بقلم : شمعى أسعد
هبت رياح التغيير فى المنطقة العربية، والتى بدأت فى تونس ثم لحقتها مصر ثم تحرك منخفض التغيير حتى شمل عدة دول عربية، فيما عرف باسم ثورات الربيع العربى، وتغيير بهذا الحجم كان لابد أن يحمل معه كثير من الآمال كما يحمل الكثير من المخاوف، ولم نر حتى الآن الآمال تتحقق بينما نرى المخاوف تتجسد.
وكان آخر تلك المخاوف هو ماحدث فى اليمن من إعلان شكله الجديد المكون من ستة أقاليم تحت مظلة اتحاد فيدرالى، ولكن لماذا يمثل هذا الأمر شيئا مخيفا وهو فى النهاية أمر داخلى يخص اليمن وحده وربما دول الخليج المجاورة؟ فضلا عن توفر الأسباب والعوامل التى أدت إليه بل جعلته حلا لابد منه، تأتى الإجابة من عدة اتجاهات، فثورة اليمن كانت إحدى حلقات ثورات الربيع العربى فأن ينقسم اليمن يعنى أن ينتقل إلينا الخوف من مصير مشابه، كما أن ما حدث فى اليمن الذى لا يبعد عنا كثيرا من جهة، وما حدث فى سوريا ومن قبلها العراق وهما لا يبعدان عنا كثيرا من جهة أخرى، وفى جنوبنا انقسم السودان، وفى الغرب تجاورنا ليبيا التى تفككت ولم تتخذ شكلا محددا بعد، فإن كانت كل هذه الحرائق حولنا، فكيف لا نقلق ولا ننزعج ولا نخاف.
لم تكن هى المرة الأولى التى ينقسم فيها اليمن فقد مر عبر تاريخه الطويل بمراحل متعددة من التمزق، حيث كان يتحد أحيانا ثم ينقسم ثم يعود ويتحد كى يعود فيتمزق وهكذا، وفى كل مرة كانت تقف الأسباب السياسية جنبا إلى جنب مع العوامل الجغرافية لتعيد التشكيل وفق معطيات كل عصر وحسب قوة الحاكم أو ضعف سيطرته، وفى كل مرة أيضا كنت ترى صراعات وحروب ومراكز قوى وأطماع فى الحكم وتمرد قبائل وأرض جبلية وعرة. ففى العهدين الأموى والعباسى شهد اليمن قيام عدد من الثورات وحركات التمرد ذات الاتجاهات القبلية والمذهبية طامحة للانفصال عن الخلافة، نتج عنها قيام دويلات مستقلة نشبت بينها الحروب فيما بعد، ثم عهد الدولة اليعفرية التى تصالحت مع بيت الخلافة، ثم تلاها دولة موحدة فى عهد علي بن محمد الصليحي مؤسس الدولة الصليحية، وفى نهايتها عاد اليمن مرة أخرى إلى مجموعة من الدويلات المستقلة في حكمها عن أي تبعية. وتكرر هذا السيناريو بعد ذلك فى عهد الدولة الأيوبية التى أعادت اليمن مرة أخرى إلى دولة موحدة ثم قامت عدة حركات تمرد لتعيد تقسيم اليمن إلى عدة دويلات، ويتكرر نفس الأمر من التوحيد إلى التفكيك في عهد الدولة الرسولية التى أسسها نور الدين عمر بن علي بن رسول، وحين نقفز إلى القرن الثامن عشر حيث الدولة القاسمية سنجد مادة خصبة من الصراع الدائم على السلطة بين أمراء الأسرة القاسمية، بجانب تمردات قبلية مستمرة، مع طبيعة قاسية وظروف مناخية صعبة.
وفى العصر الحديث وبموجب المعاهدة الأنجلو-عثمانية بين الدولة العثمانية وبريطانيا تم ترسيم الحدود وتقسيم اليمن لشمال وجنوب، ثم قامت المملكة المتوكلية اليمنية عام 1918 لتنهار فى عام 1962، لتقوم على أنقاضها الجمهورية العربية اليمنية بعد قيام الثورة اليمنية فى 26 سبتمبر 1962 (اليمن الشمالى)، ثم جمهورية اليمن الشعبية (اليمن الجنوبى) عام 1967، ليتحدا مرة أخيرة عام 1990 لتكوين الجمهورية اليمنية.
تاريخ طويل من الخلافات والصراعات مع رغبة فى البقاء معا تحت نفس الإسم، وبالتالى ظهر حل التقسيم الأخير كنتيجة طبيعية، حيث تقرر أن ينقسم اليمن إلى ستة أقاليم تحت اسم جمهورية اليمن الاتحادية، يجمعهم اتحاد فيدرالى.
وبينما نجد اليمن دولة واحدة قسمتها الخلافات، ففى المقابل نجد دولة الإمارات التى هى فى الأساس سبعة دويلات صغيرة وجدوا أن بينهم روابط وتاريخ مشترك، فاتحدوا تحت اسم واحد يجمعهم اتحاد فيدرالى أيضا، حدث هذا فى عام 1971 بعد انسحاب بريطانيا من الخليج التى كان يشكل وجودها عقبة فى طريق هذا الاتحاد، والمفاجأة أن فكرة هذا الاتحاد كانت تشمل البحرين وقطر لكنهما رفضتا معلنتين عن سيادة كل منهما على أراضيها.
فى اتحاد الإمارات نعرف وندرك أن وراءه رغبة فى البناء والتقدم حيث لا يوجد تاريخ أليم من النزاع، والنتيجة واضحة فى مستوى تقدم الامارات، بينما اتحاد اليمن نعرف وندرك أنه على صفيح ساخن وملتهب من كثرة الصراعات والتنازع على السلطة، وكل ما نرجوه أن يستقر ويهدأ ليبدأ البناء.
وأخيرا هناك فرق بين مجموعة دويلات أو إمارات وجدت عوامل مشتركة بينها فقررت أن تتحد فى اتحاد فيدرالى يجمعهم هدف استراتيجى واحد مما يسمى رياضيا "تكامل"، وبين دولة يجمع شعبها بالضرورة عوامل مشتركة كثيرة ولكن فرقتهم الخلافات والصراعات فقررت أن تنقسم إلى عدة دويلات أو أقاليم مما يسمى رياضيا "تفاضل"، وهذا هو الفرق بين تكامل الإمارات وتفاضل اليمن.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com