ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

خلط الدين بالسياسة فى انتخابات الرئاسة!

سليمان شفيق | 2014-05-29 14:42:00

سليمان شفيق
< الهلالى شبّه السيسى بـ «النبى موسى».. والشحات وبكار: اخترناه لأنه الأصلح للحكم «شرعا»
< كاهن الأقصر يخاطب المشير: «طوبى للبطن التى حملتك وللثديين اللذين أرضعاك».. وهو ما يقال عن المسيح
< الأسقف «أرميا» يوحى للجميع بأنه «مسنود» من السيسى.. وسبق أن فعلها مع جمال مبارك و«بديع» و«مرسى»

لم تختلف الخطابات الدينية (السياسية) الإسلامية والمسيحية كثيرا فى الحملة الانتخابية، وكأننا لا نواجه الإرهاب بل نواجه الإخوان؟! نفس الانحيازات وبطريقة غير مألوفة.. الدكتور على جمعة، المفتى السابق، يطالب الجميع بمساندة المشير السيسى ويبرر ذلك بأنه «الأصلح»، وقد وصفه فى مؤتمر للحملة الرسمية لدعم السيسى الأسبوع الماضى بـ «الفارس النبيل، الأنسب شرعا، اختياره أولى خطوات بناء مستقبلنا».

وسبق للدكتور سعد الهلالى، أستاذ الفقة المقارن بجامعة الأزهر، أن وصف السيسى ومحمد إبراهيم، وزير الداخلية، بأنهما رسولان من عند الله مثل موسى وهارون- عليهما السلام- قائلا: «إنه ما كان أحد يتخيل أن سنة الله تتكرر وأن يأتى أحد يقول لا إسلام إلا ما نمليه عليكم، وأضاف: «ويبعث الله رجلين كما ابتعث من قبل رسولين موسى وهارون، خرج السيسى ومحمد إبراهيم، إن هؤلاء رسل من عند الله»!
أما المهندس عبد المنعم الشحات، المتحدث الرسمى باسم «الدعوة السلفية»، فقال الأحد الماضى فى مؤتمر بكفر الشيخ: «اختارت الدعوة السلفية المشير السيسى على أسس شرعية، ووصف السيسى بأنه الأصلح شرعا».

وفى الإسكندرية.. نظم عشرات من أطفال الدعوة السلفية يوم السبت الماضى وقفة لدعم السيسى (نفس أسلوب الإخوان فى رابعة)، وقال ياسر برهامى: «السيسى الأصلح شرعا»، ورفعت لافتات تقول: «السيسى رئيسى» و«شيخنا برهامى فى القلب»، وكأننا فى إيران عشية وصول الخومينى للحكم شاهدت بأم عينى لافتات مماثلة من الأطفال فى طهران.

نادر بكار، المتحدث الرسمى باسم حزب النور السلفى، صرح لـ «رويترز» الاثنين الماضى أن «الهيئة العليا للحزب انتهت إلى تأييد السيسى رئيسا للبلاد وليس المرشح اليسارى حمدين صباحى، وأضاف لأننا رأينا أنه الأنسب شرعا»، ولاحظ «اليسارى» ودلالتها إلى جوار استخدام كل مشايخ وقيادات السلفية «للأنسب شرعا» وكأننا نختار «خليفة للمسلمين»!

وعلى الجانب الآخر خرج بعض رجال الدين المسيحى عن وقارهم المعهود، وكأنهم فقدوا القدرة على ضبط النفس، أو كما يقول الصعايدة «فلت عيارهم»، وفى تصريحات قادمة من جنوب مصر حاملة معها حرارة الصعيد القاسية وتحديدا من مدينة الأقصر الهادئة، خرج علينا أحد رجال الدين المسيحى وهو القس مينا جرجس، راعى كنيسة السيدة العذراء بإسنا جنوب الأقصر، بتصريحات مؤيدة للمشير عبد الفتاح السيسى.
لا بأس من تأييد أى مواطن لمرشح ما، لكن «أبونا» القس فى النهاية مواطن مصرى له حق الترشيح وفق قناعاته السياسية، ولكننا أمام مواطن يحمل فى نفس الوقت رتبة كنسية فى مجتمع يقتدى برجال الدين ويحذو حذوهم، كما أن «أبونا» القس يمثل مؤسسة وطنية عريقة وهى الكنيسة، والتى أعلنت موقفها بالحياد وعدم توجيه أتباعها صوب التصويت إلى مرشح بعينه، فأين الالتزام المؤسسى.

كما أن تصريحات «أبونا» القس من النوع الخارج عن المألوف وتتسم بالمزايدة والمغالاة، فقد وصف السيد المشير عبد الفتاح السيسى بأنه علامة من علامات التاريخ كالنيل والأهرامات وهبة من الله لمصر سجله التاريخ فى ذاكرة الزمن إلى مالا نهاية، ولا بأس فى تلك التوصيفات فالرجل يستحقها حيث بذل الكثير والكثير من أجل مصر منذ أن التحق بمؤسستها العسكرية، وصولا إلى دوره فى 30 يونيو، حيث إنه كان المترجم الفعلى لصوت الشعب وخلص مصر من حكم الإخوان الغاشم، ولكن القس أراد أن يستفيض فى المدح فوصف السيسى فقال أقول للسيسى: «طوبى للبطن التى حملتك وللثديين اللذين أرضعاك»، وهو ما يقال عن السيد المسيح.

ورغم اندهاشى مما قاله هذا القس، فإن الرجل معذور فمن شابه أساقفته ما ظلم، لعل الأسقف المبجل أرميا، صاحب ومدير المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى، يكاد يكون جهارا نهارا ليس من أنصار المشير السيسى فحسب بل ويفتح المركز لحملة السيسى، ويلعب دورا سياسيا يفوق أدوار رؤساء الأحزاب، ويجمع من حوله مجموعة أوهمها أنه يعد قوائم القائمة القومية الانتخابية للبرلمان القادم، ويعطى للبعض انطباعا بأنه قدم البعض من «مشتاقى» الأقباط لحملة السيسى!! وبالطبع يروج لذلك عبر مكانته الأسقفية ومركزة الموقر، وعلاقاتة «المالية» بطغمة رجال الأعمال وفضائية «مار مرقس»، وتقرب بعض الباحثين عن أدوار من الذين يجلسون فى الصفوف الأولى بالكنيسة بالأعياد، ويتقربون للمسئولين على أنهم رجال الكنيسة، ويتقربون لبعض الأساقفة على أنهم رجال السيسى، ذلك هو نيافة الأسقف المبجل أرميا الذى يوحى للجميع أنه «مسنود من السيسى»، وسبق أن أوحى بذلك مع جمال مبارك، والمجلس العسكرى السابق، ثم الجنرال أحمد شفيق ،والمرشد الارهابى محمد بديع ، والرئيس المتهم بالتخابر محمد مرسى، والآن مع الحكام الجدد، باختصار أصبح «معروف للكافة» وأنه لا يجدد فى مهاراته وأدواته، ناهيك عن أن كل تلك الذاكرة ليست سرية بل علنية وموثقة فى ظل ثورة الاتصالات.

أصوات عاقلة ورصينة:
فى مواجهة تلك الحملات غير المبررة من بعض رجال الدين الإسلامى والمسيحى، دعا الإمام الأكبر فضيلة شيخ الأزهر المواطنين للذهاب إلى الانتخابات والمشاركة واختيار من يرونه الأصلح، كذلك كان قداسة البابا تواضروس الثانى قد صرح بأن الكنيسة محايدة ولا تؤيد مرشحا بعينه، وتدعو المصريين جميعا مسلمين ومسيحيين للمشاركة واختيار الأصلح (انظر حديث البابا فى صحيفة حامل الرسالة الكاثوليكية).

كان أسقف المنيا نيافة الأنبا مكاريوس، قد أصدر بيانا الأربعاء الماضى جاء فيه: «... يروج البعض أن الرئاسة الدينية تحشد الأقباط باتجاه مرشح بعينه، ولكن الكنيسة ليس لها مرشح بذاته تدعمه وتوصى باختياره، بل وعندما يطلب منها المشورة فإنها توصى بضرورة المشاركة فقط، أى ليكن كل شخص إيجابيا يخرج يعبر عن رأيه، وذلك بعد الاطلاع على البرنامج الانتخابى لكل مرشح، وعلى أساسه يعطى صوته.

وأضاف البيان: «الكنيسة ليست وصية على الأقباط، كما أن الأقباط لا يختزلون فى القيادة الدينية، لأن هذه القيادة لا تنتهج سياسة القطيع، فقد تعلمنا من الله أن نحترم استقلال كل أحد، وألا نصادر على حرية الإنسان، إننا نحيى كل من يتقدم معلنا رغبته الصادقة فى خدمة البلاد والتضحية لأجلها، ونؤيد ونساند بشدة كل من يحب مصر، ويعمل من أجل خيرها ورفاهيتها، وأما الكنيسة ومع كامل تقديرنا لكل وعود المرشحين، فليست له أى مطالب، محلية ولا طائفية ولا وقتية، وإنما مطالبنا كأقباط هى مصرية مئة بالمئة، فإننا نحب كل من يحب مصر، وكل من يعمل من أجل مصر سيحقق قطعا العدالة والمساواة بين أبناء الوطن الواحد، نقول ذلك حتى لا يظن أحدا ما أن هناك (فاتورة قبطية) يتوجب على الفائز تسديدها، بل لقد صلينا لأجل الذين قتلونا وأصابونا ونهبوا ممتلكاتنا وأحرقوا كنائسنا وديارنا، قبل حكمهم وإقنائه وبعده. وبشكل عام فإننا نطلب من أجل الملوك والرؤساء فى صلواتنا اليومية، بل نتوسل إلى الله أن يرعى الجميع، من أصغر الرعايا إلى أعظم القادة».

كذلك صرح القمص رويس، وكيل البابا بالإسكندرية الخميس الماضى: «إنه تم إعلام جميع الآباء الكهنة بالإسكندرية بعدم توجيه الناخبين، واقتصار دور الكنيسة على التوعية والتشجيع على المشاركة فقط، كما أعلن قداسة البابا»، وشدد القمص مرقص على: «عدم استقبال أى من المرشحين أو من ينوب عنهم فى أى كنيسة، لأى سبب أو إعطاء بيانات الناخبين لأى شخص».

هكذا توحدت الخطابات الدينية السلفية من بعض رجال الدين من الطرفين رغم أن المؤسسات الدينية الرسمية أعلنت حيادها، ودعت المواطنين للمشاركة، يعود ذلك بالأساس بضعف القوى المدنية، وإذا عدنا إلى حلف ثورة 30 يونيو سنجدها إنها كانت تتكون من: (القوات المسلحة، الأزهر، الكنيسة، السلفيين «حزب النور»، حركة تمرد، البرادعى ممثلا للقوى المدنية).

والآن انسحب البرادعى وانتهى العمر الافتراضى لحركة تمرد بعد أن انقسمت بين حمدين والسيسى، بالطبع لم يبق فى المشهد من الحلف سوى القوات المسلحة والقوى والمؤسسات الدينية، ودون دواعى الحرج فإن القوات المسلحة خرج من رحمها مرشح رئاسى رغبة فى ضمان ما تراه حماية للبلاد، واصطفت القوى الدينية خلفه كونها البديل الواقعى لضعف وخيبة القوى المدنية (حتى وإن تبقى فى الساحة مرشح مدنى رئاسى لحفظ ماء الوجه إمام العالم ويشكر على ذلك).

هذا التحليل يبتغى الموضوعية ويحترم ويقدر كلا المرشحين، وجميع رجال الدين رغم اختلافنا على تديين الحملة الانتخابية لأن الإرهاب لا يكافح فقط بشكل أمنى بل الإرهاب يبدأ فكرا وخلط الخطاب الدينى بالسياسى يعنى إعطاء الإرهاب «قبلة الحياة» وعلى الإمام الأكبر فضيلة شيخ الأزهر أن ينتبه لذلك قبل فوات الأوان، ويا قداسة البابا تواضروس، لم يعد الصمت ممكنا، بعض أساقفتك وكهنتك بوعى أو دون وعى صاروا «المعادل الموضوعى للسلفيين» والمبرر لوجودهم، ربنا معاك ويحفظ حياتك، ويبدد مشورتهم.

 

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com