سافرت إلى إندونيسيا بدعوة من جمعية العلماء ووزارة الشؤون الدينية الإندونيسية.. فاسترحت هناك من عناء متابعة الصراع السياسى المصرى الذى لم يترك بيتا إلا دخله، وأدخل فيه الهم والحزن والكآبة.. وسعدت بترجمة بعض كتبى إلى اللغة الإندونيسية، وبعودتى للدعوة إلى الله فى أجمل بلاد الله.
أنت فى إندونيسيا لا ترى إلا الخضرة.. تراها مد البصر.. لا نهاية لها.. ليست هناك بقعة صفراء واحدة فى جزر إندونيسيا.. ولولا الأسفلت لما رأيت لونا آخر سوى الخضرة.
والمناخ حار فى العام كله وموحد فى كل الفصول لأنها تمر بخط الاستواء.. ولو ألقيت أى بذور فى أى مكان لوجدتها بعد عدة سنوات أشجارا عالية مثمرة، دون عناء.. إنها جنة الله فى أرضه حقا.. فالخضرة على رؤوس الجبال.
وإندونيسيا تتكون من ١٣ ألف جزيرة.. وهناك جزر ليس لها اسم وغير مأهولة.. ويتكلم السكان هناك ٦٣٠ لغة، وفيها ٧ أديان هى على الترتيب فى الانتشار: الإسلام وتدين به غالبية السكان.. ثم البروتستانتية، فالكاثوليكية، فالبوذية، فالهندوسية، فالوثنية.. والوثنيون قلة قليلة هناك، ولكن الجميع يعيش فى سلام ووئام.
فالإندونيسى دائم البسمة، مهما كان منصبه، وبسيط جدا فى ملابسه..
وكل إندونيسى لديه موتوسيكل تقريبا.. لأنه أهم وسيلة مواصلات يركبه الزوج، مردفاً وراءه زوجته، وتركبه المرأة لتصل إلى عملها، وتردف ولديها خلفها، لتوصيلهما إلى مدارسهما، ولتعيدهما مرة أخرى إلى المنزل.
ورغم وجود الأشجار وتساقط أوراقها فلا ترى ورقة واحدة على الأسفلت، فالشوارع والأشجار تغسلها الأمطار كل يوم تلقائيا.
والأتوبيس العام مكون من أتوبيسين مدمجين مثلما فى تونس، وله محطات وطريق خاص به لا تمر به أى سيارات أخرى، حتى لا يتأخر أبدا فى وقت الزحام والذروة.
قلت فى نفسى إن هذه البلاد يسكنها ٢٣٠ مليوناً مختلفون فى كل شىء فى الأديان واللغات والأعراق، والرئيس ونائبه من المسلمين.. فكيف يعيش هؤلاء جميعا بهذه الروح الجميلة، دون شتائم ولا صراع ولا تخوين ولا اقتتال ولا تفجير بعضهم بعضا.
والعطلة الأسبوعية هى الأحد وليس الجمعة، دون أن يحدث ذلك صراعات ومشاكل.. حتى إننى تحدثت مع الكثير من العلماء الإندونيسيين الحاصلين على الدكتوراه والماجستير فى الشريعة، فقالوا: «هذا أمر عادى، ما دمنا نأخذ وقتنا لصلاة الجمعة فلا حرج.. حيث إن الأصل فى يوم الجمعة العمل، (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِى الْأَرْضِ)».
وتولت السيدة «ميجاواتى» رئاسة الجمهورية، منذ فترة، وكانت هناك اعتراضات دينية من بعض العلماء على تولية المرأة.. ولكنها اعتراضات فكرية مهذبة لا تخرج إلى دائرة الصراع والحرب أو حتى الشتائم والتخوين.
ويوم الأحد تخرج الأسر الإندونيسية- حتى المسلمة منها- إلى الميادين العامة لتملأها وتتمتع بالإجازة الأسبوعية، ويومها يمنع مرور السيارات فى بعض الطرق لتترك للرياضة والجرى.
قلت فى نفسى: ما هذا الشعب الطيب؟.. وأين نحن منه؟.. ونحن إذا لم نجد سببا للصراع السياسى خلقنا له سببا.. وأدرنا معارك لا أول لها ولا آخر فى غير ميدان.
وقلت: هل هؤلاء أفضل منا وأحكم منا وأحلم منا؟
الناس فى إندونيسيا لا يهتمون بالسياسة كثيرا، هم يهتمون بعملهم قبل كل شىء، ويعتبرون أن الإنسان هو مناط التغيير وليس الحاكم.. إندونيسيا صنعت ثورتها الخاصة بها من داخل الإنسان ومن المجتمع، دون أن تراق الدماء أو يحرق الأخضر واليابس.. فالناس هم الذين غيروا أنفسهم بأنفسهم، وصنعوا سلاما لأنفسهم مع أنفسهم.. فكان هذا الجمال والنظام الذى يبهر الجميع.
المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com