أكتب هذه السطور قبل رحلة إلى خارج الديار المصرية تستمر أسبوعاً.. وقد يُعلن المُشير عبدالفتاح السيسى ترشحه لمنصب رئاسة جمهورية مصر العربية، ولذلك أوجه له هذه الرسالة، التى يرسل مثلها آخرون إلى الرجل الذى انعقدت عليه آمال معظم المصريين، وربما أضعاف أعدادهم من العرب، فى الفضاء المُمتد من الخليج العربى ـ الفارسى، إلى المحيط الأطلسى.
١ـ إن هذه الملايين فى مصر والوطن العربى الأكبر، يتصورون، أو يتمنون أن تكون أيها المشير عبدالناصر الجديد. ولكن عليك أن تُدرك أن التاريخ لا يستنسخ قياداته وشخوصه، ولا يُكرر نفسه. وقد وقع عبدالناصر بنفسه فى هذا الوهم حينما دفعته الجماهير دفعاً، إلى أن يتقمص شخصية صلاح الدين الأيوبى، وتوقعت منه أن يُحرر لهم القُدس من براثن إسرائيل، كما حررها صلاح الدين الأيوبى من براثن الصليبيين. فكانت هزيمة يونيو المروعة، التى ما زلنا ندفع فواتيرها إلى الآن!
٢ـ وملايين المصريين، تحت خط الفقر، يتصورون، أو يتمنون أن تأتى إلى الرئاسة، ومعك عصا سحرية، تأمر بها الفقر بأن ينجلى، وتأمر بها الثراء بأن ينبثق. ولكن عليك أن تدرك إن لم تكن قد أدركت فعلاً، أن نصف سُكان المحروسة يعيشون على أقل من دولار واحد، يومياً. وأن انتشاله من هذا الفقر ممكن ولكنه يحتاج إلى خطة متوسطة المدى (عشر سنوات)، وعلى حزم فى تنفيذها. وقد سبقتنا إلى هذا الطريق بُلدان فى العالم الثالث كنا أكثر منها فقراً، منذ نصف قرن، مثل الهند وكوريا والبرازيل والمكسيك.
٣ـ إن الفساد وراء خراب العُمران، كما قال لنا المُفكر عبدالرحمن بن خلدون. فإلى أن تنفذ حكومتك خطتها للقضاء على الفقر، التى ربما تستغرق عدة سنوات، فعليكم بإجراءات سريعة لمُحاربة الفساد، الكبير منه فى المقاولات والمُناقصات وصفقات الاستيراد والتصدير، والصغير منه فى المصالح الحكومية وشُرطة المرور والمرافق العامة. ولا يتطلب ذلك إلا عدة شهور من الصرامة فى تطبيق القانون على الجميع، وعلى الوزير قبل الخفير.
٤ـ إعادة هيكلة المؤسسة الأمنية. فلقد استأسدت وزارة الداخلية، وأصبح لها ذراع فى كل وزارة وكل مصلحة حكومية، تحت مُسميات مختلفة. ومن ذلك أن هناك أمناً لكل وزارة. ولا يستطيع الوزير نفسه أن يتخذ أى قرار كبير، أو يُجرى أى ترقيات قبل الرجوع إلى مكتب الأمن، الذى يرجع بدوره إلى وزارة الداخلية. فكأن هذه الأخيرة قد أصبحت فى الواقع هى وزارة كل الوزارات. ومن هنا الخوف والرهبة والكراهية فى قلوب المواطنين من هذه الوزارة، ومن كل رموزها. وهو ما تجلى يوم ٢٨ يناير ٢٠١١، حينما قاد الإخوان الدهماء، وأشعلوا النيران فى العديد من أقسام الشُرطة فى القاهرة الكُبرى، وعدد آخر من المدن الرئيسية. وهناك بُلدان أخرى قامت فيها ثورات مثل ثورتنا، ونجحت فى إعادة هيكلة أجهزة أمنها، بحيث تكون فعلاً فى خدمة شعبها، وليس العكس.
٥ـ أما إقليمياً، فلنتذكر يا سيادة المُشير أن وزن مصر خارجياً يمكن أن يكون ضرب ١×٢٠، أى بعدد البُلدان العربية الشقيقة، التى تعتبر مصر الشقيقة الكُبرى، والقدوة والزعيمة فى وطنها العربى الأكبر. وكان ولا يزال الحلم العربى، منذ القرن الماضى، هو توحيد أقطار الأمة فى كيان أكبر وأقوى.
٦ـ ويتصل بنفس الهموم الإقليمية، ملف دول حوض النيل، الذى تعقّد فى الآونة الأخيرة، نتيجة ثلاثين سنة من الإهمال خلال حكم الرئيس محمد حسنى مبارك (١٩٨١-٢٠١١)، ويحتاج علاجه حِكمة سُليمان وصبر أيوب، وتواضع نيلسون مانديلا. وأظن أن الإخوة الأفارقة سيُرحبون بعودة مصر إلى صفوفهم، بلا صلف أو غرور.
٧ـ إن الشعب المصرى شعب عريق وصبور، وعليكم أن تُصارحوه منذ البداية، بحجم التحديات، وربما تستأنس بالعبارة الشهيرة التى صاغها الرئيس الأمريكى الراحل جون كينيدى فى أول خطاب له فى حفل تنصيبه، حينما وجّه كلامه لكل مواطن أمريكى: «لا تسأل ماذا يمكن لوطنك أن يقدم لك. ولكن اسأل نفسك ماذا تستطيع أن تقدم لبلادك».
٨ـ وأخيراً، نهمس فى أذنيك يا سيادة المُشير بنفس ما كان يهمس به أحد شيوخ روما فى أذن كل إمبراطور جديد، أثناء سير موكبه فى شوارع روما بين هتاف وصخب الجماهير الغفيرة. كانت الرسالة، التى يُكررها الشيخ للإمبراطور: تذكر أنك إنسان، وأن كل إنسان فانٍ، إن آجلاً أم عاجلاً.. تذكر يا سيدى الإمبراطور أنك إنسان.. وكل إنسان فان. أقول قولى هذا، ولا أستغفر لأى من المنافقين! وأدعو لكم بالتوفيق.
وعلى الله قصد السبيل
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com