بقلم مفيد فوزى
تفاءل يا رجل! حاضر:
أول مرة أسمع كلمة «دوغرى»، كانت فى مطلع الستينيات تصف «فكرى أباظة» بالرجل الدوغرى. والدوغرى فى لغة عموم الناس هو المستقيم الصادق الصادم الصارم. أما فكرى أباظة نفسه فهو- لمعلومات جيل النت والتويتر- واحد من أهم أعمدة الصحافة وهو صاحب الكلمة «الطلقة» التى تنطلق فلا ترد. كان حاداً كالسيف مهاجماً كما الصقر، ولهذا استحق لقب دوغرى، والعامة فى بلدى يقولون عن الراجل الدوغرى «اللى فى قلبه على لسانه» ولا يلف ولا يدور ولا يمسك عصا من منتصفها، لذلك كان طبيعياً أن يأمر الرئيس عبدالناصر بمنعه من الكتابة، يوم كتب فكرى أباظة مقالاً فى المصور يطالب بالصلح أو التصالح مع إسرائيل! ونزل المقال كالصاعقة على رؤوس الناس. ومنذ قال فكرى أباظة إنه يرى «الصلح» عاجلاً أم آجلاً. وكان استشراف فكرى أباظة «الرجل الدوغرى» قد تحقق فى زمن السادات بمعاهدة ومواثيق دولية. وأبحث فى زماننا المرتبك عن «عقل دوغرى» يقرأ المستقبل، لكن «اللحظة الآنية» تفترسنا.
تفاءل يا رجل! حاضر:
كان عباس محمود العقاد «راجل دوغرى». هاجم السراى فى عز الصولجان. ولم «ينحنى» وكان يردد فى مجلسه التنويرى الأسبوعى «هى موتة واحدة يا مولانا». وفى مجلس آخر وصف نفسه بـ«الجسور» وشرح نفسه وكنت أحضر هذا اللقاء صامتاً طول الوقت، قال العقاد: «هذا الوطن يحتاج يا مولانا إلى (جسارة فكرية) تنقى وتقص الحشائش من كثير من طقوسنا وعاداتنا وأفكارنا والجسارة فعل لا يقبل التردد». بالمناسبة فإن كلمة «مولانا» هى لازمة فى شخصية العقاد حين يتكلم. كان العقاد فارساً لا يهادن أو يجامل وكان يطالب النقاد بألا يجاملوه ووصف الناقد المجامل فى أحد مجالسه بأنه «خائن للأدب وخائن لنفسه» وتظل قيم الجرأة والجسارة غائبة، وافتقد كثيراً من «الجسارة» فى زماننا المرتبك.
تفاءل يا رجل! حاضر:
بظهور ثورة يوليو، كان جمال عبدالناصر نفسه مباشراً كالخط المستقيم فى حياته الخاصة وفى حياته كثائر كان مختلفاً عن التوافيق والتباديل الحزبية، كان المصريون يجربون لأول مرة الحكم العسكرى، وكان أعضاء مجلس الثورة يجرب «لغته» مع الناس، غير أن تقسيم الناس إلى «الولاء» و«الكفاءة» خلق مبكراً دولة النفاق وأعطاها شرعية. فالولاء للثورة كان مفضلاً على الأكفاء، وكان يقال إن الأكفاء ينقصهم «الإخلاص» الثورى! وقد اضطر بعض أصحاب الكفاءات للتحايل وربما النفاق وصولاً إلى الرزق وظنى أن الخط «المنحنى» بدأ يظهر على استحياء ويكبر ويتجذر، أصبح طأطأة الرؤوس نهجاً وهدفاً للعيش. هناك نساء كاتبات صادمات. واحدة منهن رحلت وهى أمينة السعيد. كانت تهاجم سلوكيات الحياة المصرية بضراوة وتصفها بالجهل الميمون. وأيضاً كانت ولاتزال د. نوال السعداوى تعيش فى مدينة «لا» وقلمها «للدفع» لا يهادن فى حق. وشاع فى الحياة المصرية فكرة «الباطل الذى يرتدى ثوب الحق»، شاع «ضلال مستتر» ظهر جلياً فيما بعد. وربما خطر ببالى أن المؤسسة الدينية «المسجد والكنيسة» قد دلفا إلى دنيا السياسة وأنا مؤمن بأهمية «التربية الروحية الحق» لكنى كنت أفتقد الخط المستقيم، أى «استقامة القصد» ونبل الغاية.
تفاءل يا رجل! حاضر:
يوماً ما- للأمانة التاريخية- دعى أسامة الباز إلى حوار مجتمعى عن النفاق الذى استشرى فى المجتمع. وصار له أكثر من وصف أحدها كان «المطبلاتية» وأشهرهم وصف نزار قبانى «المداحين والكورس». وكانت قيم الطبقة الوسطى فى مصر آخذة فى الاندثار واتفقت أخلاق النفاق مع متطلباتها، ففى زمن السادات عاش رجال الأعمال زمن الانفتاح الذى تزامن مع «انغلاق» مسام الضمائر، وكانت آفة مجتمع ولما جاء زمان مبارك، دخل رجال الأعمال إلا قلة مؤمنة بربها دنيا الصفقات والأعمال بالأمر المباشر وأحياناً كان رؤساء حكومات «قباطنة بيزنس» هنا ظهر «المنحنى» فى التساهيل والتحايلات وبيع الضمائر حتى إن مانشيت الأهرام كان ذات صباح «الرئيس يأمر بوقف صفقة قرية آمون فى أسوان» وصدقنا ولكن «الواقع» كان أسرع من قرار مبارك، لذلك كانت الثورة حتمية بغض النظر عن قضية التوريث التى لم تكن فى عقل مبارك ولا تشغله مهما سمح لجمال مبارك بقطعة من كيكة السلطة وأمانة فى الحزب! لكن الكيكة كبرت وسقط النسر!
تفاءل يا رجل! حاضر:
فى زمن الإخوان كان المنحنى قد صار له «دستور» وصار للخداع «شريعة» وصارت الأخونة «فرضاً». وانحنت قامات تلحس كراسى السلطة، استحال استقامة المستقيم واستحال نبل القصد وانقسم الناس إلى نصفين «دولة مصر» و«دولة الإخوان»، وخاطبت القصيدة المصرية الإخوان «دين أبوكم اسمه إيه؟» ولم تعرف دولة مصر الخير على يد دولة الإخوان. وانضربت الكنائس المصرية بالغل والحقد والحرائق وتدنت الأخلاق وهبطت مستويات المعاملات ولم تعد القمامة مجرد سلال ملقاة فى الشوارع بالكوم بل أصبحت فى عبارات على الحوائط تشى بسفالات لم تعرفها مصر فى زمانها كأن الحكم تجربة فاشلة لواحد من الهواة أنجحوه خشية حرق مصر وأن يتعمد حرقها الآن بعد أن ظهر من بين صفوف المصريين من يقول له: قف!
تفاءل يا رجل! حاضر:
فى التقييم لثورة يناير التى كانت تسعى إلى زمن «المستقيم» ولكنها عبر الائتلافات العبثية العديدة فى غياب فكر قائد. وفى عمومية الحالة الثورية وادعاءات النشطاء السياسيين وظهور التقسيمات «اللى قطمت ضهر المجتمع» ظهرت أخلاق التدنى والانحطاط ووقف أقزام فوق أكتاف عمالقة، وقبضت جمعيات مدنية على وفائها للسيد الأمريكى مخترع الربيع العربى الكاذب ودخل البلطجية والفارون من السجون اللعبة وكأن عنوان اللوحة «الفوضى» وظهر المتلونون بألوان الطيف السبعة وتبقى من حافظوا على قناعتهم الثابتة ويدفعون الثمن بذاءات الفيس بوك. وانتشرت «الأقنعة» التى سقطت ولم تعد البطانية الأمريكانى تغطى «المتحولين» ف.. تعروا. ولاتزال الفتن «الإخوانية» تشعل نارها فى الجامعات أو بين قبائل فى أسوان يتكلمون بالرصاص والبشر هم الثمن والدم سايح على تراب الوطن. الوطن الذى لا يعرفونه وكانوا يعتزمون أن «يؤجروه مفروشاً»! إنه زمن المنحنى بكل تعاريجه وتضاريسه.
تفاءل يا رجل! حاضر:
قريبا، يقول المصريون (كلمتهم) فى رجل مستقيم فى زمن المنحنى، والمصرى بطبعه فراز وإن بدا لك متثائباً غير مبال. ورغم المطالبات الفئوية التى يصدق بعضها ويبالغ الآخرون، سيقول المصرى رأيه لأنه يحلم بزوال زمن المنحنى وعودة (الاستقامة) التى غابت و... وحشتنا.
نقلآ عن المصري اليوم
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com