فى وصف حالتنا: تصارع القوى المدنية وتشتت القوى القبطية يفسح الطريق للسلفيين.. السلفيون يضمنون رعاية خارجية واحتياجا أمريكيا
يا وطن قولى رايح على فين؟
السؤال الذى يطرحه كل مواطن على نفسه والآخرين:
«إحنا رايحين على فين؟»، الحالة العامة ملتهبة، معارك مختلفة ومتوازية، الحالة الاقتصادية «لا تسر عدوا ولا حبيبا»، أنبوبة البوتاجاز ارتفعت أسعارها بشكل خرافى، تجمد العمل من أجل الحد الأدنى والأقصى للأجور، الإعلام الحكومى يهاجم الحكومة، انقسامات فى الأحزاب، الأقليات الدينية خاصة الأقباط فاض بهم الكيل، مطالبات مشروعة بالتمييز الإيجابى، وقفات احتجاجية من شباب الأحزاب ضد قياداتهم، الجماعات الإرهابية تعبث فى الجامعات، فى محاولة لإيصال رسالة للعالم الخارجى بأن الحكم غير متحكم فى الأمور، شائعات مغرضة ضد القوات المسلحة عامة والفريق أول عبدالفتاح السيسى خاصة، وصلت الخلافات حتى إلى داخل المؤسسات الدينية المغلقة، الأمر الذى دعا د.عمرو حلمى وزير الصحة الأسبق إلى أن يسأل د.محمود عزب مستشار شيخ الأزهر، فى لقاء مع وفد التيار الشعبى: كنا نظن أن طلاب الأزهر محصنون ضد الفكر المتطرف.. وفوجئنا بالعكس لماذا؟ وكانت الإجابة أن الأزهر مستهدف منذ ثلاثين عاما، وأضاف: التدفق المالى النفطى، والفكر الوافد أثر أبلغ الأثر.
على الجانب الآخر شاهدنا للمرة الأولى تفجر الخلافات بين الأنبا بولا والأنبا أرميا حول المادة الثالثة، والسلفيون يحاولون ملء الفراغ الذى تركة الإخوان.
الإرهاب بالحرب النفسية:
تشتد الحرب النفسية بعد تراجع الإرهاب، فى سيناء تراجع الإرهاب فى شهر أكتوبر بنسبة %80، وفى محافظات مصر الأخرى تراجع الإرهاب بنسبة %90، وفشلت كل محاولات الإخوان فى استقطاب فئات شعبية، وتضاءلت قدرتهم على الحشد، ومن ثم لجأوا إلى الجامعات، فى محاولة فاشلة لإيقاف الدراسة، وأمام كل تلك التراجعات لم يكن أمام الجماعة الإرهابية سوى بث الشائعات الكاذبة، محاولات لاغتيالات غير حقيقية، أو بث خبر كاذب عن أن عسكريين إسرائيليين يحمون قناة السويس!!!
الكتائب الإلكترونية الإخوانية تمثل أكثر من %50 من الفضاء الافتراضى، والإعلام الرسمى مشغول بمعارك جانبية.
اهتزاز معسكر 30 يونيو:
أخطر ما فى الوطن هو الصراع المكتوم بين مكونات معسكر 30 يونيو:
أولا: القوى المدنية الحزبية
تراجعت مفاوضات الاندماج بين الأحزاب المدنية، خاصة الحزبين المصرى الديمقراطى، والمصريين الأحرار، وتحول الأمر إلى استقطاب كل حزب لبعض الأحزاب الصغيرة فى سياق الاستحواذ على النصيب الأكبر من مساحة المكانة فى الاندماج، المصريين الأحرار قام باحتواء ما تبقى من حزب الجبهة الوطنية، والمصرى الديمقراطى يستقطب بقايا حزب العدل، والمصريين الأحرار بإمكانياته الاقتصادية المعروفة بات ينظم صفوفه الانتخابية فى المعركة البرلمانية القادمة بطريقة أقرب إلى شراء الأندية للاعبين!! فى حين يحاول المصرى الديمقراطى بإمكانياته الفكرية والشخصيات العامة المرموقة من أعضائه الوصول إلى رؤية تنظيمية تتجاوز الضعف المالى، إلا أن الحزبين يعانيان من بعض أمراض الحياة الحزبية القديمة، والصراعات بين أجنحة تلك الأحزاب، إضافة لتحول العضوية القبطية فى الحزبين إلى عبء بدلا من أن تكون إضافة، لعدم تأهل أغلبها للعمل السياسى، وسيطرة التربية الأبوية «الكنسية» على منهجياتهم فى إدارة الخلافات، كل ذلك يهدد تلك الأحزاب بالتراجع فى الانتخابات البرلمانية القادمة وإن كان المصريين الأحرار سيكون الخاسر الأكبر، نظرا لأن معظم تحالفاته تفتقر للرؤية، وافتقاد قيادات الحزب لفهم آليات العمل بالشارع، أو إدراك مكانيزمات العمل مع الدولة.. على عكس المصرى الديمقراطى الذى يمتلك قدرات من أعضائه اليساريين للعمل الجماهيرى، وكذلك امتلاك الحزب العديد من رجال الدولة وفى مقدمتهم د.حازم الببلاوى رئيس الوزراء، ود.زياد بهاء الدين نائب رئيس الوزراء وآخرون، إلا أن المصرى الديمقراطى يعانى من محاولات الإعلام تحميله إخفاقات الحكومة، والمدهش أن إحدى القنوات التى يمتلكها بعض رجال الأعمال القريبين من الحزب هى التى تهاجم الحزب والحكومة بضراوة وبإيعاز من بعض أجهزة الدولة «القديمة».
التيار الشعبى وصراع الجيال:
إذا انتقلنا للتيار الشعبى الذى أسسه المرشح الرئاسى السابق حمدين صباحى، سنجد أن زخم نتائج الانتخابات الرئاسية قد بدأ فى التراجع، خاصة بعد ثورة 30 يونيو، وكان التيار الشعبى يسير بمكونين رئيسيين: مجلس الأمناء ويضم المناضلين القدامى والمفكرين والإعلاميين، والمكتب التنفيذى ويضم الشباب الذين قدموا الدماء والشهداء «مثل الشهيد محمد الجندى»، وكان هؤلاء الشباب بمثابة الذراع الجماهيرية، الذين صنعوا مجد التيار فى الشارع السياسى، بحيث كانوا فى مقدمة الصفوف حتى حدثت ثورة 30 يونيو، وتوارى مجلس الأمناء وأوكل الأمر إلى لجنة التسيير المكونة من بعض أعضاء مجلس الأمناء، وتضاءل دور الشباب، وتفجرت الخلافات حينما بدأ البعض فى محاولة تحويل التيار إلى حزب، الأمر الذى أدى إلى تراجع دور أعضاء التيار من الأحزاب ومنها المصرى الديمقراطى، والدستور، والكرامة، والناصرى، إلا أن ازدواجية الانتماءات خاصة بين التيار والكرامة جعلت شبح الصراعات المكتومة تطفو على سطح الأحداث، ولا يمكن إغفال دور قضية إمكانية ترشح الفريق أول عبدالفتاح السيسى للرئاسة، وإسراع معظم قيادات التيار خاصة الناصرية بإبداء رغبتهم فى ترشيح السيسى، كل تلك العوامل مجتمعة تكاد تفقد التيار رؤيته، الأمر الذى جعل بعض الشباب ينظمون وقفة احتجاجية ضد القيادة!!
أحزاب النظام القديم تتقدم:
على الجانب الآخر من ضفة نهر القوى المدنية، يقف حزبا: الحركة الوطنية «الأب الروحى له الفريق أحمد شفيق» وحزب المؤتمر «الأب الروحى له د.عمرو موسى»، وإذا توقفنا أمام حزب الحركة الوطنية سنجد أنه يذكرنا بالأحزاب التى كانت تضم أجهزة الدولة، مثل حزب الشعب الذى كونه إسماعيل صدقى باشا، والحزب الوطنى الذى أسسه السادات، ويمتلك الحزب خبرة الدولة العميقة من أمنيين وإعلاميين وقضاة ورجال أعمال وكبار الموظفين، وساعد فى تنشيط الحزب شخصيات تمتلك قدرات تنظيمية وفكرية وإعلامية، مثل الفقيه إبراهيم درويش، وعالم الاجتماع البارز سعد الدين إبراهيم، والباحث فى الشؤون الإسلامية عبدالرحيم على ولفيف من الإعلاميين البارزين ومنهم توفيق عكاشة، واستطاع هؤلاء ومعهم جنود مجهولون من الخبراء الأمنيين السابقين الحفاظ على رأس المال الاجتماعى الذى تركه لهم الفريق شفيق من الأصوات الانتخابية، واستطاع هذا الحزب أن يلعب دورا من وراء الستار فى ثورة 30 يونيو، وأخطر ما استطاع الحزب أن يفعله هو التقارب مع السلفيين، واستقطابهم ضد الإخوان، والإبقاء عليهم حتى الآن فى خارطة الطريق، بشكل أقرب للتحالفات السياسية، وكلنا شاهدنا الزيارات المكوكية للقيادات السلفية للإمارات، فى نفس الوقت استطاعت القيادة فى القاهرة والإمارات أن تستقطب شخصيات عامة مسيحية من قضاة ومستشارين وفنانين وكبار موظفين، وبعد صراعات باردة مع حزب المؤتمر استطاع حزب الحركة الوطنية أن يستقطب حزب المؤتمر إلى جانبه، ولعل الجميع لا يعلم أن الفريق شفيق هو أول من سافر إلى موسكو، وأن الوفد الشعبى الذى سافر إلى موسكو ضم المستشار يحيى قدرى رئيس حزب الحركة الوطنية، جنبا إلى جنب مع السفير محمد العرابى رئيس حزب المؤتمر، فى دلالة واضحة على أن الحزبين يلعبان دورا موازيا للدولة القائمة، الأمر الذى يبدو جليا فى حديث «ليونيد إيسايف» رئيس وفد الدبلوماسية الشعبية الروسية الذى قال لإذاعة صوت روسيا: «بودنا أن نلتقى مع الذين سوف يشاركون فى الانتخابات القادمة «يقصد الحكم الجديد»، إنهم بحاجة إلى اللقاء معنا، ولذا فإن الوقت هو الأنسب لتلك اللقاءات».
السلفيون «المحلل» الإسلامى لعودة النظام المباركى:
بعد أن استعرضنا مواقف أكبر القوى المدنية بغض النظر عن التباين الاجتماعى والسياسى بينهم، نصل إلى الحصان الأسود، السلفيين فى حزب النور أو باقى مكونات الجبهة أو الحركة السلفية، ولابد أن نضع فى الاعتبار حزمة من العوامل التى تجعل الإخوة السلفيين هم الحصان الأسود فى السبق نحو ماراثون الحكم القادم:
أولا: محاولاتهم ملء الفراغ الإسلامى بعد تحول الإخوان إلى الإرهاب، خاصة بعد تحالفهم مع حزب الحركة الوطنية امتدادا للنظام المباركى، والخدمات التى يقدمونها من الضبعة وحتى الحدود الليبية.
ثانيا: العلاقات السلفية الخلجية المتشعبة.
ثالثا: التقارب السلفى الأمريكى الذى شق طريقه عبر بوابة ابن خلدون، ود.سعد الدين إبراهيم، ولقاء أعضاء من حزب النور مع السفيرة الأمريكية السابقة «آن باترسون»، وتقديم السلفيين أنفسهم كبديل للإخوان للحفاظ على المصالح الأمريكية فى المنطقة خاصة فى التصدى لما يسمى فى الأدبيات الأمريكية بالهلال الشيعى، وهكذا يكون الإخوة السلفيون لهم امتدادات متشعبة: «إقليمية» مع العربية السعودية، و«دولية» مع الولايات المتحدة الأمريكية، أما على الصعيد الداخلى فهم يستخدمون قوتهم الناعمة فى الزحف على الأزهر الشريف، ويجرون مفاوضات جانبية «لدسترة» موقفهم عبر اختراقاتهم لعلماء أزهريين، ومن خلالهم لأساقفة بالكنيسة!! «راجع خلاف أحد الأساقفة حول المادة الثالثة بما يشير إلى تبنيه الموقف السلفى»!!
كأننا يا بدر لا رحنا ولا جينا:
هكذا يبدو جليا للعيان ووسط الانقسام المدنى والقبطى، أن النظام المباركى المعدل يقترب من العودة مع تحالف سلفى، حيث إن حزب الحركة الوطنية يضمن كبار رجال الدولة والأجهزة، والمؤتمر يضم كبار العائلات والقبائل، والسلفيين المناطق ذات النفوذ البدوى، مدعومين من الولايات المتحدة والعربية السعودية من جهة السلفيين، والخليج وروسيا من جانب الحركة الوطنية، لعل المستفيد الأساسى من هذا الوضع القوى الاجتماعية والطبقية القديمة وفى مقدمتهم رجال الحزب الوطنى والسلفيون وحزب الوفد، والخاسرون الأساسيون: ما يسمى بالقوى المدنية خاصة، المصريين الأحرار، والمصرى الديمقراطى، لأن المصريين الأحرار مهما امتلك من أموال لن يستطيع أن ينافس المال النفطى، والمصرى الديمقراطى مهما امتلك من خبرات ونفوذ لن يستطيع منافسة أجهزة الدولة القديمة، يبقى السؤال حول دور القوات المسلحة؟
أعتقد أن خصوصيتها الوطنية سوف تجعلها تقف حكما بين القديم والجديد، وستكتفى بحماية الدستور والتراب الوطنى، وإنهاء خارطة الطريق بسلام إن أمكن، وبالتأكيد سوف يحاول النظام القديم تحجيم أى دور تحديثى للقادة العسكريين، وسيكون هناك دور أمريكى فعلى فى حسم هذه الصراعات والمنافسات، اللهم احم الفريق أول عبدالفتاح السيسى من حلفائه أما أعداؤه فهو كفيل بهم، اللهم إنى قد بلغت اللهم فاشهد.
نقلاً عن اليوم السابع
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com