محمد سلماوي
أبحث جاهداً عن منظومة القيم السائدة فى المجتمع الآن، فلا أجد نسقاً معيناً، فبعد 3 سنوات على قيام الثورة التى قلبت الموازين السياسية، فأسقطت نظامين استبداديين وفتحت الباب أمام مجتمع جديد يقوم على الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، أنظر حولى، فلا أجد إلا حكام النظام القديم، الذى لم يعد صالحاً لاستنساخه مرة أخرى بعد أن فشلت محاولة استنساخه الأولى على يد الإخوان الذين استخدموا نفس أدواته الإقصائية القمعية، وكأن الثورة لم تقم.
فحتى الآن لم ننجح فى إقامة منظومة قيم جديدة كما فعلت كل ثورة قامت فى التاريخ، بل إن الثورة لا تتحقق ولا يطلق عليها هذا الاسم إلا حين تغير قيم المجتمع القديم، وتقيم بدلاً منها قيماً جديدة أكثر تقدماً.
هذا هو ما فعلته ثورة يوليو التى مازال بعض السطحيين يتساءلون: هل كانت ثورة أم انقلاباً؟ بينما التغير الكيفى، الذى طال المجتمعات العربية كلها بعد 1952، يؤكد أنها كانت ثورة بامتياز، وعلى سبيل المثال كانت قيم المجتمع قبل 1952 تقوم على الحسب والنسب، فيقول الأب إن ابنته متزوجة من ابن فلان بيك أو فلان باشا، ثم جاءت الثورة فأقامت مجتمعاً جديداً يعلى من شأن العمل
فيقال إن فلاناً مهندس أو دبلوماسى أو أستاذ جامعى، أما فى فترة انفتاح السبعينيات، التى اتسمت بالجشع المالى الذى أوصلنا إلى فضائح الفراخ الفاسدة وتوظيف الأموال ورشاوى الشركات الأجنبية، فقد تغيرت منظومة القيم ولم يعد يهم إن كان المرء سليل العائلات الكبرى أم غير ذلك، ولم يعد بهم أيضاً إن كان سفيراً أو طبيباً، فقد أصبح الإنسان يساوى ما معه من مال، وهنا أصبح موضوع، المفاخرة أن الابنة تزوجت من مليونير، فلا يسأل أحد «هو ابن مين؟» ولا «بيشتغل إيه؟».
وإذا كنا قد أسقطنا نظام الإخوان، وكذلك النظام الذى سبقه، فأين نظامنا البديل الذى سيصنع المجتمع الجديد الذى من أجله قامت الثورة؟ إن لدينا الآن دستوراً جديداً يحدد معالم هذا المجتمع، كما أننا فى نفس الوقت على أبواب انتخابات رئاسية ونيابية ستأتى بنظام سياسى جديد، فما هى منظومة القيم التى سيأتى بها والتى عندها فقط تكون الثورة قد حققت أهدافها؟ لذلك حديث آخر.
نقلآ عن المصري اليوم
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com