هل يمكن إعادة النصب التاريخي الذي يزيد عمره عن 1500 سنة إلى شكله الأصلي؟
بالطبع لا، يؤكد الكسندر غورماتيوك، حيث أشار أنه ليس من مهمة المرمم إحياء المعالم التاريخية لتكتسب حلة جديدة وإنما الحفاظ عليها.
ترأس الكسندر غورماتيوك الحائز على شهادة الدكتوراه في علوم الفن، وهو خبير مرمم في المركز العلمي الترميمي الروسي، عملية ترميم واحدة من أقدم الكنائس المسيحية في العالم وهي الكنيسة المعلقة في حي مصر القديمة في منطقة القاهرة القبطية الأثرية الهامة.
تعتبر المعلقة المركز الروحي للأقباط ومقر إقامة البطريرك ومركز انعقاد المجالس المحلية...نصب تاريخي فريد من نوعه وبالتالي يتعرض هذا المعلم الأثري إلى ترميم شامل، وفي هذا الإطار يشير غورماتيوك قائلاً:
المقصود من الترميم الشامل أي أن الكنيسة سوف تخضع لأعمال ضمن مجموعة متنوعة من المجالات. إذ أن المعالم الأثرية، بالنسبة للأعمال الترميمية، تختلف فيما بينها من الناحية الفنية. فهناك المجال المعماري وهناك مجال يتعلق بديكور الحجر والأجسام الخشبية، كما أنه هناك فن الرسم والتخطيط على الجدران. كل ذلك له خصوصيته لدى القيام بأعمال الترميم.
بالطبع فإن المرممين يتبعون دائماً مبدأ واحد وهو لا ضرر ولا ضرار وإنما الحفاظ على القطع الأثرية! لكن المهام المحددة تختلف حلولها من معالم أثرية إلى أخرى.
إن المعلقة التي بنيت على برجين من الأبراج القديمة للحصن الروماني في الفترة ما بين القرن الرابع والقرن الخامس ميلادي باتت بحلول القرن العشرين في حالة يرثى لها.
أعلنت هيئة الآثار المصرية برئاسة زاهي حواس عن مناقصة دولية لإجراء عمليات ترميم للديكور الداخلي للكنيسة، ويتابع الكسندر حديثه قائلاً:
لقد قمنا بمجموعة متنوعة من الأعمال التحضيرية وأعددنا على أثرها التقارير ذات الصلة، علماً أن عدد من فرق الترميم من مختلف دول العالم كانت قد شاركت في هذه المناقصة وهي تمثل مدارس متنوعة في هذا المجال، ولكن الأفضلية في نهاية المطاف كانت لنا. الجدير بالذكر أننا كنا نعمل قبل ذلك في مشروع الحفاظ وترميم الأيقونات القبطية في جميع أنحاء مصر، التي بقي منها حوالي خمسة آلاف أيقونة وهذه كمية ليست بالكبيرة. فيما يتعلق بالأيقونات القديمة ما قبل القرن الثالث عشر فهي تتراوح بين 25-30 قطعة، وهناك حوالي 50 قطعة تعود إلى ما قبل القرن السابع عشر. أما الجزء الأهم من الأيقونات فهي التي تعود إلى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر علماً أن حالة الأيقونات تختلف من واحدة إلى أخرى، وضعها يتطلب ترميماً خاصاً لكن معظمها في حالة مرثية.
إن ظهور كنيسة المعلقة يعود إلى فترة المسيحية القديمة، ولكن مع تعاقب العصور في تاريخ مصر أصبح من المثير للاهتمام كيف حافظ الفن المسيحي على رونقه رغم تأثير الفن الإسلامي، ويشير غورماتيوك بهذا الصدد:
لقد حافظ المسيحيون على أمرين هامين هما: تقديس الإيقونات وتقنية تصميمها. يشار إلى أن لغة الكتابات تغيرت في الأيقونات التي ظهرت لاحقاً، فعلى سبيل المثال كانت الكتابات على الأيقونات ما قبل القرن الثامن عشر باللغة القبطية. وكانت كتابات: المسيح ومريم العذراء دائماً باللغة اليونانية، أما الكتابات الأخرى بدأت تظهر باللغة العربية في القرن الثامن عشر فقط. وقد تمكنا من فك رموز أيقونة تعود للقرن الثاني عشر كتب عليها: الشماس عبد- ومن ثم تم حذف كلمة وبعدها جاءت العبارة التالية: "في عهد البطريرك كيريل" وعليه أصبح واضحاً أن الأيقونة هذه تعود إلى الفترة ما بين الأعوام 1230-1240.
وصلت مساحة اللوحات الأثرية في كنيسة المعلقة والتي خضعت إلى ترميم من قبل الخبراء الروس إلى أكثر من 500 متر مربع.
وخلال العمل تمكن الخبراء من معرفة أن الفنانين البيزنطيين عملوا في الكنيسة في القرنين الثالث عشر والرابع عشر، وهم جنباً إلى جنب مع الفنانين القبطيين قاموا بتصميم بعض لوحات الستائر الموجودة على المذبح، وتابع الكسندر حديثه قائلاً:
من المعروف أنه في حوالي عام 1300 أغلقت الكنيسة، ولم تفتح إلا بفضل مناشدة الإمبراطور البيزنطي للخليفة آنذاك. يعتقد كثير من الناس أنه تم دعوة الفنانين البيزنطيين مع السفارة؟؟؟؟ الذين شاركوا في رسم لوحات المعبد. لقد بدت مهمة ترميم رسومات هذه الستائر الثلاثة ممتعة للغاية، أحدها على الأغلب تضرر بسبب الحريق وهو في حالة سيئة، أما الباقي تم بناؤها في فترات لاحقة وهي أيضاً تطلبت منا عملاً شاقاً. حيث اضطر الرسامون لاستخدام ليس فقط الألوان الطبيعية ولكن المصطنعة أيضاً، أي التي صنعت بطريقة كيميائية. على سبيل المثال لجأ الفنانون الأقباط في القرن الرابع عشر إلى تقنية استخدام الشمع في الطلاء، التي باتت آنذاك في غياهب النسيان لدى العالم الأوروبي، وهذه التقنية استخدمت في معظم اللوحات الموجودة في الفيوم، فهناك أيضاً استخدمت تقنية مختلطة: التمبرا والطلاء مع الشمع. ونحن شاهدنا في لوحات الكنيسة كيف أن الفنانين استخدموا التقنية المختلطة هذه، فالشمع ليست مادة طبيعية وإنما تم تحضيرها بشكل خاص، فهي تنصهر تحت درجات حرارة عالية جداً. نعم لقد تمكن الفنانون القدماء من تطوير المنتجات الطبيعية وكرسوا حياتهم من أجل ذلك، ولكي يتمكن الفنانون القيام بالعمل نفسه ينبغي العيش في تلك الحقبة.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com