بقلم:عبد اللطيف المناوي
لا يوجد دستور فى أى من بلدان العالم يُرضى كل مواطنى هذا البلد، المأمول فى أكثر الدول تحضرا أن يحصل الدستور على أغلبية واضحة فى ظل مشاركة كبيرة من المواطنين. ولا يمكن اعتبار الدستور، الذى سوف يطرح للتصويت، استثناء من هذه القاعدة. لذلك فإن مشاركة كبيرة وفعالة من المصريين فى التصويت سوف تعنى حراكاً سياسياً يتناسب مع الواقع الذى تعيشه مصر منذ ثورة يونيو، ويستكمل هذا الحراك بموافقة بنسبة ملحوظة على الدستور.
فى البداية ينبغى أن يتخلص المدافعون عن الدستور من استخدام كل أشكال أفعل التفضيل فى وصفه، فالدستور الذى سوف نصوت عليه ليس هو الأفضل والأحسن ودرة الدساتير التى شهدتها الإنسانية، لا ينبغى أن يقع هؤلاء فى ذات الخطأ الذى وقع فيه الإخوان وتوابعهم عندما تحدثوا عن دستورهم باعتباره كتاباً مقدساً إلا قليلًا، وأنه أعظم ما شهدته الإنسانية من نتاج بشرى، هذا على الرغم من أن الجرائم التى حملها دستورهم كانت تغنى عن التنقيب عن مساوئه، فقد كان دستوراً ضد الوسطية والإنسانية وتمهيدات لتأسيس دولة دينية. نجح المصريون فى الإطاحة بالنظام ودستوره وخرج دستور جديد، حتى ولو كان تحت مسمى تعديل للدستور المعطل، فلا يجب على المدافعين عنه أن يقعوا ويكرروا خطأ الإخوان. ما سوف يتأتى عليه المصريون هو نتاج لجهد بشرى يصيب ويخطئ. فى الدستور المطروح للاستفتاء مشكلات واضحة، وبه مواد لا ترضى من يحلم بدولة مدنية حقيقية، لا يلبى طموحات الجميع. ولكن فى النهاية ينبغى التعامل معه باعتباره وثيقة تشكل خطوة مهمة وأساسية فى التحرك نحو الأمام والخروج من تلك الدائرة الجهنمية التى يحاول أعداء الدولة فى الداخل والخارج أن يدفعونا نحوها.
دعا الرئيس المؤقت المستشار عدلى منصور الناخبين للاستفتاء على مشروع الدستور الجديد يومى 14 و15 يناير المقبل. وقال منصور فى كلمته «إن الشعب قال كلمة مدوية فى 30 يونيو.. ولا عودة للوراء»، مؤكداً أن «خارطة مستقبل هذا الوطن الأبى ومصر المستقبل مستقلة القرار ماضية فى استحقاقاتها، من خلال دولة حريصة على إنفاذ القانون واستعادة هيبتها وتلبية احتياجات شعبها، الذى ضحى كثيراً من أجلها، وآن الأوان لأن تتحقق له طموحاته وتطلعاته». ويظل السؤال: هل يمكن تحقيق ذلك دون مشاركة حقيقية فى الاستفتاء عليه؟ وهل يمكن تحقيق ذلك دون التعامل بواقعية مع حقيقة أن هذه الوثيقة ليست الأفضل على الإطلاق، لكنها صالحة للتقدم، من خلال إقرارها، إلى مرحلة جديدة لنصل إلى مفهوم الدولة التى نريد؟
لست هنا من الباحثين أو المغرمين بشهادات دولية لحسن السير والسلوك، لكن قد يكون بيان منظمة العفو الدولية صالحاً هنا للاستشهاد به، على الرغم من الملاحظات التى ذكرها البيان حول مسألة المحاكمات العسكرية والتمييز ضد الأجانب، إلا أن المنظمة اعتبرت أن المشروع الجديد قد أصلح الكثير من العيوب التى حملها دستور الإخوان.
الاستفتاء على الدستور يتخطى حدود الإجراء التشريعى الطبيعى إلى منطقة الاحتفال والإصرار، الاحتفال بإنجاز الخطوة الأولى المهمة التى التزم المصريون بها من خارطة الطريق، وهو أمر يعنى أنه رغم كل المعوقات التى مازالت حاضرة فإن الإصرار على التقدم إلى الأمام هو الفعل السائد القادر حتى الآن على حسم المعركة الدائرة مع الإخوان المسلمين وأتباعهم.
نقلا عن : المصري اليوم
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com