ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

السيسي رئيسًا.. من أجلك أنت

تامر أبو عرب | 2014-01-29 21:50:14

بقلم تامر ابو عرب
يُحكى أن شابا اسمه جمال مبارك كان يجهز نفسه للترشح لرئاسة الجمهورية خلفًا لوالده، فهاجت القوى السياسية وماجت وعارضت بشدة مجرد ترشح الشاب للمنصب الرفيع.

شغلت قضية التوريث كل بيت في مصر لسبع سنوات تقريبًا، ورغم أن جمال نفسه لم يقل إنه سيترشح طوال هذه الفترة، فإن كل المؤشرات كانت تؤكد أن الفكرة اختمرت في رأسه ورأس والدته، وباتت أجهزة الدولة كلها مسخّرة لتحقيق هذا الغرض.

كانت الفكرة الرئيسية التي يستند إليها أنصار التوريث لتمرير مشروعهم أن جمال مبارك كأي مصري آخر من حقه مباشرة حقوقه السياسية والترشح لأي منصب مادام الأمر سيكون بالانتخاب، وكانوا يقولون إنه ليس من الإنصاف حرمان مواطن مصري من حقوقه لمجرد أن والده رئيس جمهورية.

كنت أقاوم دموعي التي تريد أن تتساقط تعاطفا مع ابن الرئيس المضطهد، حتى أواصل سماعهم وهم يتحدثون عن غياب البديل وخلو الساحة السياسية ممن هو قادر على تولي منصب الرئيس، فضلا عن شرحهم الوافي للخبرة التي يتمتع بها جمال بحكم قضاء غالبية سنوات عمره في قصر الرئاسة وفي دائرة صنع القرار بخلاف أي مرشح آخر سيحتاج كثيرا من الوقت للتأقلم على هيبة القصر الرئاسي.

تحدثوا عن أن فوز جمال مبارك بالرئاسة انتصار للدولة المدنية وإنهاء لحكم الجنرالات، ويمكنه أن يقوم بهذا الدور لفترة رئاسية واحدة حتى تقوى شوكة القوى السياسية وتبني كوادرها ويمكنها المنافسة على المنصب وبذلك ينتهي حكم العسكر للأبد.

مبررات وجيهة ومقنعة، وبفضل التكرار بات الناس في الشارع يرددونها كما الساسة على الشاشات، وبدا أن الطريق أصبح مفتوحا أمام نجل الرئيس لخلافة والده، وتحول محور الحديث من «هل» إلى «متى»، ففريق يرى أنه سيأتي بعد وفاة مبارك وفريق يرى أن الأب سيتنحى ويدعو لانتخابات رئاسية يفوز بها الابن.

في المقابل كانت القوى السياسية المناوئة لسيناريو التوريث تبني نظرياتها على أنه لا نزاهة ولا تكافؤ فرص في انتخابات تُجرى بين مرشح يمتلك كل شيء ومرشحين لا يمتلكون أي شيء، بين مرشح تخضع له جميع المؤسسات وتعمل على تلميعه جميع الأجهزة ومرشحين يقفون في طابور السجل المدني لاستخراج بطاقة رقم قومي، بين مرشح لم يبذل مجهودا ليكون ابن الرئيس، ومرشحين لم يكن بوسعهم اختيار الآباء.

نفس مبرراتنا للوقوف ضد ترشح جمال مبارك للرئاسة هي مبرراتنا لرفض ترشح المشير عبدالفتاح السيسي، لكن القوى السياسية التي كانت تعارض ترشّح جمال استعارت قاموس جوقة التوريث الآن لتبرير ترشح المشير.

***

نعرف أن المشير السيسي مواطن مصري كامل الأهلية، ومن حقه الترشح للرئاسة في اليوم التالي لخلع سترته العسكرية، وكذلك كان من حق مبارك إكمال مدته، وكذلك كان من حق جمال الترشح للرئاسة، وكذلك كان من حق الإخوان الانفراد بالحكومة باعتبارهم الأغلبية في البرلمان، وكذلك كان من حق مرسي تشكيل فريق رئاسي من الإخوان فقط.

لكن إذا تعارض الحق مع المنطق أصبح التنازل عن الحق نُبلًا، وإذا تعارض الحق مع أهداف الثورة التي يتحدث الجيش يوميًا عن ولائه لها أصبح التنازل عن الحق واجبًا، وإذا تعارض الحق مع يمين أقسمه المشير بأنه ليس له مطامع في السلطة أصبح التنازل عن الحق فرضًا.

نال وزير الدفاع بحكم منصبه، الذي مازال يتولاه إلى الآن، امتيازات كتلك التي نالها جمال مبارك بحكم منصب والده، أتيحت له فرصة الظهور اليومي على كل شاشات التليفزيون بالجسم والاسم، ألقى الكثير من الخطابات العاطفية التي تخاطب قلوب الناس قبل عقولهم، وتفرغت أجهزة الدولة نفسها لتقريبه من الناس أكثر، مما يعني أن دخول أي مرشح لمنافسته محض انتحار، وأن حلم الديمقراطية والانتخابات التعددية وتكافؤ الفرص الذي قامت من أجله ثورة يناير مات في مهده.

يخوض السيسي انتخابات يؤمّنها الجيش الذي كان المشير قائده العام حتى قبل الانتخابات بأسابيع، وتديرها حكومة قال رئيسها عن المشير إنه «بهي الطلعة»، ويشرف عليها قضاة أكد رئيس ناديهم أن الشعب في انتظار إعلان المشير رئيسًا، وينقل وقائعها إعلام يُمجِد المشير بالعشي والإبكار.

جعلوا الديمقراطية زائرًا خفيفا لا يظهر إلا يوم التصويت، فأصبح الاستقرار كائنًا خرافيًا لا يأتي إلا في الحملات الانتخابية وإعلانات «نعم للدستور».

***

لا نعترض على ترشح المشير السيسي لمجرد أنه رجل عسكري بل لأنه مازال عسكريًا، فعندما ترشح الفريق أحمد شفيق في الانتخابات الماضية لم يرفضه أحد لكونه ابن المؤسسة العسكرية، بل انصب الرفض على كونه مسؤولا سياسيا عن الدماء التي أريقت في موقعة الجمل، وعندما ترشح اللواء حسام خير الله في نفس الانتخابات لم يشعر أحد به أصلا.

جوهر الرفض يقوم على الفارق الزمني بين خلع البدلة العسكرية والترشح للرئاسة، وعلى مبدأ خلع البدلة العسكرية من أجل الترشح للرئاسة، وللرغبة في تنقية ما حدث في 30 يونيو و3 يوليو من شبهة الانقلاب العسكري، ولحماية الجيش من تهمة التحرك انطلاقا من رغبته في الحكم.

لا يصدقون أن ترشح المشير يضر بالجيش ونحيلهم إلى تصريح خالد العدوي، منسق حملة «كن رئيسي» المطالبة بترشيح الفريق سامي عنان للرئاسة حين قال: «هناك شخصيات عسكرية تدعم ترشح عنان».

لا يعتبرون أن ترشح المشير سيكون دليلا على أن ما حدث في 3 يوليو كان انقلابا ونحيلهم إلى تصريح اللواء أحمد وصفي، قائد الجيش الثاني، حين سأله محاوره عن الادعاء بأن عزل مرسي كان انقلابا فأجابه بسؤال: «سيادة الفريق أول خد نجمة زيادة؟ خد ترقية زيادة؟ لقيتوا سيادة الفريق بقى رئيس جمهورية وللا رئيس وزرا؟، انقلاب معناها إن فيه عسكريين تولوا مقاليد الأمور في الدولة».

***

نعم يلهث الكثيرون وراء المشير السيسي الآن، لكنهم سيبحثون عن آخر يلهثون وراءه من الغد لو أعلن صراحة عدم ترشحه للرئاسة، وستبحث حملة «كمل جميلك» عن رجل جديد يكمل جميله.

يقولون: إن الشعب يريد السيسي، ونقول لهم: امنحونا وسائل إعلامكم وأبواقكم وأجهزتكم وأذرعكم أسبوعًا نقنع الشعب خلاله بأن محمد مرسي هو خامس الخلفاء الراشدين.
نقلأ عن المصري اليوم

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com