ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

«بُشرة خير»

| 2014-05-17 22:53:53

مجدى الجلاد
يحلو لى أن أرى مصر دائماً فتاة لا تشيخ.. تذبل أحياناً وتثقلها الهموم، وتحاصرها الملمات.. غير أنها تحمل «جيناً» خفياً، ينتفض فجأة، فيجدد الخلايا، وينشر النضارة بين تجاعيد الزمن.. لذا أحب مصر أكثر من نفسى.. فليس سهلاً أن أجد وطناً بهذه العبقرية..!

عبقرية مصر وشبابها وقدرتها على هزيمة الزمن لن تلمحها فى الأرض ولا فى الهرم ولا حتى فى النيل.. ستجدها فى وجوه الناس.. وإن عزَّ عليك ذلك فى زحمة الحياة.. شاهد أغنية «بُشرة خير» للفنان «المصرى» حسين الجسمى.. أقول «المصرى» لأن الجنسية هوى وقلب وروح، وليست «جواز سفر» أو هوية بصورة فوتوغرافية.. و«الجسمى» مصرى مثلى ومثلك.. ليس لأنه يغنى فى حب مصر كثيراً، وإنما لأن إحساسه وحبه لنا يسبق صوته الفاتن.. فيدخل قلوبنا قبل آذاننا..!

«بُشرة خير» ليست أغنية.. هى حالة تعكس خصوصية شعب يضحك بصفاء فى عز الأسى.. شعب عاش من المعاناة ألواناً وصنوفاً، ومع ذلك يرقص ويغنى ويطلق ضحكاته العذبة، لأنه -ببساطة شديدة- يحمل نفس «جين» وطنه.. إنسان يغضب من بلده، فيلعنه فى جلسة مسائية على المقهى، وحين تشرق الشمس، يشرق وجهه معها بأمل جديد.. مواطن يجوع، وينام فى الشارع، فتأكل الأرض لحمه وعظامه، وحين يشعر بالخطر على الأرض ذاتها يقدم لحمه وعظامه وجلده وروحه فداءً لها.. رجل ضاحك باكٍ.. يذرف الدمع من فرط الشقاء.. فيجفف دموعه بنكتة على نفسه ووطنه.. يضحك، ويتوكل على الله: «خليها على الله.. بكرة أحسن أكيد»..!

فى «بُشرة خير» وجوه بقسمات وملامح لا تنتمى للحظة الراهنة.. أناس لا يأبهون بالفقر الذى استوحش، ولا بالإرهاب الذى يحصد الأرواح.. الفقر عند المصريين رفيق عمر، فلماذا لا نصبر عليه حتى نرى الخيط الأبيض يبزغ فى السماء.. والإرهاب «صرصار».. يعرف المصريون جحوره منذ زمن.. يطل برأسه، فيدوسون الرأس والجسد و«الشنبات».. فلماذا لا نضحك.. ولماذا لا نرقص.. ولماذا لا نحلم بغد أفضل.. حتى لو تأخر.. آدينا قاعدين.. حتى لو لم يأتِ.. فقد عشنا أمس واليوم وكل يوم.. وآديها ماشية.. نغنى مع «الجسمى» ونرقص، حتى لا يتلاشى الأمل.. والأمل صناعة مصرية.. تماماً مثل الصبر، ترشه الست المصرية على الأكل.. تذوق الطبق الذى أمامك الآن، ربما تجد الملح «ناقص أو زايد».. ولكنك ستجد مقدار الصبر «مظبوط بالشعرة».. زوجتك ورثت الخلطة عن أمها.. وأنت اعتدت مذاق الطعام بـ«الصبر» منذ أرضعتك أُمك «لبن السرسوب»..!

فى «بُشرة خير» ناس طيبة.. نقية.. وأبسط من البساطة.. غير أن هذه الطيبة وذاك النقاء وتلك البساطة، تعكس فى عمقها مسئولية ثقيلة على الرئيس المقبل.. «السيسى أو حمدين».. فالمصريون الذين يضحكون ويرقصون بعبقرية نادرة، فعلوا لك ومعك -يا سيادة الرئيس- ما لم تفعله أمك التى ولدتك من «بطنها».. حب وأحببناك.. دعم ودعمناك.. إرهاب ودفعنا ثمنه.. فقر وأخذناه بالحضن.. مرض وكتبنا له عقد «تمليك» فى أجسادنا.. صبر وصبرنا حتى تعلَّم الصبر من صبرنا.. فما الذى تريده من شعب يمهد لك الأرض بأجساد وأرواح أبنائه، ومع ذلك يرقص ويغنى، وهو يختارك؟!

يا سيادة الرئيس «السيسى أو حمدين».. شاهد «بُشرة خير»، وتفرّس الوجوه المتعبة، والأجساد النحيلة، والضحكات الحالمة.. وتأكد أن من يغنون ويرقصون «اليوم»، إنما هم يحتفلون بـ«الغد».. فإن جعلت «غدهم» مثل أمسهم ويومهم.. فلن يكون لك عندهم «ثمن».. فلا أنت أقوى من «مبارك».. ولا أعنف من «مرسى».. ولا أغلى ممن يقبعون خلف القضبان الآن..!
نقلآ عن الوطن
 

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com