بقلم : القمص أثناسيوس چورچ
هو أحد الآباء الكبادوك ، وشقيق القديس باسيليوس الكبير ... عُرف عنه براعة التفكير اللاهوتي ، والقدرة على تقديم اللاهوت وشرح الثالوث القدوس وتفسيره الرمزﻱ الروحي للكتاب المقدس ... نشأ ضمن جو منشغل بالحوار اللاهوتي في الحياة اليومية خاصة مع الأريوسين .
يعتبر غريغوريوس أسقف نيصص من المهندسين المعماريين ، الذين أسسوا على ما بُني عليه في مجمع نيقية المسكوني ، وأسهم في بناء المصطلحات اللاهوتية الخاصة بالإيمان الثالوثي المستقر في الكنيسة الجامعة . خاصة وأن نشأته الأسرية التقية وتلمذته على يد أخيه الأكبر القديس باسيليوس الكبير ، كان لها الأثر الأكبر في فكره ، بعد أن اتخذ منه مثلاً أعلىَ ، معتبرًا أنه أعجوبة العالم كله في الفلسفة الحقيقية .
انشغل غريغوريوس أسقف نيصص بدراسة اللاهوت والفلسفة ، حتى أن نيصص الإبيارشية الصغيرة ، اشتهرت بسبب كونه أسقفها ... وكأنه خُلق ليكون لاهوتيًا ومفكرًا ، ومع ذلك عانىَ الكثير من الانتقادات التي أثارها ضده أعداء خبثاء منتقدين كل تصرفاته حتى مظهره وملابسه وحركاته ، فجعلوا منها موضع اتهام ، بينما كانت تحركاته كشبه الشمس التي تبعث الحياة لكل من حولها وكالكواكب التي تتحرك بقانون ثابت ، الأمر الذﻱ جعل محبيه يستقبلونه كغالب ومنتصر ، يرنمون ويتهللون ؛ بينما دموع الفرحة تنهمر من عيونهم .
لقد نال النيصي شهرة كبيرة بسبب كتاباته اللاهوتية ، واشتراكه في الحوارات المسكونية وحله للمشاكل اللاهوتية ، وكذا بسبب صيرورته أسقفًا مركزيًا لكل إيبارشية بنطس ... وكتاباته الثمينة التي اشتملت على كتابات عقيدية وتفسيرية ونسكية ، وله العديد من العظات والخُطب والرسائل .. هذا وقد أتى جهده اللاهوتي ضمن مجهودات آباء كبادوكية ، لكنه كان مميزًا بعلمه اللاهوتي ، أكثر من كونه أسقفًا إداريًا ... بالرغم من مساهماته في إرساء حقوق الكنيسة اللاهوتية داخل الإمبراطورية البيزنطية ، ومع ذلك لم يكن مؤسسًا للمشاريع الإجتماعية أو مشترعًا رهبانيًا كأخيه باسيليوس... كذلك لم يكن خطيبًا شهيرًا كالذهبي الفم ، أو شاعرًا كغريغوريوس النزينزﻱ ، بل فاقهم كلاهوتي نظرﻱ ومتصوف .
حملت كتاباته إشارات تؤكد على تلمذته للعلامة السكندرﻱ أوريجين ... وتأثره بنهج أخيه باسيليوس أسقف قيصرية ... لذلك أكمل رسالة البابا أثناسيوس ومجمع نيقية في دحض الأريوسية . واقفًا على الدوام على صخرة إيمان الكنيسة الأم ، متصديًا لأنصاف الأريوسيين والهراطقة . وهو من أول اللاهوتيين في توضيح مفهوم سيرة الكاهن وخدمته ، منشغلاً بالعبادة الليتورچية في مساحة عريضة من كتاباته وعظاته ، وقد عُرف بعمق وقوة التفكير ، وبإنفتاحه على التيارات الفكرية المعاصرة له إلى حد بعيد بالأقدمين ، ولاسيما الفلاسفة أفلاطون وفيلون وأفلوطين وبالآباء كليمنضس وأوريجين السكندريين .. وهو بحق مؤسس اللاهوت النسكي الصوفي ، وله فيه العديد من الكتب المتخصصة ، على اعتبار أن شخص المسيح والشركة الحية معه هي محور كل تأمل وفكر لاهوتي ، ثم أكمل جهاده بعد رحلة من الدراسة اللاهوتية التأملية ؛ وبعد مواجهة الهرطقات والصعاب حتى النفي ؛ انتقل إلى المجد في سنه ٣٩٥ م ، وتبقى ذكراه أبدية ، حيًا عند إله الأحياء .
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com