فايز البهجورى
أن يصبح مثله حمارا
( قصة طريفة )
للأديب فايز البهجورى
بالقرب من نبع ماء صغير، كانت هناك شجرة توت ، حولها خميلة من الزهور .
وتحت ظل الشجرة تمدد حمار وبقرة فى حالة استرخاء .
وفوق أحد فروع الشجرة كان هناك طائر عندليب يرسل بين وقت وآخر تغريدات عذبة .
وحدث أن مرّ بالقرب منهم رجل حزين كان يعانى من حالة اكتئاب، ويبدو أنه لم يكن سعيدا.
لفتت نظره حالة الهدوء والاسترخاء فى هذا المكان الهادئ، وفى هذا الجو الشاعرى الجميل . وتقدم نحو الحمار وسأله :
هل أنت سعيد أيها الحمار ؟
أجابه الحمار : نعم . أنا سعيد جداً.
سأله الرجل مرة أخرى : ولماذا أنت سعيد؟
أجابه الحمار : لأنّى .. حمار.
سكت الرجل للحظة وبدا وكأنه يحاول أن يستوعب رد الحمار على سؤاله ، ثم قال للحمار:
أريد أن أكون سعيداً. ولكننى لا أعرف كيف أحقق سعادتى.
قال له الحمار مازحاً: هذه ليست مشكلة. كن حماراً .
دهش الرجل غير السعيد من هذه الاجابة غير المتوقعة. وتردد قليلا ثمً قال : ولكن كيف أصبح حمارا ً؟
وما كاد الحمار يسمع منه هذا الرد حتى انتفض وهب واقفا على أرجله ، وسأل الرجل: هل .. أنت… تريد .. أن .. تصبح .. حمارا ً ؟
قال الرجل : لِمَ لا ؟ إننى أريد أن أكون سعيداً.
هزّ الحمار رأسه وقال :
إن الانسان - الذى يريد أن يصبح حماراً - هو فعلا حمار.
ثم أضاف : والآن تستطيع أن تعيش حياتك كحمار , وسوف تكون سعيداً.
ثم عاد الحمار الى تمدده على الأرض وهو يقول للرجل:
أراك مرة أخرى يا زميلى الحمار.
وأطلق نهقة متقطعة : هى ها.. هى ها… هى ها..
***
سمعت البقرة الحوار الذى داربين الرجل والحمار . وقالت للرجل معلّقة عليه :
أيها الانسان ان السعادة لا ترتبط بكون الراغب فيها انسانا أو حمارا أو أى حيوان آخر . فكل منهم يستطيع أن يحقق لنفسه سعادته بطريقته الخاصة .
والسعادة التى حقّقها الحمارلنفسه بطريقته الخاصة قد لا تحقّق السعادة للانسان اذا قام بها .
ان سعادة الانسان تتحقق عندما يقوم هو باسعاد الآخرين من بنى جنسه ، فتنعكس سعادتهم عليه .
***
وهنا أطلق العندليب تغريدة جميلة وقال معلّقا على كلام البقرة .
لقد صدقت أيتها البقرة الحكيمة فيما قلتيه . فمن تجربتنا - نحن العنادل - نشعر بالسعادة لما نلاحظه من حب الآخرين لنا.
نحن نرسل التغريدات العذبة لهم . وهم يستقبلونها فى سعادة . وهم لذلك يحيطوننا بالحب . ويحرصون على حمايتنا ، وفى مقدمتهم بنى الانسان .
***
وسمعت نحلة كانت تتنقل بين الزهور كل الحوارات التى دارت بين الانسان والحمار والبقرة والعندليب ، وقالت معلّقة عليها :
أيها الانسان . ليس من الضرورى أن تكون حمارا لكى تصبح سعيدا .
استمر كانسان وابحث عن طريقة تجعلك سعيدا .
هناك طرق كثيرة تساعدك على ذلك . وفى مقدمتها أن تقدّم للآخرين ما هو نافع لهم .
نحن النحل نشعر بالسعادة ونحن نتنقل بين الزهور . نجمع منها الرحيق ، ونحوّله الى عسل وشمع . ونقدّمه للانسان ، ولذلك هو يحبنا ويقوم بحمايتنا .
***
وهنا تدخلت " دودة قّز" كانت قد خرجت من شرنقتها فوق غصن من أغصان شجرة التوت . وقالت دودة القزّ :
أيها الانسان. لقد أخطأت تقدير الأمور . وما فعلته لن يحقق لك سعادتك
ان السعادة تتحقق فى العمل النافع المفيد الذى يمكن أن تقوم به .وتقدّمه أيضا للآخرين .
نحن - دود القزّ - نشعر بالسعادة لأننا نقدّم "الشرانق" للانسان التى يصنع منها خيوط ملابسه الحريرية . ولذلك هو يحبنا ويهتم برعايتنا ويحافظ علينا .
استمر أيها الانسان على بقائك مع بنى جنسك . وغيّر طريقتك فى النظرة الى نفسك والى من حولك . تستطيع أن تصبح سعيدا .
قال الرجل : ولكنّى لست كالنحلة أستطيع أن أعطى للآخرين عسلا يأكلون منه وشمعا ينيرون به طريقهم ..
ولست كدودة القز أستطيع أن أعطيهم شرانق يصنعون منها خيوط ملابسهم الحريرية.
***
وهنا تدخّلت البقرة مرة أخرى وقالت للانسان: ولكنك تملك وسائل أخرى كثيرة تستطيع أن تقدّمها للآخرين وهى سوف تساعدك على أن تصبح سعيدا.
• قدّم للآخرين ما هو نافع لهم تشعر بالسعادة
• قدّم لهم ما هم فى حاجة اليه وتستطيع أن تقوم به تشعر بالسعادة
• قدّم عونا للمحتاج
• قدّم طعاما للجائع
• قدّم ماء للعطشان
• قم بزيارة مريض وقدّم له ورده
• أخرج مكروبا من كربته
• اهدى شخصا ضل الطريق الى الطريق
• قدم مشورة حسنة أونصيحة خبرة لمن يحتاج اليها وفى مقدورك أن تقدمها .
•انقذ غريقا من الغرق ان كنت تستطيع
• ارفع ظلما عن مظلوم
• دافع عن حق ضعيف
كل هذا وغيره تستطيع أن تفعله فلا تتردد فى فعله .
وحينئذ سوف تشعر بسعادة غامرة .
وابدأ منذ الآن وجرّب .
ونظر الرجل الى البقرة والحمار والعندليب والنحلة ودودة القزّ وقال لهم :
شكرا لكم جميعا . لقد علمتمونى درسا . سأصنع لنفسى وبنفسى سعادتى.
وسأنسج خيوطها من سعادات الآخرين التى سوف أساهم فى تحقيقها لهم .
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com