بقلم : مؤمن سلام
العلم المصري يُحرق بأيدي مصرية في ميدان التحرير المصري. مشهد صدم الجميع، وأحزن كل مصري وطني ينتمي لهذه الأمة قبل أي انتماء أخر. إلا اننى رغم حزني لهذا المشهد إلا أن هذا المنظر بعث في الأمل من جديد بأن الأمة المصرية على وشك أن تنهض، فحرق العلم دليل أننا قد وصلنا إلى القاع في انتماءنا الوطني مما يشير إلى أننا سنبدأ رحلة الصعود مرة أخرى على درب هويتنا المصرية الأصيلة.
كثير من المصدومين لم يدركوا أن مشهد حرق العلم المصري ليس وليد اليوم ولكن بذرة هذا الحدث وضعت منذ 60 سنة عندما قيل لنا أننا لسنا مصريين وإنما نحن عرب. فبعد نصف قرن من حسم المصريين لانتمائهم وهويتهم بعد صراع طويل بين دعاة الجامعة الإسلامية والتعلق بأذيال السلطنة العثمانية، ودعاة الهوية المصرية المستقلة الحرة المعبرة عن الأمة المصرية الموحدة. حسم المصريون أمرهم وأعلنوا أنهم الأمة المصرية رافعين شعار "مصر للمصريين". حتى مع ظهور جماعة الإخوان المسلمين التى حاولت التشكيك في هويتنا الوطنية المستقلة ومحاولة إحياء الهوية الدينية مرة أخرى إلا أنهم فشلوا في تحقيق ذلك منذ تأسيس الجماعة في 1928 و حتى يوليو 1952، فقد كانت الهوية المصرية قد ترسخت ويقوم على حراستها سياسيين ومفكرين وكتاب وعلماء.
ظل أمر الهوية محسوم حتى جاء عبد الناصر ليقول لسنا مصريين ولكننا عرب، حتى وصل به الأمر إلى محو اسم مصر من الوجود ربما لأول مرة في التاريخ لتصبح "الجمهورية العربية المتحدة". وهكذا يفرض عبد الناصر على أمتنا المصرية الهوية العربية بقوة الحديد والنار، تلك الهوية العربية التى لم يكن يعترف بها أحد من المصريين، ما جعل ساطع الحصري، أحد أقطاب القومية العربية فى أوائل القرن العشرين، يعلن يأسه من تبنى المصريين للقومية العربية وإننا المصريين لا نعترف بكوننا عرب. ولا ننسى هذه الكلمة الشهيرة لسعد زغلول عندما اقترح علية البعض الوحدة العربية قائلا كلمته الشهيرة صفر + صفر = صفر. ورغم كل ذلك استطاع عبد الناصر أن يفرض القومية العربية بقوة الاستبداد والبطش.
هذا العدوان على الهوية المصرية لصالح الهوية العربية سهل الأمر لجماعات الإسلام السياسي في سبعينات القرن الماضي لكي توجه طعنة أخرى للهوية المصرية بالدعوة للهوية الإسلامية. وإذا كان عبد الناصر قد استخدم الإرهاب المادي لمنع أي معارضة لأفكاره، فقد استخدم الإسلام السياسي الإرهاب المادي والمعنوي فكل من يرفض الانتماء السياسي للأمة الإسلامية فهو كافر مرتد حلال الدم. كذلك لو دققنا النظر لوجدنا أن القومية العربية والأممية الإسلامية وجهان لعملة واحدة، فالتاريخ العربي لا يبدأ إلا مع الإسلام والإسلام قام على أكتاف العرب. وهكذا ضاعت الهوية المصرية بين القومية العرقية والأممية الدينية.
والمؤسف أن رغم كل هذا التخبط الذي أصابنا منذ 60 سنة وأعادنا إلى ذيل الأمم كما كنا في أوائل القرن التاسع عشر، مازال ساستنا لا يدركون هذا المرض الذي أصاب الشخصية المصري. هذا التخبط الذي جعل الشخصية المصرية تفقد هويتنا وإدراكها لذاتها، ما جعلها شخصية غير سوية مشوهه وبالتالي غير قادرة على الإنتاج والإبداع. رغم كل ذلك مازال أعضاء لجنة الخمسين يصرون على أن تنص المادة الأولى من الدستور على أننا جزء من أمم أخرى ولسنا أمه قائمة بذاتها لها شخصيتها وسماتها الخاصة. ولذلك، لا تندهشوا لو رأيتم العلم المصري يُحرق مرة أخرى بأيدي مصرية في ميادين مصرية، فنحن لم نتربى على أن نكون مصريين نفخر ونعتز بهويتنا ورموزنا ورايتنا، دون عنصرية أو استعلاء.
عاشت مصر وعاشت الأمة المصرية
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com