أتصور أن لدي المشير عبدالفتاح السيسي (رئيس مصر الجديد) فرصة ذهبية " قد تكون مهددة بالضياع "، إذا لم ينتبه – في خضم الأحداث الإرهابية، وحفلات " النفاق " الأشد خطورة من الإرهاب - إلي طبيعة اللحظة الراهنة التي تمر بها " مصر " والمنطقة والعالم، وهي بكلمة واحدة (نهاية الإيديولوجيا)إ. وإذا شئت عزيزي القارئ تقسيم دول العالم اليوم إلي ثلاثة أقسام : (دول متقدمة) وأخري (غير متقدمة) وثالثة (تسعي إلي التقدم)، ستجد أن الدول التي (سعت) ونجحت في العبور إلي مصاف (الدول المتقدمة) هي التي أسقطت " الإيديولوجيا " عن عمد وإصرار وتحملت عن وعي تكاليف هذا العبور الصعب. وأشدد هنا علي " الإيديولوجيا " وليس (الدين)،
ولا شك أن تديين السياسة وتسيس الدين هو أسوأ أنواع " الإيديولوجيا " وأشدها خطرا، لكن ما أقصده (بالإيديولوجيا) هو ما فعلته روسيا حين تخلّت عن صبغتها " الأيديولوجية الشيوعية "، وما قامت به الصين حين أسقطت " الإيديولوجيا الماوية " وغيرت نظامها بنفسها لتلحق بركب الدول المتقدمة في عصر العولمة. لكن لماذا هي " فرصة ذهبية " لمصر مع زعامة جديدة من وزن المشير عبدالفتاح السيسي؟
أولا : ان ما حدث في مصر علي مدار ثلاث سنوات (25 يناير 2011 – 30 يونيو 2013) لم (ولن) يفض إلي " الديمقراطية " المنشودة علي المدي القريب أو المستقبل المنظور، وهي (ميزة) كبيرة – في رأيي – وليس العكس، في ضوء التحولات الجيو سياسية التي تمر بها المنطقة، و(ميزة أكبر) لمن يريد التقدم والنهوض ببلاده (ولو بالديكتاتورية)! ثانيا : لقد أثبت " الإسلام السياسي " فشلا ذريعا ولم يعد يتمتع بأي قدر من الجاذبية كنموذج للحكم في المنطقة سواء في مصر أو غيرها من بلدان ما يعرف بالربيع العربي، خاصة بعد انكشاف (حجم وطبيعة) جماعة الإخوان المسلمين علي حقيقتها وافتقارها جوهريا إلي الكفاءة واختلالها الوظيفي. ثالثا : تبدل خريطة القوي في الشرق الأوسط بصورة جذرية عما كانت عليه في الستين عاما الماضية، مع سقوط (إيديولوجيا القومية العربية) وظهور (الطائفية الإسلامية) علي السطح، فقد أصبح الانقسام بين " السُـنّة " و" الشيعة " في المنطقة الآن أكثر عمقاً من الخصومة بين إسرائيل والعرب! رابعا : دلالة هذه " الحقيقة " الجديدة التي يجب أن تقرأ بعناية، أن المنطقة شهدت بالفعل تحولا جوهريا في العلاقات بين الدول،
وعلي سبيل المثال تقف السعودية (التي عاداها جمال عبدالناصر) – ويا للمفارقة - إلي جانب الجيش المصري ضد الإخوان المسلمين، كما تقف في خندق واحد مع إسرائيل (التي تجمعها اتفاقية سلام مع مصر منذ عام 1979) لمواجهة النفوذ الإيراني المتزايد – والمتوقع – بعد الاتفاق النووي الأخير. خامسا : تنصل الدول العربية تباعا من التزاماتها بالوحدة العربية والقضية الفلسطينية، ناهيك عن سقوط (استغلال) القضية الفلسطينية " إلي الأبد " في الحشد والتأييد (الشعبي) بعد عقود طويلة (تغذت) عليها – وبها – الأنظمة العربية المختلفة وأطالت فترة حكمها!
سادسا : ان مصر في هذا المنعطف التاريخي تحتاج إلي زعيم مثل (غورباتشوف) وليس : عبدالناصر أو السادات أو مبارك أو مرسي، يقودها في هذه المرحلة الانتقالية المؤلمة ليخلصها من " الإيديولوجيات " وينقلها إلي مصاف الدول المتقدمة دون (إدعاءات ثورية) أو (تهييس ديني) وهي مغامرة كبري تفرضها (الجغرافيا) والقرن الحادي والعشرين. سابعا :علي الرئيس السيسي أن (يصارح) ويكاشف الجميع بالتحديات الجسام التي تواجهها مصر، التي هي في أشد الحاجة إلي شق طريق جديد إلي المستقبل، من خلال إجراء إصلاحات اقتصادية وسياسية داخلية (جذرية)، مع منْح الأولوية للبِناء الإقتصادي وِفق قوانين منظمة التجارة العالمية (وإجماع واشنطن)، مع تقبل (كل) شروط العولمة السياسة. ثامنا : التخلي فوراعن فكرة " الزعامة "السياسية العربية (الناصرية) والقبول بفكرة الشراكة والتعاون الإقليمي والدولي – لا الحرب بالوكالة لصالح أي دولة – مع الأخذ في الإعتبار الحِصص الكبرى للقِوى الأساسية الاخري في المنطقة مثل السعودية وإيران وإسرائيل وتركيا وغيرها. مصر الجديدة عام 2014 يجب أن ترتدي " ثيابا عصرية " وتخلع " رداء الإيديولوجيا " الممزق بعد أن ضاق عليها وكبلها لأكثر من ستين عاما!
نقلا عن ايلاف
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com