الليلة التي شاهدت فيها العرض المسرحي «الموت يأخذ إجازة» التي قدمها المسرح القومي في موسم 1959 / 1960، كانت ليلة حاسمة في حياتي، في تلك الليلة اكتشفت أن العمل الذي أريده مهنة لي من بين فروع الفن جميعا، هو مهنة الكتابة للمسرح. ليس لأنني أجيدها، بل لأنني وبكل صدق لا أعرف عنها شيئا. هكذا بدأت رحلة التعرف على هذا الفن، أو بالدقة، فن صياغة المسرح الذي أنا على يقين أنني ممتلئ به.. نعم، سأكتب للمسرح، ولكن ما هي فكرة (تيمة) مسرحيتي الأولي، يا لها من حيرة ويا له من عذاب
. وعند ظهور مسرح التلفزيون شاهدت على مسرح الهوسابير عرض مسرحية «العش الهادئ» وكان يمثل فيها الصديق القديم أحمد عبد الحليم، الذي دعاني لمشاهدة العرض. الواقع أنني تعرفت عليه عندما كان جارا لي في المنيرة بالسيدة زينب. مشاهدة عروض مسرحيات الحكيم بالتحديد تشعر المؤلفين المبتدئين والهواة بأنه من السهل جدا عليهم كتابة عروض مسرحية مماثلة، وعند الممارسة يكتشفون كم أن الحكاية صعبة. بعد العرض سألني أحمد: إيه رأيك..؟ أبديت له إعجابي الشديد به وبالعرض غير أنني انسحبت من لساني وقلت: أنا أستطيع كتابة مسرحية أفضل من هذه.
من المعروف عن أحمد عبد الحليم أنه أكثر خلق الله أدبا وتهذيبا. لذلك قال لي بأدب: «والله الواحد مش عارف انت بتعمل إيه بالظبط.. انت بتمثل وبتخرج للهواة ولكنها المرة الأولي التي أعرف فيها إنك بتكتب مسرح كمان». فقلت له: «أنا لسه ما كتبتش.. بس حاكتب..»
فقال: «خلاص.. اكتب مسرحية.. وتعالى قدمها عندنا في مسرح التلفزيون.. الست أمينة الصاوي هي المسؤولة عن قراءة المسرحيات.. سأطلب منها أن تهتم بقراءتها». وكانت المسرحية الأولى (عابدين كومبلكس) أستطيع الآن بعد مرور نحو أكثر من نصف قرن، أن أشهد أمام الله والتاريخ أنها لم تكن مجرد مسرحية رديئة فحسب، بل لعلها كانت أكثر النصوص المسرحية رداءة على مر العصور. لم يكن الجزء الناقد في عقلي والخاص بمراجعة ما أكتبه قد بدأ في الدوران بعد، نحن نكتب المسرح ونشاهد ما نكتبه في نفس اللحظة، ليس هذا هو المهم، الأكثر أهمية أن نرى ما نكتبه بأعين المشاهدين، أنت الوحيد الذي يرى نفسه من الداخل، والمطلوب هو أن تكون لديك القدرة على مشاهدة نفسك من الخارج. تقدمت بالمسرحية لمسرح التلفزيون وبعد عدة شهور طلبت من أحمد عبد الحليم أن يعرف لي مصيرها فسأل بدوره السيدة أمينة التي قالت له إنها رفضتها ثم طلبت منه أن أعيد تقديمها بعد تغيير اسمها.
بعدها سافر أحمد إلى لندن للالتحاق بالمعهد الملكي للفنون الدرامية. وبدأ المشوار، أنا ومعي «عابدين كومبلكس» نمشي في شارع الضباب. في ذلك الوقت لم تكن ماكينة التصوير قد اخترعت بعد، ولذلك كانت نسخ العمل عرضة للضياع وكان المتاح فقط هو كتابة ثلاث نسخ على الآلة الكاتبة بالكربون، ذهبت بالمسرحية للأستاذ عبد الفتاح البارودي الناقد المسرحي في جريدة أخبار اليوم، فقال لي: «هي فين الدراما اللي في المسرحية..؟ انتم كلكم ما تعرفوش دراما لأنكم شيوعيون.. اتفضل لما تعرف دراما ابقي تعالى لي».
نقلا عن الشرق الاوسط
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com