• بهاء رمزي: الحكومة المصرية تركت الخطاب الديني ينبذ الآخر، ولا ترغب في منع العنف الطائفي، بل تعاقب الأقباط على ازدياد نشاطهم.
• كمال عبد النور: نحن في بداية النهضة القبطية.. والحكومة المصرية لم تكن تتوقع أن يكون الصوت القبطي بهذه القوة.
• ابراهيم حبيب: هناك أقباط سلبيون يعيشون في مرض "الزمية" وحقوق الأقباط يجب أن تنتزع.
• سعيد عبد الحفيظ: المجتمع المدني يؤرخ ويوثق الفتن الطائفية، والحكومة تواجها بالقمع لأنها لم تستطع مواكبة لا الأحداث ولا النشاط المجتمعي ولا المشاكل القائمة.
تحقيق: مايكل فارس – خاص الأقباط متحدون
كما تابعنا في الجزء الأول من التحقيق، وسنتابع في هذا الجزء، فإن هناك ازديادًا مستمرًا لحوادث العنف الطائفي في المجتمع المصري، في الوقت الذي تصاعدت وتضاعفت فيه المجهودات المبذولة والمناوئة لهذه الحالة من العنف غير المبرر، والتي يقوم بها أقباط المهجر النشطون الغيورون على وطنهم وأنسبائهم في الوطن الواحد الأم مصر، أو مؤسسات المجتمع المدني، وسنحاول في هذا الجزء من التحقيق التوصل لسبب هذا التناقض الغريب، من خلال تعقيبات وتعليقات مجموعة من أقباط المهجر.
• بداية أكد الأستاذ بهاء رمزي رئيس الهيئة القبطية الهولندية، أن السبب في هذا التناقض إنما يرجع إلى الحكومة المصرية التي لا ترغب في منع العنف الطائفي، وقال: "إننا كأقباط المهجر، قمنا بمظاهرات كثيرة في الخارح، بالإضافة إلى أن نشاط المجتمع المدني قد زاد في الأونة الأخيرة، إلا أن ذلك لم يغير من طريقة تعامل الحكومة مع الملف القبطي، ولم يزل هناك تقصير أمني في حماية الأقباط، وتقصير إعلامي حكومي، يهدف إلى عدم إبراز مشاكل الأقباط، وأيضًا تقصير في مناهج التعليم الحكومي، الذي أخرج أجيالاً لا يعرفون عن المسيحي سوى أنه إما عدو أو كافر.
وأضاف رمزي أن الحكومة المصرية تركت الخطاب الديني الإسلامي ينبذ الآخر، ويتهجم عليه، ولا يهتم بمشاعره أو حقوقه، وهذا كله دون رقابة، مما كان له الأثر في شحن عقول المسلمين البسطاء ضد المسيحيين، ولكنه أكد أن هناك أملاً، وأن الحكومة وعيت لما تقوم به، ورغبت في الإصلاح، خاصة مع ازدياد نشاط المجتمع المدني، ونشاط أقباط المهجر، مشيرًا في الوقت ذاته إلى أن هناك تغيرًا قد حدث بالفعل من الحكومة ولغة خطابها بخصوص حقوق الأقباط، خاصة بعد مظاهرات أقباط المهجر الأخيرة بعد أحداث نجع حمادي.
وبخصوص "كرامة الحكومة المصرية" تحدث رمزي قائلاً:
"إن الحكومة دائمًا ما تشعر أن كرامتها "وجعاها" دون أن تنظر للحق، فعندما ترى مظاهرات أقباط المهجر، تشعر أنها مُجبرة على إجراء بعض التغييرات، ولكن بعد انتهاء المظاهرت، وبعد انتهاء الأزمة، تعود كما كانت، بل للأسوأ، ومن ثم تبدأ عملية عقاب الأقباط، وكأنها تقول لأقباط المهجر "انتوا عملتوا المظاهرات دي.. طب شوفوا هنعمل إيه في أقباط مصر اللي في الداخل"، وأكبر دليل على ذلك حادث وفاء قسطنطين، فبعد أن اضطرت الحكومة لأن ترجعها للكنيسة، ألغت بعدها جلسات النصح والإرشاد، فكان هذا الإلغاء عقابًا للأقباط في الداخل والخارج عن الضغط الذي مارسوه لإعاده وفاء قسطنطين".
ويري رمزي أن الحكومة يجب أن تكون حكومة المصريين جميعًا وليس حكومة المسلمين وحكومة تعاقب طرفًا على حساب طرف آخر، مؤكدًا أن عشر سنوات بالعمل بالمجتمع المدني، ونشاط لأقباط المهجر غير كافية لمحو آثار اضطهاد 1400سنة، ولكن النشاط المستمر سيجني حتمًا ثماره.
• وأضاف الأستاذ كمال عبد النور، رئيس منظمة صداقة واندماج أقباط النمسا أنه كلما علا صوت طرف، فمن الطبيعي أن يعلو صوت الطرف الآخر، لكنه أكد على ضرورة أن يظل صوت الأقباط هو الأعلى، وأوضح أنه من الطبيعي أن تشوب بداية مرحلة الحرية نوع من "الهرجلة"- على حد وصفه - ، مؤكدًا على أننا في بداية ما أسماه بـ "النهضة القبطية"، وعلى أن كل شيء في البداية غالبًا ما يكون صعبًا، لكن الأهم أن نكمل المشوار الذي بدأناه، وأن الأمل مازال قائمًا.
وأكد عبد النور أن ممارسات الحكومة إنما هي نتيجة لذلك النشاط القبطي المكثف، وأشار إلى أن الحكومة لم تكن تتوقع قوة الصوت القبطي، وعليه فازداد حجم الاضطهاد، لكنه أوضح أن تلك الاضطهادات كانت موجودة بالفعل، إلا أن الإعلام لم يكن متواجدًا، لكن الإعلام استطاع الآن أن يفضح كل تلك الممارسات، مشيرًا إلى حادثة الخانكة الشهيرة، حيث قتل مئات من المسيحين، ولم يدن أحد، غير أن الإعلام الآن قد أظهر الجناة.
وعن الفتره المستقبلية القادمة، أكد عبد النور أنه يتوقع أن الأحداث الطائفية ستقل، لأن صورة مصر أصبحت سلبية في الخارج، وأن الحكومة وعدت بإصلاحات حقيقية.
• ويتذكر الدكتور ابراهيم حبيب رئيس منظمة أقباط متحدون بانجلترا فترة شبابه التي قضاها في مسقط رأسة بملوي بالمنيا في بداية التسعينيات، وما حدث لقرى بملوي وأبو قرقاص على أيدي الإسلاميين الذين قاموا بذبح حوالي 300 مسيحي وتعليق رؤسهم على أعمده الإنارة، فكانت اعتداءات بشعة إلا أن التناول الإعلامي لهذه الحادثة كان ضعيفًا جدًا، أما الآن، فهناك اعتداءات بالفعل، ولكن ليست بنفس بشاعة تلك الاعتداءات السابقة.
وأرجع د. ابراهيم السبب في ذلك التراجع الطفيف في حدة بشاعة الاعتداءات إلى دور نشاط المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان التي جلعت حقوق الإنسان ثقافة إلى حدٍ ما في الأوساط المتعلمة والمثقفة في مصر، والتي بدأت في إدراك أن حقوق الإنسان هي ثقافة للحياة وهذه الثقافة لم تنتشر في كل التيارات المجتمعية في مصر.
ويري حبيب أن المشكلة هي مشكلة "العامة" الذين لم تصلهم هذه الثقافة والذين لازالوا يتعاملون بغوغائية ويعتنقون فكر الإسلاميين وقال إن "السياسة عمل تراكمي" تظهر نتائجه بعد سنوات وما يقوم به أقباط المهجر ومنظمات المجتمع المدني ستُجنى ثمارُه بالتأكيد.
وأعرب ابراهيم عن وجود مشكلة حقيقية وهي أن هناك كثيرين من الأقباط لازالوا سلبيين، وهناك شرائح قبطية كبيرة لا يطالبون بحقوقهم، وهناك أجيال قبطية كثيرة نشأت على مرض "الزمية"، وهو مرض نفسي والذي يصاب به يقبل أن تتم معاملته كمواطن من الدرجة الثانية، ولا يدرك أنه لا يأخذ حقوقه، ويعتبر أن ذلك أمر طبيعي مسلم به ولا يسعي لانتزاعها.
ويري حبيب أن النظام المصري يتغير تحت الضغوط ويتم إجباره على تغيير تعامله مع الأقباط، خاصة وأنه "لا أخلاق في السياسة" و "السياسة هي محصلة قوى" لذا لابد للأقباط إظهار هذه القوى والمطالبة والنزاع مع الحكومة لأخذ حقوقهم، وأشار إلى ما قاله هنري كسنجر عندما قابل السادات قبل حرب 73، عندما طالب السادات أمريكا بالتدخل فرد عليه وقال له: "لن نستطيع التدخل إلا بعد أن تكون درجة الحرارة والتوتر بين اسرائيل ومصر مرتفعة، هنا نستطيع أن نتدخل"؛ لذا على الأقباط أن ينزلوا الشارع، وينسوا الخنوع، ويطالبوا بكل حق من حقوقهم، ولا يقتصر ذلك على المنظمات والهيئات القبطية بل على الشعب القبطي نفسه، فلن يأخذوا حقهم إلا بذلك، لأن الحقوق تُغتصب وتُنتزع ولا تُمنح خاصة وأن الظروف المجتمعية والعالمية في صالحهم لأن هناك ثورة اتصالات في العالم، فأي مشكلة أو اعتداء على أقباط يتم معرفتها في نفس الوقت، عكس ما كان يحدث قديمًا؛ ورأينا منذ عدة أيام مجلس الكنائس العالمي يوجه رسالة تضامن لأقباط مصر، وهو ما يشجع الأقباط ويؤكد أن هناك تضامنات عالمية معهم.
• وأكد سعيد عبد الحافظ، مدير مؤسسة ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان أن المشكة ترجع لزيادة طبيعة ونوعية المشاكل الطائفية في مصر في العشر سنوات الأخيرة عما مضت، فقبل ذلك كانت تنحصر المشاكل في انتهاك الحق في الحياه للأقباط من قبل الجماعات الإسلامية المسلحة مع الحديث القليل عن التوترات الطائفية لأن العراك القائم بين منظمات المجتمع المدني والجماعات المسلحة كانت تستتهلك كل الحديث؛ خاصة وأن منظمات المجتمع المدني رصدت بشكل دقيق انتهاكات الجماعات الإسلامية المسلحة، ووثقت ذلك ووثقت الاعتداءات على دور العبادات القبطية، وأصدرت عشرات التقارير وكانت تتهم من قبل الحكومة بأنها تزيد اشتعال العلاقات بين المسلمين والمسيحين.
وأشار إلى ما فعلته الحكومة المصرية في المنظمة المصرية لحقوق الإنسان بعدما أصدرت تقريرها الأول عن أحداث الكشح وكيف ألقت القبض على الأمين العام للمنظمة عام 1998، وأغلقت المنظمة في ذلك الوقت.
ويري عبد الحفيظ أن دور المجتمع المدني في التصدي لأحداث العنف الطائفي والفتن الطائفية كان أقوى من دور الأحزاب، لذا كانت هناك مقاومة حكومية شديدة، لأن المشكلات في حد ذاتها زادت بسبب الحراك السياسي والمجتمعي المصري والإقليمي بجوار مصر والعالمي أيضًا، وقد أدى ذلك لظهور بعض المطالب كان مسكوتًا عنها فيما مضى، وباتت قضايا الأقباط أكثر تفصيلاً وأكثر وضوحًا، فالآن نتحدث عن المساواة في الوظائف بين المسلمين والأقباط وضرورة إصدار قانون دور العبادة الموحد والمشاركة السياسية للأقباط ووجود شخصيات قبطية في الأحزاب على قائمة الانتخابات؛ فالمطالب زادت والمشاكل زادت فلم يكن أحد يتخيل أن تصل الاحتجاجات والإضرابات في مصر لـ 600 احتجاج، وإضراب في السنة؛ وكل ذلك تقابله الحكومة بمزيد من التحفظ والترقب والريبة والحذر الذي أدى إلى أن المنظمات ناشطة وواعية وتلجأ للمحافل الدولية للمطالبة بحقوقها، ولكن الحكومة المصرية لم تستطع مواكبة هذه التغيرات ولازالت تفكر بتهمل وروية فيما يتعلق بالملف القبطي ولم تستوعب الحراك الاجتماعي القائم.
ويري عبد الحفيظ أن خلال سنوات الخمس القادمة ستتعامل الحكومة بشكل أفضل فيما يتعلق بالملف القبطي، لأن "ماتش التحدي" بدأ و"الكورة" في ملعبنا نحن كمجتمع مدني وليس في أيدي الحكومة والتغيرات قادمة سواء ارتضت الحكومة أو لم ترتضِ.
لقراءة الجزء الأول من التحقيق انقر هنا
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com