بقلم المحامي نوري إيشوع
في لحظة حزنٍ مبللة بدموعٍ الكآبة، دون سابق انذار و دون إعطائي مهلة للتكفير، أجبروني على الرحيل و ترك أجمل ما عندي في هذا العالم الزمني الفاني، لملمتُ جسدي المثقل بالجراح بعد مواساتي الشاقة لروحي المتعلقة بحبيبةٍ رافقنني منذ الولادة، كانت تتبعني كطيفي في حلي و ترحالي، تشاركني أحلامي في ليلي و تحمل عني أتعابي و همومي في نهاري القاسي ، تظللني من قسوة حرارة الشمس الحارقة، تدفيني من أسواط البرد، تسهر معي اثناء دراستي و تعتني بي أثناء مرضي و معاناتي، تعينني عند حاجتي.
حبيبة، أخترتها لإنها كانت أجمل عروس خلقها الله على المعمورة و لا زالت، رسمها، لوحة فسيفسائية رائعة الألوان، قامتها، هيفاء، فارعة، أروع من عود الريحان، شعرها يسابق أمواج نهري بردى و العاصي، رقتها، نسمات الربيع في آذار و نيسان، شموخهاكجبل قاسيون عزةً و عزمها على البقاء أكبر برهان، عند غضبها تهدر كنهري دجلة و الفرات تصول و تجول كفارس في الميدان؟
هجرتُ الحبيبة، رحيل دون وداع، بعد أن فتح السجان، أبواب سجونه أمام الرعاع، وحوش قادمة من مزبلة التاريخ، وجوه مغبرة، ملامح مكفرة، إيادٍ ملطخة بالدم و عقول مغبرة، بطون جائعة للحوم البشرية و أفواه عطشى لدماء الإنسانية!
هجرت الحبيبة بعد أن أغتصبوا الطفولة تحت ظلال أشجارها، غصباً عنها، باعوا الشرف في محاكمهم الشرعية، قتلوا العلم و المدنية من خلال فتاوى شيوخ التكفيرية، دمروا معالم التاريخ بعقول حجرية قادمة من عصور عثمان و تيمورلنك و جنكيزخان و ذلك بأموال سعودية، قطرية، كويتية و إماراتية و بمساعدات خليجية و تحت غطاءات أمريكية أوروبية و بعض العمالة العربية.
رحيل دون وداع
تركنا الغوالي من الأحبة و الذكريات، تركنا أرض أجدادنا و كرومنا للثعالب و ذئاب الغابات، تركنا تربة الراحلين لعاديات الزمان و أوقفنا عنهم صلواتنا و منعنا حتى الزيارات، تركنا الحبيبة وحيدة، لكن شهدائنا أبّوا بقوة الرحيل و أصروا على البقاء لحراستها بأرواحهم و حمل مشاعل النصر و رفع رايات الفخر.
حبيبتي رغم جراحها، وقفت كالمارد تقارع أعدائها، تحمل سيف و ترسها و تلملم جراحها، تدّون المدنية و المحبة البشرية بيراعها و سجلاتها، بعزمها و تصميمها هبت رياحها، طاردت الوحوش، صدت هجماتها، تحت ضرباتها، أرتد الشر و كلابه الى قبوره المظلمة وغابت في أودية الكفر البعيدةو أسكتت نباحها!
رحيل دون وداع، لكن بعد كل وداع، نهاية سعيدة، يتنصر الحق و تعود الفرحة، تضحك الطفولة ، تتحصن الأنوثة، يولد سلام بهمة الرجولة، ينتهي الرحيل، تتوقف الأوجاع، يرجع المهاجر إلى أحضان الحبيبة.
في 2013/11/1
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com