ما يجرى الآن فى الشارع السياسى يحتاج لحالة تأمل من كل القوى السياسية، وبالأخص تلك التى يمكن أن تحكم البلاد فى المستقبل القريب طبقاً لكثير من المؤشرات الدالة.. فهذا الذى يجرى يتضمن بشكل واضح خطوات للأمام فى سبيل تأسيس النظام السياسى القادم طبقاً لخارطة الطريق لكنه أيضاً وفى نفس الوقت يتضمن بوادر لمعارضة وليدة هى بالأساس تستشعر الخطر تجاه بعض الممارسات القمعية التى بدأت تلوح فى الأفق من تشويه للثوار إلى اعتقال للنشطاء إلى هجوم على كل من تسول له نفسه الاختلاف وحالة من الهيستيريا المؤيدة للمشير السيسى تجهض فى نظر الكثيرين وأنا منهم إمكانية تأسيس دولة ديمقراطية حديثة تسمح بالاختلاف والمعارضة.
من حق المؤيدين للمشير الدعوة لانتخابه، لكن ليس من حقهم لا الدعوة لاختياره باسم الشعب كما نادى البعض منهم ولا رفض أن يرشح مرشح آخر نفسه؛ لأن هذا هو حقه وحقنا قبله فى الاختيار، كما أنه ليس من حق من يؤيد المشير أن يهاجم من ينتقد هذه الحالة من التأييد التى تصل إلى حد الاغتيال المعنوى لكل من ينتقد أو يسخر من هذه الحالة من المبالغة التى يقع فيها كثير من محبى المشير والمؤيدين له لأنهم بكل بساطة يهدرون فرصة إقامة دولة ديمقراطية حتى برئاسة المشير نفسه؛ فنجاح المشير إذا ما جاء رئيساً أن يحقق الديمقراطية وليس من تأسيس للديمقراطية أن يهاجم بضراوة كل من يجرؤ على انتقاد ما يحدث مثلما حدث مع تجمهر العشرات أمام مسرح «راديو» لمنع تصوير برنامج «البرنامج» لباسم يوسف مرددين هتافات معادية له مثل «يا باسم يا جبان يا عميل الأمريكان» ورفعوا لافتات منها «لا للعملاء... مبارك والإخوان والطابور الخامس». وبصرف النظر عن التساؤل حول من وراء هؤلاء إلا أن الحقيقة التى لا يمكن إغفالها أن مثل هذه المظاهر تؤثر بشكل سلبى على النظام الوليد؛ لذا فعليه قبل غيره التصدى لكل هذه المؤشرات السلبية والاستماع للأصوات المعارضة قبل المؤيدة لأنها هى التى تشير بحق لمواطن الخلل التى يجب الالتفات لها مبكراً قبل أن تستقر وتقوى، خاصة أنها تستند لقوى ومؤسسات موجودة وصاحبة مصالح.
النظام الجديد فى طور التشكل ومعارضته تتشكل هى الأخرى بحكم الكثير من المؤشرات التى تستفز المعارضة لأنها تستهدف الحقوق والحريات التى تقلق العديد ممن نادى بها عبر ثورتين. قد يكون الشارع المصرى العادى أكثر تأثراً بمطالب حياتية أكثر إلحاحاً مثل «مش عايزين نبقى اغنيا بس نفسنا نعيش» كما قال سعيد النقاش على صفحات «المصرى اليوم» أو «مش عايزين حد ينام جعان» كما طالب بائع الحمص الرئيس المنتظر، لكن الحقوق والحريات الأخرى هى التى إما ترسخ لنظام ديمقراطى بحق أو ترسخ لنظام ديكتاتورى قمعى وليس مطلوباً نظام يقايض الأولويات بالحريات بل يستطيع أن يمنح الاثنتين معاً.
هناك بوادر معارضة وليدة، وإن كانت لا تقاس بالأغلبية المؤيدة إلا أنها فى رأيى أكثر أهمية لأنها هى التى تشير مبكراً لما يجب التصدى له ومنعه من أن يكبر ويستفحل ويقضى على فرصتنا جميعاً فى تأسيس نظام ديمقراطى بحق السلطة القادمة قبل الشعب.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com