ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

الاسلام السياسي عند العرب : نجاح أم فشل؟

د. محمد مسلم الحسيني | 2014-03-07 20:21:59

د. محمد مسلم الحسيني

في عصرنا الحديث هذا وبعد التحرر من قوى الاستعمار الأجنبي، حكمت الشعوبَ العربية أنظمةٌ سياسيّة متباينة في استراتيجياتها ورؤاها ومتشابهة في ممارساتها ويومياتها، فكم تعالت الهتافات السياسيّة المتناقضة وكم تصارعت الأهازيج المتضاربة حتى صُمّت بها الآذان وارتبكت بها الأفكار. فتأريخ الانقلابات في بعض البلدان العربية كان طويلا وشاقا وكل ثورة تلعن سلفها بل قد تثور على نفسها وتغيّر جلدها، أمواج تأتي وأمواج تروح، فزالت عهود وتسلطت عهود والمعادلة ثابته كما هي رغم التجارب المختلفة. غازل الشيوعيون أفكار الشارع العربي إبان المد الشيوعي وجرّب القوميون حظهم إبان عهد الرئيس عبد الناصر بينما أنبعث حزب البعث ليجمع في نظرياته بين اشتراكية الشيوعيين وعروبة القوميين فأدار دفة الحكم في كل من العراق وسوريا تحت شعار الوحدة والحرية والاشتراكية. في حين صفقت بعض شعوب الدول العربية لانقلابات العسكريين ظنا منها بالتغيير والوصول الى الأمل المنشود، فأزاح بن علي الحبيب بورقيبة عن السلطة في تونس ونحّى معمر القذافي محمد ادريس السنوسي عن دفة الحكم في ليبيا، إلاّ أن الانقلابيين  لم يكونوا أحسن حال من أسلافهم وما بدلّوا تبديلا....

جرّبت هذه الشعوب كلّ شيء حتى خاب أملها بكل شيء، فصارت تتوق لممارسة جديدة لم تمارسها من قبل وتجربة مختلفة لم تعشها سابقا. كانت شعارات الاسلام السياسي المخطوطة بحروف النسك والبراءة ونبذ السوء تخلب الانظار وتخطف القلوب وكان منطق الخطابات السياسية المرصع بالمبادئ السماوية والاخلاق الروحانية يداعب الأحاسيس ويستلطف النفوس. استهوت حركات الاسلام السياسي قلوب الناس وعقولهم  حتى حصلت المتطابقة الحسابية التي فيها كلما يضطهد الحكام احزاب الاسلام السياسي كلما تزداد شعبيتها في نفوس ودواخل البشر. نمت عقدة "الممنوع مرغوب" حتى وصل الحد الذي غدت به هذه الاحزاب املا منشودا ومنقذا منتظرا، فالخلاص الحقيقي من الشر المستطير يكمن بيد الدين السياسي الذي سيصنع من كل بلد جنتين، جنة في الدنيا وجنة في الآخرة تجري من تحت كلٍّ منهما الأنهار!

وهكذا توقع المحلل السياسي ان يكون خيار الشعوب هو الدين السياسي لو دُقت اجراس الديمقراطية وحصلت الانتخابات. وتحقق ما كان متوقعا فقد فازت الاحزاب الاسلامية في العملية الديمقراطية في غالبية البلدان العربية التي مارست الانتخابات، فابتدأت السلسلة بالسودان ثم الجزائر ثم فلسطين ومرت بالعراق وعرجت على تونس وتوقفت في مصر. غير ان الشعوب لم تصبر طويلا في امتحاناتها، فسرعان ما حررت النتائج واعلنت القرار، اذ وجدت هذه الشعوب بان ممارسات الاحزاب الاسلامية لا تختلف عن سواها من قبل بل سلكت سلوكا يتعفف عنه الاسلاف في بعض الاحيان!

الذي حصل في بلداننا بعد وصول الاحزاب الاسلامية للسلطة هو ان أزداد الكساد كسادا والفقر فقرا والبؤس بؤسا والفساد فسادا، فانحسرت الحرية واختفت السعادة وغاب الأمان حتى تفاعلت الناس وبدأت ترفع شارات الغضب...أنقلب العسكر على النظام الاسلامي في السودان فخرج الصادق المهدي وجاء البشير والشعب لم يحرك ساكنا حيث السكوت علامة الرضا...انشطرت فلسطين الى نصفين فالضفة الغربية يقودها علماني وغزة يقودها اسلامي، العلماني يتنفس تحت الماء والإسلامي مختنق....وانشطر العراقيون فيما بينهم الى طوائف وشرائح وفصائل واقسام أحدها يتناقض مع الآخر ويتمترس بعضها ضد البعض، فنقطة اللقاء بين السياسيين هناك واحدة فقط الا وهي نهب المال العام وبث روح الطائفية!...احتقن الشارع التونسي حتى وصل حد الانفجار لولا تخلّي الاسلاميين عن السلطة في الوقت المناسب....ثم خرجت الملايين المصرية بعد سنة واحدة فقط من حكم الاخوان المسلمين وهي تطلب الانعتاق والحرية مستنجدة بالعسكر...

فشل الاحزاب الاسلامية في كسب الشارع الذي اختارها يكمن، في نظري، عند الاسباب الرئيسية التالية :
اولا، ابتلت الاحزاب الاسلامية بصفة مشتركة بينها هي استشراء حالة الغرور في عقول قيادات وكوادر هذه الاحزاب حيث ترى بأن لها وكالة ربانية في حكم الأرض. كل الذي تفعله صحيح ومبرر وهو في مرضاة الله تعالى حتى وان وصل الى حد سرقة المال العام أو إراقة دماء الآخرين. الغاية عندهم تبرر الوسيلة ولا وجود للمحرمات أمام الهدف! هذا التطرف في التفكير انعكس  سلبا على السلوكيات مما خلق حالة من الاشمئزاز الشعبي لسياساتهم.

ثانيا، حالة الانكماش والتقوقع حول الذات " الايكوسينتريزم" هي صفة اخرى اتسمت بها غالبية الاحزاب الاسلامية التي لا ترى الاّ نفسها ولا تفهم الاّ ذاتها، ترفض الآخر حتى لو لبس لباسها وقلّد مظهرها. فما أدلّ على ذلك من تطاحن الاحزاب الاسلامية فيما بينها حد السيف رغم انها تنتمي لنفس المنهج ولها نفس الرؤى والاهداف، والامثلة على ما أقول كثيرة منها : صراع التيار الصدري مع حزب الدعوة الاسلامية في العراق، وكلاهما حزبان اسلاميان شيعيّان، الذي وصل الى حد الاقتتال في واقعة " صولة الفرسان". كما أن حزب النور السلفي في مصر كان من أوائل من سحب البساط من تحت أقدام الإخوان وأيد العسكر في مشروعهم. ان كانت الأحزاب الاسلامية غير قادرة على الانسجام مع بعضها فكيف لها أن تنسجم مع أضدادها ومخالفيها تحت راية الديمقراطية، وكيف ستطمئن الأقليات والطوائف الاخرى لها في بلدان تزاحمت فيها الاديان والطوائف والأعراق!  

ثالثا، ضبابية المنهج السياسي وتلكؤ المنهج الاقتصادي واضطراب المنهج الاجتماعي العام: قد يشعر المراقب للأحداث وكأنه لا يوجد للأحزاب الاسلاميّة استراتيجية سياسية ثابته ومعرّفة سواء كان ذلك على الصعيد الداخلي أو الخارجي، فهي تبدو وكأنها تتخبط في محيط غير محيطها. كما أن هذه الأحزاب وبشكل عام تولي جلّ اهتماماتها للمظاهر الدينية المجردة من العمق في أغلب الأحيان، دون الاهتمام المطلوب لبناء البنية التحتية المنتظرة للدولة. هذا من جانب ومن جانب آخر، يبدو وكأن هذه الأحزاب لا تريد أن تنفق جهدا في تدعيم الاقتصاد بمستلزمات الحاجة وضمن رؤى المعرفة والتجربة. وفوق هذا وذاك فهي لا تنشغل في توفير عناصر الرفاه الاجتماعي المعروفة ومتطلبات الشعوب المادية والعلمية والثقافية والنفسية ضمن اسس المرحلة وبالطرق العلمية الصحيحة. في أغلب الأحيان تعتمد هذه الأحزاب على كوادرها الحزبية في ادارة الشؤون، إلاّ أن هذه الكوادر تنقصها التجربة والكفاءة، فهي لا تستعين بالكفاءات الحقيقية المتوفرة في ساحاتها لأنها لا تطمئن الاّ لنفسها ولا تؤمن الاّ بذاتها. بهذه المفاهيم والسلوكيات تبقى عجلة التقدم  والازدهار واقفة في مكانها إن لم تتقهقر الى الوراء وتبقى البلاد خلف نظم التحضر والمدنية.

طبقا لما سلف فتجربة الشعوب العربية مع الاحزاب الاسلامية لا تشير الى حصول قناعة في تحقق الآمال المنشودة، بل على العكس توحي برحيل جماعي للقناعات نحو صوب آخر بالرغم من حصول بعض الاستثناءات المؤقتة من هنا وهناك. إذ ربما ستنجح الاحزاب الدينية في العراق من نقل الصراع السياسي العنيف بينها الى خانة الصراع الطائفي في المجتمع  وهذا قد يعزز بقاءها في السلطة ولكن الى أجلٍ مسمّى....

 

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com