صبحى فؤاد
طوكيو من فوق اح الابراج العالية وعلى اليمين الكاتب امام جبل "فيجى" الذى يعد رمز لليابان ومصدر الهام لشعبها
1- البوابة تفتح لمرور الاتوبيس فى جزء من الثانية
بعد انتهاء زيارتى الى الصين توجهت مباشرة من هناك مع ابنتى الى العاصمة " طوكيو " .
استغرقت الرحلة من شنغهاى الى طوكيو اقل من ساعتين ونصف بالطائرة . عقب وصولنا الى المطار اخذنا الاتوبيس المخصص لنقل الزوار الى فنادقهم او اماكن اقامتهم . وبعد خروج الاتوبيس من منطقة المطار فوجئت بالسائق لا يهدأ السرعة رغم انه كانت هناك بوابة تغلق الطريق ..اقترب السائق لكثر واكثر منها وصار على مسافة متر واحد تقريبا واذا بها ترتفع وتفت الطريق له فى جزء من الثانية . كدت لم اصدق ما حدث وكنت اتصور ان الاتوبيس سوف يرتطم بالبوابة ولكن لم يحدث اى شىء مما كنت اتصوره وان دل هذا فانما يدل على دقة العقل اليابانى وتطورهم العلمى المذهل.
بعد ساعة تقريبا وصلنا الى قلب مدينة طوكيو واخذنا حقائبنا وسرنا فى الشوارع نبحث عن العنوان حيث اننا كنا نتصور ان الاتوبيس سوف يوصل كل ركاب الى فندقه ولكنه توقف فى المحطة المخصصه له وترك الباقى على الركاب انفسهم.
وجدنا انفسنا نسير فى زحام بشرى لم ارى مثله فى حياتى ..مئات الالوف كانوا متوجهين الى محطات القطار او نازلين منها ويسرون مثلنا فى طريقهم الى اعمالهم.. حاولنا سؤال البعض منهم عن العنوان فلم نجد للاسف احدا يتحدث الانجليزية ..بدأت ابنتى تشعر بالارتباك ولكنى هدلأت من خاطرها ..عاودنا السؤال حتى وجدنا من بين الكتل البشرية المتحركة من يرشدنا الى الهوتيل.
فى دقائق كنا انتهينا من الاجراءات الروتنية التى تتم عند النزول باى هوتيل وصعدنا الى حجرتنا التى كانت عبارة عن شقة صغيرة بها كل ما يخطر على بالك ..حتى التوليت كان من احدث الطراز ..اليكترونيا .. يعنى تقعد عليه وهو يقوم بعمل اللازم على اكمل وجه.
نزلنا الى الشارع وكان الوقت بعد الظهر لكى نتعرف على اليابان وشعبها ونرى باعيننا شوارعها ومحلاتها ومطاعمها وحدائقها واثارها وعماراتها التى تناطح السحاب وبيوت القديمة الجميلة الفريدة من نوعها.
شد انتباهى للوهلة الاولى عدم وجود سلات للمهملات او صفائح زبالة فى جميع شوارع العاصمة او غير العاصمة وعندما سألت قالوا انه كان البعض يستغلها لوضع متفجرات وقنابل بها ولذلك قررت السلطات ازالتها من كل الشوارع فى اليابان.
2-- شعب يحترم النظام وقواعد المرور
عكس الصينيين وجدت ان اليابانيين يحترمون جدا النظام وقواعد المرور رغم انه يوجد بين الحارة والاخرى اشارة مرور الا انك تجدهم يقفون بصبر عجيب حتى تتغيرالاشارة من الاحمر الى الاخضر مهما طال انتظارهم وبغض النظر عن وجود سيارات او لا . وعلى محطات القطارات لا يتصارعون او يتسابقون بل يقفون فى الطابور ولا احد يشذ عن السولك العام ابدا.
وبمناسبة المرور والقطارات فان اليابان يوجد بها افضل مواصلات عامة على مستوى العالم والغالبية العظمى منها تحت الارض ..وحاليا هم على وشك الانتهاء من صناعة قطار جديد غاية فى السرعة يبلغ 500 كيلو متر فى الساعة الواحدة بدلا من القطار الحالى الذى يبلغ سرعته 300 كيلو متر فى الساعة.
ورغم ان القطارات تنقل عدة ملايين يوميا بين كافة المدن والاحياء المختلفة الا انها لا تتاخر عن موعدها دقيقة واحدة .
وتحت الارض لا توجد شبكة قطارات هائلة فحسب وانما ايضا تجد الوف المحلات ومكاتب الاستفسارات والخدمات والمطاعم والمقاهى وغيرها .
القطار السريع الذى تصل سرعته 300 الى كيلو فى الساعة ومدخل محطة قطار تحت الارض فى طوكيو
وقد علمت ان هناك غرامة وقدرها ما يعادل 5 الاف دولار امريكى على من يضبط وهو يقود سيارته تحت تأثير الكحول وثلاثة الاف دولار لكل راكب فى نفس السيارة بغض النظر عن كونهم سكارى ام لا .
3- شعب متحضر مؤدب يعشق العمل والحياة ولكن
من اللحظة التى تطأ اقدلمك ارض مطار طوكيو الدولى سوف تدرك ان شعب اليابان من ارقى وادب شعوب العالم ان لم يكن افضلها جميعا ..لا تجد فيهم العجرفة والعظمة والكبرياء رغم انهم يتصدرون قائمة دول العالم فى البحث العلمى واقتصادهم يأتى فى المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة الامريكية ..شعب جميل وبسيط ومتواضع يرحب بالغرباء ويعمل على راحتهم بلا اصطناع .
فى كل مكان سواء كان فندق او مطعم او محل تجارى او مكان لتغير العملة او اى مكان اخر تجدهم يرحبون بك ويقدمون لك الخدمة بابتسامة حقيقية ويستحيل ان تجد من بينهم من يسعى لاستغلالك او النصب عليك لانك غريب او سائح من دولة اخرى.
ولكن مشكلة شعب اليابان انهم دائما يسعون الى الكمال ..لا يقبلون الا بعمل الافضل والاكمل فى كافة المجالات وقد ترسخ هذا المفهوم عندهم عبر الاجيال ولذلك تجد من يفشل منهم فى عمله او لاى سبب يخسر وظيفته يعتبر انه اصبح عار على مجتمعه واهله واصدقاءه وتظلم الدنيا امام عينية بسرعة ويقوم بقتل نفسه لكى يخلص المجتمع والجميع من عاره حسب تصوره.
والاحصائيات تبين ان هناك اكثر من 30 الف يابانى ينتحرون سنويا .
4- طوكيو اجمل واغلى مدن العالم
جميع شوارع طوكيو نظيفة للغاية رغم عدم وجود سلال مهملات
اوضحت الاحصائيات التى صدرت مؤخرا ان طوكيو عاصمة اليابان هى اغلى مدينة فى العالم . واثناء زيارتى التى امتدت الى اسبوع اكتشفت انها ليست بهذا الغلاء الذى يروج له البعض حيث وجدت اسعار الطعام والمواصلات العامة رخيصة واسعارها فى متناول الجميع اما الملابس فاسعارها ربما مثل الاسعار فى ملبورن ولكن ايجار الشقق مرتفع بلا شك ويصل فى بعض المناطق الى ما بين خمسة الاف دولار الى عشر الاف دولار فى الشهر.
ولكن باستثناء ارتفاع الاسعار فانك تجد كل شىء فى اليابان رائع وجميل ..خليط عجيب بين العصر الحديث والتقاليد القديمة التى تستمد اصولها من الديانة البوذية والشنتو وهى ديانة قديمة تركز على نقاء الانسان جسديا وروحيا .
فى طوكيو التى يسكنها حوالى 13 مليون تجد الابراج العالية وناطحات السحاب وايضا البيوت والمعابد القديمة ..تجد من يلبس احدث الملابس وفى نفس الوقت تجد من يرتدى الملابس التقليدية المميزة لليابان. ويوجد بشوارع بطوكيو ومعظم مدن اليابان الكبرى كم هائل من الثلاجات والفاترينات المثبته بالحوائط والتى يمكنك الشراء منها بوضع بعض العملات المعدنية او الورقية للحصول على ما نريد. اما فى محلات السوبر ماركت فكل ما يخطر على بالك من طعام جاهز موجود بوفرة واسعار معقولة جدا.ورغم ان اليابان تعد اكبر دولة متقدمة فى مجال البحث العلمى والتكنولوجيا واسس بها اول مصنع فى تاريخ البشرية لتخليق اجزاء من الجسد البشرى حسب الطلب الا انه يوجد لديهم ايضا 75 الف معبد لممارسة الديانة الشنتونية ومثل هذا العدد ايضا معابد للديانة البوذية. لم يمنعهم علمهم وتقدمهم من الاحتفاظ بتقاليدهم وعاداتهم وعبادتهم .
5- جبل " فيجى " مصدر الهام لشعب اليابان
بعد يومين على وصولنا طوكيو ذهبنا مع مجموعة من السياح الى جبل " فيجى" وهو جبل يرتفع 3776 متر فوق سطح الارض ويعتبره اليابانيين مصدر الهام لهم ورمز لدولتهم ويتسلقه سنويا اكثر من 200 الف شخص فى فترة الربيع. وهذا الجبل شكل عبر التاريخ بعد حدوث بركان هائل ولكن منذ حوالى 400 عام لم يحدث انفجار او بركان بهز
وبعد زيارة جبل " فيجى " توجهنا الى بحيرة " هاكون " وهى لاتبعد كثيرا وركبنا سفينة اشبه بسفن القراصنة وعبرنا بها الى الضفة الاخرى من البحيرة ..ومن هناك توجهنا الى جبل اخر كانت الرياح حوله تبلغ اكثر 120 كيلو فى الساعة ..وكان جزء منه مغطى بالثلوج وعندما تصفع وجهك الرياح تشعر كما لو ان هناك من ضربك بلوح ثلج !!
وبعد انتهاء زيارتنا للبحيرة والجبل ذهب بنا الاتوبيس السياحى الى احد المطاعم التى تقدم المأكولات اليابانية فقط .
وبعد ذلك طرح علينا اخياران اما ان نعود الى فنادقنا بنفس الاتوبيس او ركوب القطار السريع ( 300 كيلو متر فى الساعة) ويطلق عليه القطار الرصاصة لانه يشبه شكل الرصاص فقمنا باختيار القطار السريع الذى وفر علينا ما يقرب من ثلاثة ساعات على الاقل لو كنا اخترنا الاتوبيس .
كاتب السطور مع ابنته جولى امام جبل " فيجى " وعلى الشمال ابنته امام بحيرة " هاكون"
6- اخير بعد سنوات طويلة التقينا فى " كيوتو "
منذ سنوات بعيدة كنت اقرأ للكاتب اللبنانى " سعيد فريحه" ..وكثيرا ما كنت اقرأ له مقالات عظيمة عن بنات " الجيشا" اليابانيه ولذلك تولد عندى اشتياق شديد لرؤيتهم والالتقاء بهم منذ هذا التاريخ.
وقبل سفرنا الى اليابان اقترحت ابنتى جولى ان نذهب الى " كيوتو " التى تقع على بعد 700 كيلومتر تقريبا من طوكيو .
فوافقت بطبيعة الحال وذهبنا الى "كيوتو" بعد انتهاء زيارتنا لطوكيو . واثناء سيرنا على الاقدام فى احدى الحوارى الموصلة الى معبد بوذى كبير لمحت ابنتى جولى اثنين منهن ..واذا بها تصيح فى فرح شديد كمن وجد فجأة كنز من الذهب على قارعة الطريق : بابا ..بابا ..بنات الجيشا. اثنين منهن يسيران فى اتجاهنا . لم اصدق حظى لان هناك من قال لنا صعب ان تجدهن فى الشوارع ونصحونا بالذهاب الى مكان يتواجدون به ويكلف الفرد مئات الدولارات . قمت على الفور بالسير فى اتجاههما واعتراضهن ثم طلبت التصوير معهما.
رحبا بالتصوير معى انا وابنتى وقمت بالتقاط عدد من الصور الجميله لهما.
بعد ان التقطنا عدة صور معهن ضحكت ابنتى وقال لى : مبسوط دلوقت ..من غير ما كنت شفتهم واتصورت معاهم مكنتش زيارة اليابان اكتملت ..مش كده ولا ايه ؟
وافقت ابنتى بلا تردد لان زيارة اليابان بدون رؤيتى بنات الجيشا فى شوارع مدينة كيوتا كانت بالنسبة سوف تعد ناقصة ..غير مكتملة. وللحق فانا مدين لابنتى التى اقترحت على زيارة هذا المكان الذى التقيت فيه ببنات الجيشا بعد عشرات السنين من الانتظار .
على فكرة كلمة " جيشا " تعنى شخص فنان ..وتدريب الفتاة لكى تصبح واحدة منهن يبدأ من الصغر قبل تبلغ البنت العاشرة من العمر ولكن بعد ان جعلت الحكومة اليابانية مواصلة التعليم حتى المرحلة التعليمية المتوسطة اجباريا صار على الفتاة التى تحلم ان تكون واحدة منهن الانتظار حتى سن ال15 عاما على الاقل.
كاتب السطور وابنته جولى مع مع فتيات الجيشا الشهيرات بمدينة " كيوتو "
وبلقاءنا ببعض فتيات الجيشا بمدينة كيوتو تكون بذلك اكتملت رحلتنا الى اليابان بعد قضاء اسبوع كلمل حيث ان كل ما توقعت مشاهدته تحقق واكثر بكثير مما كنت اتصور .
ولا ابالغ اذا قلت اننى بعد زيارتى اليابان تمنيت لو كنت اعيش فى هذا المجتمع المتحضر الطيب المؤدب المتواضع رغم ان مدينة ملبورن التى اعيش فيها اختيرت افضل مدن العالم للعيش بها الا اننى لا اعرف كيف وقعت فى حب اليابان وشعبها وصرت اتطلع الى الذهاب اليها فى اقرب فرصة ممكنة لكى اعيش الحلم الجميل الذى عشته لمدة اسبوع مرة ثانية من جديد.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com