من صالح سرية مؤسس تنظيم الفنية العسكرية، إلى شكرى مصطفى مؤسس التكفير والهجرة، إلى عبدالسلام فرج مؤسس الجهاد، ينهلون جميعاً من أفكار سيد قطب ومفاهيمه عن جاهلية المجتمع وتكفيره، وضرورة العمل على إسقاط الدولة الكافرة عن طريق العنف والقوة.. ولا أظن أيضاً أن فى وسع أحد أن يصدق الآن أن جماعة الإخوان التى تبنّت جميع صور العنف ابتداءً من المظاهرات المسلحة إلى السيارات المفخخة، ووثّقت تحالفها مع تنظيمات القاعدة والسلفية الجهادية فى خطة عمل تخريبية تضرب أمن مصر فى سيناء يمكن أن تكون جماعة معتدلة، وأن الاعتدال الذى تدعيه مجرد قناع تنكرى يخفى خطط الجماعة وأهدافها.

ولأن المشكلة ليست محض مصرية بعد أن وضح للعيان أن جماعة الإخوان تخطط وتنظم وتجنّد الخلايا هنا وهناك على أمل أن تكون البديل لأنظمة الحكم العربية، يصبح من واجب الدول العربية الواعية التكاتف والتعاون والعمل على بناء مؤسسة تربوية وسياسية قومية، هدفها الأول والأخير هو تحصين الشباب العربى من أخطار هذه الأفكار، بحيث يمتنع على جماعة الإخوان المسلمين السيطرة المنفردة على عقول هذه الأجيال!

نقلا عن :  الوطن

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com