فاروق عطيه
ترددت كثيرا قبل كتابة هذا المقال حتي لا أُغضِب رؤساء تحرير بعض الصحف التي ساهمت معهم في انتشارها, ورغم توقفي الكتاية لها فهم مازالوا أصدقاء أعزاء نتواصل باستمرار. كل رؤساء تحرير صحف المهجر دخلوا هذا المجال وهم غير مؤهلين أكاديميا لكني أقر أنهم أصحاب رسالة يودون توصيلها للقاري العربي في المهجر. بالرغم من أن القانون الكندي يعطي الكاتب حرية التعبير عن رأيه دون أن يُخل بالقانون, ورغم أن كل صحيفة تكتب في مقدمتها أن المقالات داخل الصحيفة لا تعير عن توجهاتها ولكنها تمثل رأي الكاتب, نجد أن بعض رؤساء التحرير مازالوا يحملون في داخلهم عقدة الخوف من الرقيب وعقاب السلطان فيتدخلون في رأي الكاتب.
قبل فورة 25 يناير كتبت المئات من المقالات ضد الديكتاتورية والتوريث والعنف الزائد من أمن الدولة, وفوجئت باتصال السيد رئيس التحرير يرجوني أن أخفف من عنف النقد الموجه للسيد رئيس الجمهورية (مبارك) لأن السيد السفير قد اتصل به وأخبره أنه غاضبا من كم النقد الموجه مباشرة للسيد الرئيس, فلم أجد بدا من ترك الكتاية بهذه الصحيفة رغم حبي لها وصداقتي لرئيس تحريرها. كتبت عدة مقالات عن الإرهاب الممنهج تحت راية الدين وتسلط رجال الدين ومتاجرتهم به وفتاويهم التي لا أنزل الله بها من سلطان, وفوجدت بالسيد رئيس تحرير الصحيفة يطلب مني التوقف عن هذه المقالات حتي لا نغضب رجال الدين الأفاضل, أفهمته أن التوقف عن ذلك يعني مهادنة الإرهاب والرضوخ لابتزاز تجار الدين ومدعي الفتوي, واضطررت آسفا التوقف عن الكتاية لهذه الصحيفة. بعض رؤساء التحرير يقومون بحذف بعض الفقرات التي لا تعجبهم دون استئذان الكاتب ولكن والحمد لله لم يحدث معي ذلك لأنني لا أقره وأرفضه يشدة وأري أن من حق الكاتب أن يعير عن رأيه ولرئيس التحرير أن يعلّق علي المقال ويكتب رأيه المخالف أسفل المقال. حدث معي أن اعترض السيد رئيس التحرير علي فقرة في مقال رأي أنها تعارض توجهات الصحيفة وتغضب بعض القراء المتحفزين لنقدها وطلب مني كتابة مقال أخر بديل, فأفهمته أن الكاتب لا يضغط علي زر فيخرج له المقال في لحظات, بمعني أن كتابة مقال يحتاج لوقت قد يصل لعديد من الأيام, فطلب مني أن أحذف الفقرة التي يراها غير مناسبة, فأخبرته أن حذف هذه الفقرة قد بخل بالموضوع ولا يوصل رسالة الكاتب كاملة للقارئ والأفضل عدم نشر المقال.
لهذه الأسباب ولأنني درست الكتابة أكاديميا وحتي أُفيد كتابنا الشباب الواعد أحببت أن ألقي بقعة من الضوء علي الأسس العلمية لكتابة المقال, وتتلخص في:
- اختيار الموضوع (الفكرة): على الكاتب ان يختار موضوعاً ملما به عارفا بكل جوانبه, ويكون في نفس الوقت موضوع الساعة أو حائزا علي اهتمامات قرائه. ويكون موجزا في عرضه دون تطويل يخل بسياق العرض المتعمق بحيث يفيد القارئ ولا يرهقه
- تحديد الهدف من المقال: وتحديد الهدف يعني وضوحه في ذهن الكاتب قبل البدء في الكتابة، وهذا التحديد يساعد على امرين هامين معرفة ماذا يكتب وكيف يكتب. فإذا كان الهدف مشوشا عند الكاتب فلن يستطيع إقناع القارئ به.
- عنوان المقال: من الأفضل وضع العنوان وتحديده بعد الإنتهاء من كتابة المقال في صورته الأخيرة, وللعنوان اهمية قصوي لأنه أول ما تقع عليه عين القارئ حتي يتعرف على مضمون المقال. ولذلك ينبغي ان يكون محدداً, ولايتحقق ذلك الا عندما يكون الهدف واضحاً في ذهن الكاتب وينبغي أن يكون العنوان واضحاً ومباشراً وبعيداً عن الغموض ودالاً على ما يعالجه المقال.
- الإطار أو الخطة: لابد من وضع خطة او اطار قبل البدء في الكتابة. فاذا نجح الكاتب في وضع اطار سليم تصبح الكتابة في غاية السهولة ويضمن نصيباً كبيراً من التوفيق, علي أن يكون الهدف في ذهن الكاتب واضحا ومحددا. ييدأ الكاتب في القراءة المتأنية لجمع الأفكار والمعلومات التي تثري الموضوع ولمعرفة ما كتبه الآخرون فلا يكرره. ويتلخص الإطار العام للمقال عادة من ثلاثة اقسام:
ا- المقدمة: تبدأ بجملة او جملتين كافتتاحية لجذب انتباه القارئ الى الموضوع وتركيز انتباهه على الهدف من المقال. تتلوها جملة او جملتان لتحديد هدف المقال. ويعرض فيها الكاتب عرضا موجزا لما يريد الكتابة عنه وما توصل إليه من فروض سوف يحققها في متن المقال. ثم تنتهي المقدمة بجملة او جملتين يحدد فيهما الكاتب مجال المقال ويكون ذلك تمهيدا للجزء الثاني منه وهو المتن.
ب- متن المقال أوالعرض: ويمثل الجزء الاكبر من المقال. يتناول فيه الكاتب المشكلة بالشرح والتحليل والتمثيل حتى يصل بهدفه الى ذهن القارئ.
جـ - الخاتمة: وتاتي في نهاية المقال وفيها يؤكد الكاتب هدف المقال وما توصل إليه من نتائج تم عرضها, وتكون الخاتمة في غاية الإيجاز.
والمقالات أنواع منها ما هو بسيط لا يحتاج جهدا من الكاتب ومنها ما هو أكثر عمقا ويحتاج للدقة في عرض المعطيات, ومنها ما هو في غاية الصعوبة ويحتاج لكاتب متمرس يجيد الغوص في حنايا الموضوع المراد عرضه, ويمكن للتبسيط تقسيم المقالات إلي:
1ـ المقال الوصفي او السردي: وهومقال سهل الأداء ومعظم المقالات التي تنشر بالصحف السبارة من هذا النوع. وفيها يستعرض الكاتب موهبته الكتابية في السرد ىأسلوبه الخاص, والهدف منه اعطاء صورة واضحة ومفصلة لمكان رآه الكاتب او حادث شاهده
2ـ المقال التحليلي : يقوم على تحليل الموضوع الى عناصره المختلفة، ثم يتناول الكاتب كل عنصر منها بالعرض والمناقشة في فقرة او فقرتين الى ان ينتهي من عرض كل العناصر المكونة للموضوع. ومثال لذلك ما يكتبه كاتب رياضي عن مشاهدته لمباراة رياضية يقوم بالتحليل المفصل لكل أحداث المباراة موضحا مكامن الضعف والقوة في كلا الفريقين والسبب الذي أدي لنتيجتها. وعلي نفس المنوال يكون المقال الذي يحلل حدث ما كعملية إرهاربية أوجريمة اجتماعية يقوم الكاتب بتحليلها وعرضها.
3ـ المقال التوضيحي: يقوم على تحليل الموضوع الى عناصره المختلفة، ثم يتناول الكاتب كل عنصر منها بالعرض والتحليل والمناقشة الى ان ينتهي من عرض كل العناصر المكونة للموضوع. ويحتاج هذا النوع من المقالات لكاتب متمرس ومتخصص فيما يكتب . فمثلا عندما يكتب طبيب أو باحث في مجال الطب عن مرض معين, يشرح أعراض المرض ثم يعرج علي أسبابه المختلفة, حتي يصل لطرق الوقاية ثم العلاج. أو كاتب يهوي التاريخ يكتب عن موضوع تاريخي يهم القراء مما يظره للبحث والتنقيب في كتب التاريخ وبحوث الباحثين وتنقيب الآركيولجيين حتي يغطي الموضوع من جميع جوانبه. وأنا شخصبا من عشاق هذا النوع من المقالات رغم صعوبتها والوقت الطويل المطلوب في القراءة والتنقيب حتي الانتهاء من كتابة المقال, وعلي سبيل المثال المقالات الثلاث عن خروج بني إسرائيل من مصر وتيه موسي في الصحراء ووصول الجيل التالي ‘لي أرض الميعاد.
بدأت الكتابة في هذا الموضوع بعد قراءة مقال لكاتب فلسطيني أراد إثبات أن بني إسرائيل لم يدخلوا قط إلي فلسطين ولكنهم كانوا بجنوب الصحراء العربية. وحتي أحقق الموضوع بأمانة قرأت كل ما جاء بالكتب الدينية ما هو سماوي أو غير سماوي, ثم الاطلاع علي التاريخ الفرعوني المدون عن تلك الحقبة, وعلي الكتابات المسمارية لبلاد ما بين النهرين في هذا المجال, والبحوث الأركيولوجية في فلسطين والمملكة السعودية واليمن, وأخيرا أبحاث غواص مجتهد أثبت بالأدلة والبقايا تحت الماء أن العبور كان في خليج العقبة ولبس في البحر الأحمر.
أرجو أن أكون قد استطعت إلقاء بصيص من الضوء علي كتابة المقال وأنواعه ومدي معاناة الكاتب حتي يصل ‘لي لب الحقيقة ألتي يقدمها للقارئ, ربما أخذ من وقت الكاتب أيام وأيام حتي ينتهي من كتابيه مقاله وبعد ذلك الجهد المضني قد لا يعجب الموضوع السيد رئيس التحرير ويمتنع عن نشره أويقتطع منه بعض فقرات يري أنها لا تناسب توجهات صحيفته. وأرجوأن أكون قد أوضحت لكتابنا الشباب كيفية كتابة المقال.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com