بقام منير بشاى
خلال الثلاث السنوات الماضية، مرت عل مصر ثورتان وتم كتابة دستورين وتعاقبت علينا عدة حكومات. واليوم نحن بصدد انتخاب رئيس وبرلمان جديد للبلاد، ولعلها تكون هذه نهاية التجارب الفاشلة وبداية العمل الناجح لبناء مصر على اسس عصرية تضع البلاد على طريق التقدم. ليس من صالحنا تضييع الوقت فى خداع الذات وتوهّم ان كل شىء على ما يرام. ولا نحتاج ان يقنعنا احد ان اوضاع مصر أصبحت متدهورة، فالامور تعلن عن نفسها لكل عين تبصر.
أى بناء يبدأ من اسفل الى اعلى، وبناء الدول يبدأ عادة بالبنية التحتية infrastructure التى لابد من التأكد من سلامتها لأنها الركيزة التى تعتمد عليها كل مؤسسات البلد. هذه البنية التحتية تمثل المرافق الحيوية التى يقوم عليها المجتمع مثل الصرف الصحى والطرق والكبارى والمواصلات ووسائل الاتصالات والماء والكهرباء والغاز الطبيعى وغيره.
ولا يقل اهمية عن هذا البنية التحتية الاخلاقية التى تمثل المبادىء التى لابد من بثها فى المجتمع لتعبئة الفرد وبناء اخلاقه وترسيخ القيم التى يمكن ان تدفعه نحو التقدم المنشود. وفى نفس الوقت هناك حاجة الى اعادة برمجة الشعب للتخلص من مبادئ اخرى هدامة ساهمت فى ارجاعنا للوراء وعلى سبيل المثال هذه التعبيرات المتداولة: زى بعضه، معلهش، مشى شغلك، كله محصل بعضه، اللى تكسب به العب به، اصرف ما فى الجيب يأتيك ما فى الغيب. وأمثال هذه.
هذه بعض عناصر البنية التحتية الاخلاقية التى نحتاج ان نبنيها فى مصر اليوم:
1- الوقت من ذهب (الالتزام)
حياة الانسان هى مجموعة ساعات عمره، والتفريط فى هذه هى تفريط فى العمر ذاته. تقدير قيمة الوقت يجب ان ينعكس على عدم تضييعه فيما لا يفيد بل استغلاله فى العمل البناء. الالتزام يعنى اعطاء العمل وقته وذلك بالذهاب والانصراف فى الميعاد وعدم تضييع وقت العمل فىيما لا صلة له بالعمل. الالتزام يعنى ايضا احترام المواعيد التى نعطيها للغير والوفاء بالمواعيد التى تعد بها. والالتزام معناه الانضباط فى الوقت ومراعاة المواعيد الخاصة بكل أمر.
2- إحسبها صح (التخطيط)
الامور لا يجب ان تترك على عواهنها وليحدث ما يحدث. هذه القدرية التى تؤمن ان الله يعمل ما يريد وتستبعد دور الانسان تماما هى ابعد ما تكون عن الدين الصحيح. المثل الصادق يقول على لسان الله "اسعى يا عبد وانا اعينك". والتخطيط امر واجب على الحكومات وعلى الافراد. وهى تتطلب وضع اولويات والتصرف فى حدود الامكانيات المتاحة.
3- العمل عبادة (الانتاج)
كل الشعوب التى تقدمت كان سبب تقدمها العمل الشاق الدؤوب. لا بديل عن الانتاج حتى نحسن الدخل القومى وبالتالى يمكن توفير المال الكافى للعمالة وتدبير الخدمات واحتياجات البلد من طعام وتعليم وصحة ومواصلات وامن داخلى وقومى واسكان وطاقة واتصالات وغيره من الامور. لا شىء سياتينا مجانا ولن نستطيع ان نعتمد على مساعدات الغير على المدى الطويل.
4- اتقن عملك (الضمير)
العامل المصرى لا تنقصه المهارة ولكن بسبب تدهور الاخلاق اصبح للاسف يعوزه الضمير. الضمير يفترض ان الانسان يقدّر ما يعمل ولا يخجل من ان ينسب له ما يعمل. ومراعاة الضمير فى الانتاج يتحول الى نوع من الشعور العام بالفخر عندما توضع عليه عبارة "صنع فى مصر". اما المستهلك فستكون هذه العبارة عنده عنوانا للجودة والثقة والرغبة في اقتناء ما ننتجه.
5- الدين المعاملة (التسامح)
الدين الذى يظهر فى ذبح الطفل والمرأة والشيخ ومن لم يتسبب لك بأذى لا يمكن ان يكون من الله. الله محبة والله رحيم والدين الصحيح يقدم الخير للبشر. لا يوجد من يستطيع ان يدّعى انه وكيل الله على الارض وانه يعاقب الناس نيابة عن الله. الله اعطى الانسان الحرية ان يؤمن او يكفر وهو الذى سيحاسبه فى اليوم الأخير. اما الجرائم الوضعية فهى واجب الدولة ان تفصل فيها.
مصر اليوم لا تحتاج الى اصلاح، مصر تحتاج الى اعادة بناء. الاساس القديم قد تصدع ولم يعد قادرا او مناسبا لنبنى فوقه. هيله هيله يالله يا رجالة، لقد حان وقت البناء.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com