لا بد أنك سمعت عن نهضة المسرح في الستينات ومن البديهي أن تفكر في أن هذه النهضة حدثت لأن جهة ما خططت لها، الواقع أنها أحدثت نفسها بنفسها بغير تخطيط مسبق وربما بغير تفكير فيها. الأمر أشبه بشخص يحفر في الأرض بحثا عن نحاس فيفاجأ بأن الأرض تعطيه عروقا من الذهب.
واقع الأمر أن ظهور اختراع جديد في الأسواق كما يقول ويل ديورانت، يتبعه على الفور تغير في أساليب الحياة ذاتها، إذ يكتسب البشر عادات وطرقا في التفكير مختلفة تماما عن ذي قبل. كان ظهور التلفزيون في مصر في بداية الستينات حدثا فريدا، ويمكن أن أقول إنه كان يمثل أعظم مصادر البهجة.
من كان يتصور أنه وهو جالس في غرفة المعيشة في بيته مرتديا بيجامته أو جلبابه، يستطيع مشاهدة مباراة كرة قدم بين الأهلي والزمالك أو فيلما أو مسلسلا لا تنتهي أحداثه إلا ليبدأ مسلسل جديد. هكذا كان التلفزيون مصدرا للبهجة بالنسبة للناس، ولكنه كان مصدرا للمتاعب الناتجة عن العمل الشاق عند القائمين على شؤونه وكانوا جميعا أو الكثرة الساحقة منهم من الموهوبين الأكفاء ذوي الخبرة الإعلامية والفنية، كان التلفزيون بالنسبة لهم وحشا جائعا للأعمال الدرامية لأنها تغذي احتياجا حقيقيا عند المواطن.
ولما كان المصدر التقليدي والطبيعي هو الدراما المسرحية، لذلك فكروا في إنشاء فرق مسرحية تورد لهم وجبات الغذاء الدرامي المطلوب، الدليل على ذلك هو أنهم قرروا في البداية أن يقدم العرض المسرحي لثلاث ليال فقط ثم يتم تصويره ويعرض على الفور، أي أن العروض لثلاث ليال كان المقصود منها أن تكون بروفات جنرال (نهائية) يتمكن فيها الممثلون من إجادة أدوارهم.
كانت هناك في مصر طوال خمسينات القرن الماضي طاقة تمثيل محتبسة، كان من الصعب للغاية أن يعثر الممثل على عمل، طبعا كانت هناك محاولات نبيلة من عدد من الممثلين لعمل فرق مسرحية لعل أهمها وأكثرها نجاحا فرقة المسرح الحر، ولكن زهرة واحدة لا تصنع ربيعا. طاقة التمثيل المعطلة والمحتبسة داخل خريجي معهد الفنون المسرحية، وغيرهم من الموهوبين الهواة، هذه الطاقة وجدت منفذا لها في ذلك المشروع الجديد، مسرح التلفزيون، رواتب مجزية وأدوار لا نهاية لها في أعمال لا حصر لها.
نجح بعض هذه العروض نجاحا هائلا فكان من المستحيل عدم الاستفادة منها على مستوى الجماهير والتعامل معها كأنها مجرد تمثيلية تلفزيونية. ظهر نجوم كبار لهم جاذبية طاغية وظهر مخرجون كما ظهر مؤلفون لم يسمع بهم أحد من قبل. يواكب ذلك كله اهتمام نظري بالمسرح فبدأت المعارك النقدية التي تعلم جيلي منها الكثير، كما بدأت حركة نشر نشطة للغاية للمسرح العالمي، كان شارع الفن والأدب في مصر يتنفس مسرحا.
على هذه الخلفية، ما زال صاحبك يتأبط مسرحياته الثلاث (حدث في عزبة الورد + الناس اللي في السما الثامنة + ولا العفاريت الزرق) ويدور بها في الأسواق حتى بعد أن استدعته لجنة القراءة وأبلغته بإعجابها به وبما يكتبه، إلى أن ألقي إليه بحبل النجاة فأمسك به بقوة.. أعلن عن مسابقة في الكتابة للمسرح الكوميدي، وتقدمت للمسابقة بمسرحية (ولا العفاريت الزرق).
نقلا عن الشرق الاوسط
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com