أعجب لمن يزعمون أن نتائج ثورة الخامس والعشرين لم تتحقق، رغم أن المطلب الرئيسى لهذه الثورة لم يتحقق مرة واحدة، بل مرتين، وهو إسقاط النظام. إن زحزحة نظام حكم فاسد وملوِث لكل الأجواء رزح على قلوب المصريين لثلاثة عقود كاملة لم يكن بالأمر الهين، فقد تغلغل ذلك النظام بعصاباته الفاسدة فى كل شبر على أرض مصر، حتى كدنا نسلم بذلك، ونعتبره أمراً واقعاً لا مفر منه. كنا نتنفس هواءً فاسداً، واختفت سماء مصر المشرقة خلف السحب السوداء، كأنها رسالات تحذير يبعثها الفلاح المصرى.
يوم الخامس والعشرين من يناير ٢٠١١ كان يوماً فاصلاً بين تاريخ مصر كله وما تلاه. أعلنها مئات الآلاف من المواطنين الذين خرجوا لأيام عديدة للشوارع فى كل المحافظات.
عشرات الآلاف الذين باتوا فى ميدان التحرير الذى أصبح أشهر ميدان فى العالم، وصار كعبة لكبار الزوار والسياح ونموذجاً يتكرر بنفس الاسم فى بلدان عديدة. المسيرات السلمية التى زحفت رغم التهديد المسلح نحو القصر الرئاسى تهتف بسقوط النظام، فتهاوى فعلاً رغم رسوخه وعناده.
نساء مصر من كل الطبقات والفئات اللاتى خرجن من بيوتهن لثانى مرة بعد ما يقرب من مائة عام، وشاركن فى كل الأحداث. الأقباط، من كل المذاهب المسيحية، الذين خرجوا عن صمتهم الطويل، وقدموا الجرحى والشهداء.
آلاف الشباب الذين استشهدوا والمئات فقدوا أبصارهم، ولم يفقدوا البصيرة، فكانوا يعودون للميدان، ويعاودون الاعتصام. أحداث لن يمحوها التاريخ من ذاكرته مهما تعامى عنها أعداء الثورة وأذنابهم.
إن التغيير الذى أحدثته ثورة يناير فى الشخصية المصرية يشبه المعجزة. أن ينتفض الملايين ثائرين على قهر استمر لقرون، تحملوا فيه ما لا يتحمله بشر من استبداد واستغلال ومحاولات للتفرقة واستهانة بجموع الشعب من الغريب والقريب.
وما أكثر من عيروا الشعب المصرى بسلبيته، واتهموه باللامبالاة وترك شؤون الحكم لأى غاز أو مستعمر أو أجنبى أو مستبد، كأن أمر بلاده لا يعنيه. هذا الشعب الصابر الصامد على مدى قرون خرج على بكرة أبيه مطالبا بالعيش والحرية والكرامة الإنسانية.
فهل تحققت هذه المطالب؟ نعم، تحققت.
بعد ثورة ٢٥ يناير أصبحت الكلمة العليا للشعب، وتحقق حلم ناصر، فأصبح الشعب فعلا هو القائد، وهو المعلم، وإذا أمر يجب أن يطاع.
واستوعبت الشرطة المصرية الدرس، فلن تعود أداة لقهر الشعب، ولن يجرؤ أى حاكم على أن يستبد بالشعب المصرى، أو يحاول التفرقة بين مواطنيه. وقد أثبت الشعب يوم ٣٠ يونيو أنه جادٌّ فى مطالبه، ولن يتنازل عن سيادته على كامل أرضه، فأزاح بلا هوادة من استهان به، وقفز على ثورته، ورغب فى إعادة عقارب الساعة إلى الوراء.
جموع المتظاهرين فى ذلك اليوم أضعاف من خرجوا يوم ٢٥ يناير. انتفض الشعب غاضبا ومدافعا عن ثورته.
أعلنها مدوية فى أكبر مسيرة سلمية عرفها التاريخ: لا عودة إلى الوراء، لا للاستبداد حتى إن وضع قناع الدين، وتحجج بالشرعية، فلا شرعية إلا للشعب. ولولا ٢٥ يناير ما كانت ٣٠ يونيو. لقد خرج المارد من القمقم يوم الخامس والعشرين من يناير ٢٠١١ وحطمه، ولن يعود إليه أبدا.
نقلا عن المصري اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com