كمال زاخر
على الرغم من أننا نقاوم التعاطى مع الأقباط باعتبارهم كتلة سياسية ونرفض في إصرار لا يلين اعتبارهم "آخر"، إلا أن الواقع ما زال محتشدًا بمن ـ وبما ـ يكرس عزلهم في ركن قصى من الخريطة الوطنية ويملأ الدنيا وفضاء الميديا بالكلام عن المواطنة والاندماج ومدنية الدولة، في ازدواجية فجة، تعطى للأقباط كلامًا وتعزلهم فعلًا
وهى ازدواجية تم صناعتها وتركيبها وتسويقها على امتداد أكثر من ثلاثة أرباع القرن، وربما أكثر، منذ أن بدأت إرهاصات الخروج من النفق العثمانى المملوكى، ومع لفحات صدمة التواصل المباغت مع الجانب الآخر من البحر المتوسط، مع سفن الحملة البونبارتية الفرنسية، جاء محمد على يحمل حلم اختلط فيه الذاتى بالعام لكنه لم يقو على الخروج من دولة النحل والطوائف والملل، وعندما أراد وسعى حفيده الخديو إسماعيل باشا لتحديث مصر، نقل طيف من الشكل والعمارة الأوروبية وبعض من فنونها، ما زالت شوارع وسط العاصمة في كهولتها تحمل ملامحها التي تغول عليها قبح اللحظة، لكن ثقافة الملل والنحل والطوائف ظلت محتفظة بمكانتها في الذهنية العامة بل وبالأكثر في الذهنية الحاكمة مع تعددها وتقلبها.
ولم يكن السادات منقطع الصلة بهذا ولم يكن انقلابه على القشرة الوطنية مفاجئًا لكنه كان أكثر اتساقا مع نفسه ومع المد الأصولى غير المعلن، وقد وجد في إحياء الخلايا الراديكالية النائمة دعمًا له في مواجهة قوى اليسار والناصرية الحاكمة قبله، وكان الأقباط في مقدمة وقود المرحلة، ويأتى مبارك امتدادًا تقليديًا له، بفعل قانون القصور الذاتى.
وعندما تنفجر غضبة الشباب الذي فقد حلمه وثقته في غده، في 25 يناير 2011 يجد دعمًا حاشدًا من شارع أنهكته أنظمة لم يكن الفساد وحده عنوانها بل غياب الرؤية والبصيرة الوطنية أيضًا، وتمدد الحلم الوطني أملًا في أن نتذوق معنى الدولة الوطنية القومية بما يتجاوز مجرد وحدة الأرض إلى وحدة الوجود والمشاركة الحقيقية في رسم حاضر ومستقبل وطن يترجم العدالة والمساواة بغير من أو إقصاء.
لم يدم الحلم شهرًا لنجد أنفسنا في مواجهة وصل ما انقطع، ليقفز أهل الملل والطوائف على المشهد يحتلونه، حتى إلى رئاسة الدولة، وعندما تباغتهم ثورة 30 يونيو 2013 وتقصيهم وتسترد منهم وطنًا سليبًا، لا يعدمون حيلة في محاولات العودة ويصدرون الاحتياطى التاريخى من السلفيين والخلايا النائمة.
وفى المقابل تتضافر القوى الوطنية للذود عن الدولة الوطنية القومية بدعم مستحق من جيش مصر العظيم الذي يقاوم التطويع الطائفى ببسالة وجلد، وتعلن خارطة الطريق إلى المستقبل باستحقاقات ثلاثة، الدستور والرئاسة والبرلمان
وتعبر الاستحقاق الأول ويصدر دستور توافقى يمكن أن ننطلق منه إلى بناء الدولة المنشودة، ونقترب من الاستحقاق الثانى، رئاسة الدولة، لنجد أنفسنا أمام امتحان حقيقي للمصداقية، في لحظة لم يعد يكفى معها مجرد وعود رئاسية من المرشحين، أو بيانات انتخابية تحملنا إلى آفاق أحلام لا تقوى على الصمود في مواجهة واقع مرير.
وسؤال الأقباط في هذا الامتحان إجبارى، ليس من منطلق بلائهم الحسن في اختبار المواطنة، بل من منطلق بلوتهم التي أصابتهم لاستهدافهم على هويتهم الدينية والتى انطلقت مع مجيء السادات 1972 ولم تنته بتدمير أكثر من 80 كنيسة ومنشأة خدمية مجتمعية قبطية عقب فض إجرامى نجد رابعة والنهضة أغسطس 2013، والتى تنصل من إصلاحها وترميمها كل من سبق وتعهد بذلك وغسلوا أياديهم من دمها.
هل سيلقمهم المرشحان بعضا من كلام طيب، أو وعودا برأب صدع لم يصنعوه، أو مغازلة ببعض مناصب؟. أم سيقدمان رؤية واضحة محددة المعالم وموقعة على برامج حقيقية تردهم إلى ارضية المواطنة المستحقة؟.
هل سيتم التعامل معهم انطلاقا من قيمة الكفاءة والعدالة والمساواة أم سينتظران رؤية أهل العقد والحل كما درج من سبقوهما في الجلوس على كرسى الحكم؟
إجابة سؤال الأقباط سيحدد نتيجة الامتحان، فمتى تأتينا؟
نقلآ عن البوابة نيوز
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com