كل ما أخشاه أن تتحول الرغبة فى إنعاش الاقتصاد المتدهور إلى الخضوع لابتزاز الرأسمالية العالمية ومنظماتها الدولية، لأن شعارات ثورة يناير تتعارض مع فلسفتها، تاتشر وريجان قدما لها الدعم المدجج بالسلاح والغرور، وداسا فى الوقت نفسه على كل ما هو إنسانى، وكانت شركة الأزياء الإيطالية بينتون رائدة فى التعبير عن التوجه الجديد، وضعت إعلانات عملاقة فى كل مكان، بينها كوبرى 6 أكتوبر، عليها صورة طفل أسود جائع فى لحظة احتضاره من مرض الإيدز، وزى عسكرى بوسنى ملطخ بالدماء، ومساجين ينتظرون الإعدام.
صدم إعلان قتلة بينتون - على حد تعبير نورينا هيرتس مؤلفة كتاب السيطرة الصامتة - الجميع، لأنك أمام خيال قادر على تزييف ذاكرتك البصرية والوجدانية لكى تخرج له ما فى جيبك، لم تبحث هذه الإعلانات فى أخلاقيات الحرب ولم تحاول أن تخفف من الفقر أو تشفى من الإيدز، كانت الغاية الوحيدة هى زيادة المبيعات، أصبحنا نعيش فى فقاعة بينتون، لأن الحكومات التى حاربت فى الماضى من أجل الأرض صارت تناضل الآن بشكل عام من أجل مؤشرات السوق، وغدت إحدى وظائفها إيجاد بيئة يمكن أن تزدهر فيها الشركات وتجتذبها، وأصبح دور الشعب توفير البنى التحتية التى تحتاج إليها هذه الشركات وبأقل تكلفة وحماية نظام حرية التجارة العالمية، رجال السياسة أصبحوا فى منزلة أدنى من رجال الأعمال، ودولة السياسة أصبحت دولة الشركات، وأصبحت الدولة تهتم بالمستهلك لا المواطن.
نقلا عن اليوم السابع
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com