عيد شم النسيم هو العيد الاجتماعى الوحيد الذى لا يرتبط بمناسبة دينية إسلامية مثل (عيد الفطر، وعيد الأضحى) أو مسيحية مثل (عيد الميلاد، وعيد القيامة). كما لا يرتبط عيد شم النسيم بمناسبة وطنية مثل (ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢، أو نصر أكتوبر ١٩٧٣، أو ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١).
وشم النسيم هو العيد الاجتماعى الذى يحتفل به كل المصريين على اختلاف أديانهم، وطوائفهم، ومذاهبهم- مسلمين ومسيحيين ويهودا- ويمكن اعتباره، بهذا المعنى، عيداً للوحدة الوطنية المصرية، فهو عيد لا يحتفل به أحد غير المصريين. فلا بقية العرب، ولا بقية المسلمين، ولا بقية الأفارقة يحتفلون مثل المصريين بيوم شم النسيم.
وفى طفولتى بقريتى (بدّين، مركز المنصورة، محافظة الدقهلية) كنا نقوم بتلوين البيض بعد سلقه ليلة شم النسيم، ونستيقظ مُبكراً، ونُسارع إلى أقرب فرع أو قناة للنهر الخالد، نهر النيل، ونقفز فيه ونحن عرايا تماماً، ثم نخرج إلى أقرب خميلة، أو حقل، ونتناول وجبة إفطار من الخُبز والبيض المسلوق، ثم نعود إلى منازلنا، ومعنا أغصان من أشجار الصفصاف، التى كانت تكثر عند شواطئ النيل وفروعه، ونُعلقها على أبواب منازلنا.
ولكن فى السنوات الأخيرة، وبعد الانتقال إلى المنصورة ثم إلى القاهرة، لم أعد أقوم بهذه الطقوس البريئة المحُببة.. ولكنى كنت حريصاً على تعويد أطفالى، ثم أحفادى، على الاحتفال بهذا العيد المصرى الفريد. فحتى ابنى الذى يعيش ويعمل فى إسبانيا، أصبح بدوره حريصاً على العودة إلى مصر، هو وزوجته (الإسبانية) وطفلاه (آدم وجبريل) لقضاء شم النسيم فى مصر، مع تعديل مكان الاحتفال من قريتى فى الدلتا إلى مُنتجع الجونة على البحر الأحمر، قُرب الغردقة.
ويُعتبر هذا المنتجع فى حد ذاته نموذجاً آخر للعبقرية المصرية. فقبل أربعين عاماً، كتبت ونشرت سلسلة من الدراسات التى دعوت فيها إلى الخروج السُكانى من الوادى الضيق إلى سواحل البحرين الأبيض والأحمر، وشبه جزيرة سيناء (أرض الفيروز)، وهى من نعمات الخالق والطبيعة على مصر. ولكنا لم نُحسن استغلالها إلى تاريخه (١٩٧٠)... وفقط بعد حرب أكتوبر ١٩٧٣، بدأ الرئيس الراحل أنور السادات يولى هذا الموضوع بعض الأهمية. وساعد على ذلك بعض القادة العسكريين، الذين شاركوا فى حرب ١٩٦٧، وحرب الاستنزاف (١٩٦٨ - ١٩٧٢)، ثم حرب أكتوبر ١٩٧٣. كما لعبت إسرائيل دوراً فى هذا الصدد بمحاولة احتلال عدد من الجُزر المصرية فى البحر الأحمر، وخليج العقبة، وخليج السويس. ولفت انتباه هؤلاء القادة إلى أن أرضاً خالية هى أرض تدعو المُحتلين والطامعين إلى شغلها.
وكان تعيين السادات عددا من هذه القيادات العسكرية، فيما بعد، كمحافظين للمحافظات الحدودية، عاملاً آخر فى سعيهم وتنافسهم فى تعمير تلك المحافظات، خاصة فى محافظتى شمال وجنوب سيناء، والمحافظة الجديدة للبحر الأحمر. وبدأنا خلال سنوات قليلة نسمع عن منتجعات جنوب سيناء. وأصبح المواطنون المصريون والسُيّاح الأجانب يسمعون عن جمال هذه المُنتجعات، بل أصبحت بلدة شرم الشيخ مقصداً للمؤتمرات، وللرياضات المائية- من التزحلق إلى الغطس.
وضمن هذه الحيوية لتعمير سواحل مصر، بادرت الأسرة العصامية لآل ساويرس فى تنمية مساحة شاسعة بين ميناءى الغردقة والعين السُخنة جنوب السويس. وقد صُممت مدينة الجونة على شكل مماثل لمدينة البُندقية فى إيطاليا من حيث الاستفادة القصوى من الخلجان الطبيعية الصغيرة التى تكونت بسبب قُربها من ساحل البحر الأحمر، وحيث لم تتكون خلجان طبيعية، فإن المهندس سميح ساويرس، بمساعدة فريق متكامل من الجيولوجيين والمعماريين، شقوا عِدة خلجان صناعية، وبالتالى بُنيت منازل المُنتجع مُتباعدة، وتطل جميعها على المياه، بحيث يبدو كل بيت كما لو كان يملك شاطئاً خاصاً.
ولأن أسعار هذه الشاليهات الخاصة فوق قُدرة العائلات متوسطة الحال، فإن معظم، إن لم يكن كل سُكان الجونة، من طبقة المُقتدرين من كبار رجال الأعمال والمهنيين.
ولحُسن حظى فإن صِهرى المهندس نبيل إبراهيم، هو أحد هؤلاء المُقتدرين الكرماء، الذى يحرص على دعوة بقية أفراد الأسرة لقضاء العطلات فى ضيافته.. وحيث تُتاح لى الفُرصة لمُقابلة أصدقائه من هذه الشريحة الاجتماعية المُقتدرة- من رجال أعمال، وأطباء ومهندسين وأساتذة جامعيين.
وعادة، نتطرق فى هذه اللقاءات الاجتماعية لكل قضايا الساعة مصرياً، وعربياً، ودولياً. فعدد ممن يترددون على الجونة فى هذه المُناسبات هم أيضاً ممن عملوا أو درسوا فى الخارج.
ومن أطرف مُناقشات شم النسيم ما أجمع عليه سبعة من رجال الأعمال، وهم يتناولون وجبة دسمة وشديدة الملوحة من الفسيخ، والسردين، والملوحة، والسلمون المُدخن، أنهم لا يستحقون الاستفادة من السلع المدعومة مثل المخبوزات، والزيوت، واللحوم، والمحروقات (البنزين والسولار والغاز والكهرباء).
أكثر من ذلك، اعترف هؤلاء بانخفاض الضرائب التى يدفعونها، وأنهم مستعدون لتأدية ضعف أو ثلاثة أمثال ما يدفعونه الآن، ولكن صعوبة ذلك أنه حتى مصلحة الضرائب لا تقبل أن يدفع أى منهم أكثر من الضرائب المُقررة عليهم، وحجة مصلحة الضرائب فى ذلك أنه لا ضريبة ولا إعفاء من ضريبة إلا بقانون. وهم يُطالبون بإلغاء الدعم عليهم، حيث لا يستحقونه، وفرض ضرائب تصاعدية على دخولهم المُرتفعة، وتستحقها الدولة ويحتاجها المجتمع. وهذه هى المرة الأولى التى أسمع فيها من مصريين ميسورين المطالبة بتأدية مزيد من الضرائب للدولة، وأعتبر ذلك من علامات الساعة، فلا حول ولا قوة إلا بالله!
نقلا عن المصري اليوم
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com