من فرط مرارة الواقع وعبوسه وغموضه، يروق لى السفر على جناح خيال إلى الماضى دون شعور بعقدة ما. وليس بالضرورة أن يكون الماضى كله برمته بغيضاً، فهذا حكم غير موضوعى وطائش ويغفل التقييم، بل على العكس، هناك فى الماضى لآلئ تلمع فى ظلمة الأيام وتسكن الذاكرة. الماضى جزء من الحياة فيها الصالح والطالح، ورفض الماضى هو شوطة نشطاء النت! المهم، لن أتغنى كثيراً بالماضى حتى لا أقع فى كمين التحيز لزمن مبارك. وما له مبارك؟ المهم، لأن من إحدى عاداتى الشخصية الاحتفاظ بأشياء صغيرة لها دلالة كبيرة، فقد وقع فى يدى عدد قديم من مجلة المصور «٢٩ أكتوبر سنة ١٩٩٠» برئاسة تحرير مكرم محمد أحمد وإدارة تحرير رجاء النقاش وأحمد أبوكف، وعلى غلافه مانشيت أحمر «كشف أدبى هام» الرسائل الخاصة بين سهير القلماوى وطه حسين وصورتان لهما.
وقد احتفظت بالنسخة فى مكتبتى وضننت على الصفحات بالتفريط فيها. وجلست أقرأ تحقيق الأستاذ إبراهيم عبدالعزيز الباحث والمحقق الأدبى وهو يعيش بيننا فى أحد أقبية مجلة الإذاعة والتليفزيون الآن.
تقول د. سهير القلماوى فى أحد خطاباتها للعميد طه حسين: «لعل أكثر ما أقلدك فيه هو كتابة المحاضرات فى آخر لحظة» وتقول فى خطاب آخر: «أرجو أن تفصلنى من البعثة وعندى أسبابى» وتقول فى خطاب ثالث «شاب عراقى يقف أمامى فى الباخرة مستظرفاً وشامى يستخف دمه» وتقول فى خطاب رابع: «أنا أحوج الجميع إلى من يرفه عنى فى هذه الحياة الجامدة الباردة».
هذه الخطابات فى الثلاثينيات وتشى بروح الاحترام بين التلمذ وأستاذه «مفقودة الآن» وتشير إلى صورة التقدير المتبادل بين الأستاذة والعميد «مفقودة الآن» وتشير إلى زمن خرجت فيه المرأة من قفص الحريم إلى الحياة العامة ورسائلها إلى أستاذها دون أدنى شعور بالحرج «مفقودة الآن» . ما أجمل ذلك الزمن. أم كلثوم تشدو مطلع كل شهر والعقاد وطه حسين فى أحاديث المساء من الإذاعة. وصوت المقرئ محمد رفعت يجلجل فى خشوع. والعيش البلدى من دقيق بلا مسامير والشوارع آمنة.
الآن، كشف هام من نوع آخر: طلبة يثيرون الفوضى فى قاعة الامتحانات وأتابع: وطالبات الدراسات الإسلامية يمزقن ملابس الدكتورة المحاضرة «!!».
طلبة الهندسة يحرقون معامل الكلية ويعطلون مهمة سيارات الإطفاء «!!». بنات سبعة الصبح يلوثن الروح الاجتماعية بغليظ السباب والشتايم«!!» اقتحام حجرة عميد كلية الصيدلة وإصابته بالقلب «!!». هذا بعض مما آلت إليه جامعتنا عام ٢٠١٣، صحيح أن الشعوب تمر برسم بيانى كل مائة عام وفى الفترات الانتقالية عقب الثورات بين انحطاط ثم ازدهار وبين أفول ثم شروق وبين صعود ثم انحدار. فهل نحن فى مرحلة الانحدار؟
نقلا عن المصري اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com