بقلم: ليديا يؤانس
فجأة وجدت العجوز صوفيا أن سيارتها المرسيدس تفقد توازنها وتنحرف عن مسارها، وبصعوبة شديدة أوقفت السيارة ونزلت لإستطلاع الأمر فوجدت أن إحدى العجلات فقدت كل ما بها من هواء.
الظلام دامس، العاصفة الثلجية على أشُدها، الطريق السريع بعيداً عن المدينة وليس به إضاءة، السيارات قليلة على الطريق، فأمسكت بالموبايل لتتصل بالشرطة، ولكن الشحن كان قد نفذ!
وفجأة توقفت سيارة قديمة مُستهلكة، ليسأل سائِقها السيدة إن كانت تحتاج إلى مُساعدة. خافت صوفيا مِنْ منظر جوني الذي تبدو عليه ملامح الفقر مِنْ ثيابه الرثه وإنحلال جسده، توجَستْ أن ينتابُه الطَمع وهي عجوز غنيه تركب سيارة مرسيدس! أدرك جوني ما يجول بِفكر السيدة فأبتسم مُطمئناً لها وقال "لا تخافي يا سيدتي، فأني أود مساعدتك!"
في وسط الثلج المُتساقط، قام جوني بإستبدال الإطار، ومِنْ جانبها مدت يدها لتُعطيه نقود فرفض قائلاً: أشكرك سيدتي، أنا لم أفعل شيئاً! كثيرون خدموني بمحبة مجاناً، وأنا لا أعرفُهم، فأني أرُد لهُم جزء مِنْ محبتهم، والمثل يقول "إرمي خُبزك على وجه المياه يعود إليك ولو بعد حين." وقبل أن يركب سيارته ليأخذ طريقه قال لها "يا سيدتي بإمكانك أن تُساعدي إنساناً محتاجاً، ولكن تذكري أن اسمي جوني!"
إنطلقت صوفيا في طريقها مُتهللة، فقد شعرت بدفء الحب الحقيقي الذي يبذل بدون مقابل!
وإنطلق جوني في طريقه مُتهللاً، فقد شعر بدفء عمل المحبة وسط العاصفة الثلجية!
وصلت صوفيا لقرية صغيرة وكانت تتضور جوعاً، فوجدت ضوء خافت وسط العاصفة الثلجية يعلن عن وجود مطعم. نزلت من السياره ودخلت المطعم وحينما حضرت المُضيفة لتخدمها، وجدتها حامل ويمكن في شهرها الأخير. سالتها "متي تترقبين المولود السعيد؟" أجابت ربُما غداً! سألت صوفيا "وكيف تعملين للآن؟" أجابت "الإحتياج!!!"
عند دفع الحساب قدمت لها ورقة بمائة دولار، وإذ ذهبت المُضيفة لِتُحضِر لها باقي الحساب، كانت صوفيا خلف عجلة قيادة سيارتها وقد تركت على المنضده ورقة مكتوب عليها "إبنتي أرجو أن تقبلي المبلغ الذي بيدك للمولود السعيد، فأني أرد لك ما قدمه لي جوني مِنْ محبة! يا إبنتي بإمكانك أن تساعدي إنساناً محتاجاً، ولكن تذكري أن اسمي صوفيا!"
تهللت المرأة الحامل بعمل الله ومحبة صوفيا، وفي اليوم التالي وضعت مولودها السعيد وبعد بضعة أيام سألها زوجها أنك لم تطلبي أي طلبات تخص المولود! أجابت والفرحة تملأ وجهها "أشكرك على محبتك يا حبيبي، لقد أرسلت لي النقود مع صوفيا صاحبة السيارة المرسيدس!"
الحب ليس حروفاً مُذهبة، ولا كلمات مُنمقة، ولا سطوراً مُسطرة، ولا نغمات راقصة، ولا أحلام واعدة، ولا هدية ثمينة، ولا وردة حمراء، ولا قُبلة مُزيفة .. الحُب يا أبيض يا أسود .. ليس هُناك وسطية .. وليس هُناك جدل يختلف علية اثنان.
الحُب ليس عاطفة ومشاعر ووجداناً فقط إنما هو طاقة وبذل وعطاء.
الحُب ليس سلعة رخيصة نُساوم بها كما نريد لتحقيق مآرب دنيئة.
الحُب فضيلة الفضائل به نعلو بأنفسنا مِنْ العبث والتهريج والإبتذال العاطفي فنحمي عقولنا وذواتنا مِنْ الضياع والتبعثُر الفكري.
الحُب فرصة ليُصبح الإنسان أجمل وأفضل وأرقي المخلوقات.
الحُب صِفة مِنْ صفات الله لأن الله محبة ومن لا يعرف المحبة لا يعرف الله.
للأسف الناس تستخدم كلمة الحُب للصدق وللكذب! ولذا إختلطت المفاهيم بين الحُب الدافئ والحُب البارد! بين الحُب الأبيض والحُب الأسود!
ولذا نجد أنواع عديدة مِنُ الحُب فنسمع عن: الحُب الإلهي، الحُب العاطفي، الحُب الجسدي، الحُب الأسري والعائلي، حُب الأهل والأصدقاء، حُب الأوطان، حُب الخداع والتمثيل، حُب المصالح، وحُب الذات!
بالفكر البشري، كل إنسان يحب نفسه أولاً! ثم يأتي بعد ذلك حُبْ الأحباء وكُلُ حسب قرابته ومنزلته حتي ولو كانوا الأبناء! وياروح ما بعدك روح! وإن جاء لك الطوفان حُطْ ولدك تحت رجليك!
بالفكر الإلهي، لا يطلب منك أن تُحِبْ شخص أكثر مِنْ نفسك! ولكنه يقول لك حِبْ قريبك كنفسك لإن الله يعلم قدرات وضعفات الإنسان أمام ذاته، وإن كان يطلب مِنْ الإنسان أن يُحب حتي أعداؤه ويُبارك لاعنيه ويُصلي مِنْ أجل مَنْ يسيئون له. ولذا من أصعب الوصايا التي قد لا يستطيع الإنسان تحقيقها هيّّ "أن يحب أعداؤه."
يارب هؤلاء قتلوا حبيبي أمام عيني ومثلوا بجثته أمام عيني، هؤلاء سرقوني وغدروا بي وخدعوني، هؤلاء أعدائي قدموا لي الحب البارد الأسود المملوء بالجحود والجمود! كيف أحبهم؟ يقول لك هذه مشيئتي ووصيتي لأن غاية الوصية هي المحبة.
ليس المقصود بالقريب، الشخص الذي تربطني به صِلة دم، ولكن أي إنسان مُمكن أقابله في أي مكان حتي ولو لم يكن من وطني أو عقيدتي.
في يوم ما سأل شخص يسوع "مَن هو قريبي؟"
أجابه بمَثَلْ قائلاً: كان إنسان نازلاً مِنْ أورشليم إلي أريحا فوقع بين لصوص فعروه وجرحوه ومضوا وتركوه بين الحياة والموت.
وبالصدفة مَرّ كاهناً بالطريق ورآه، ولكنه جاز وتركه!
ثم مَرْ شخص من أهله وعشيرتة فرآه، ولكنه جاز وتركه!
ثم مَرْ شخص آخر ليس له صلة قرابة بالرجل وليس من ديانته، فلما رآه تحنن عليه، وضمد جراحاته وصب عليه زيتاً وخمراً وأركبه على دابته وأتي به إلي فندق ودفع لهم ليعتنوا به!
ثم سأل يسوع الذي سأله: أي مِنْ هؤلاء الثلاثة صار قريباً للذي وقع بين اللصوص؟ فأجاب، الذي صنع معه رحمة.
نعم، المحبة الحقيقية هي التي تنبع مِنْ قلب مُفعم بالدفء والنقاء والرحمة لإن المحبة تتأني وترفق.
حبيبي، مهما إن كان عندك مِنْ مواهب وإمكانيات وسُلطان ولكن ليس لديك محبة، فأنت مثل جبل الثلج في ليلة سوداء لا تقدر أن تنفع نفسك أو الآخرين.
حبيبي، إسمع ما يقوله بولس الرسول:
إن كُنت أتكلم بألسنة الناس والملائكة ولكن ليس لي محبة فقد صِرتُ نحاساً يطن أو صنجاً يرن!
إن كانت لي نبوة وأعلم جميع الأسرار وكل علم وإن كان لي كل الإيمان حتي أنقل الجبال ولكن ليس لي محبة فلست شيئاً!
إن أطعمت كل أموالي وإن سلمت جسدي حتي إحترق ولكن ليس لي محبة فلا أنتفع شيئاً!
أحبائي، المحبة لا تسقط أبداً، بل تحتمل كل شئ، وتصدق كل شي، وترجو كل شئ، وتصبر علي كل شئ.
أحبائي، المحبة تتأني وترفق، المحبة لا تحسد، المحبة لا تتفاخر ولا تنتفخ، المحبة لا تقبح ولا تطلب ما لنفسها ولا تحتد ولا تظن السوء.
أحبائي، في أيامنا هذه تَفتُر المحبة وتتجمد وسط ثلوج الأنا والمصالح والغش والخداع والكذب والنفاق، ولكن مازال وسيظل مَنْ يَسعَد ويُسعِد الآخرين بدفء المحبة التي يُريدها مِنا الله لإن الله محبه.
أحبائي، لكُم مِني أحلى حُبْ دافئ مُعطر بأهازيج الورود لِكُل مَنْ يُحِبْ بصدق وإخلاص!
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com