ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

ثقوبٌ في ثوب مصر

عزمي إبراهيم | 2014-06-28 11:59:31

بقلم: مهندس عزمي إبراهيم
من روائع إحسان عبد القدوس رواية "ثقوبٌ في الثوبِ الأسود" وهي رواية تحليلية نفسية واجتماعية تناول فيها إحسان عبد القدوس قضية "الماتيس". و"الماتيس" هو من يولد لأب أبيض وأم زنجية. حيث يعيش الماتيس منبوذاً أو على الأقل متأزماً في المجتمع الأفريقي متأرجحاً بين الفصيلين: الأبيض (فرنسي وعربي مهاجر) والأسود (الأفريقي الزنجي صاحب الأرض). وبإيجاز شديد، عانى بطل الرواية "الماتيس" من ضغوط نفسية اجتماعية شديدة حيثما حلَّ، سواء في الوسط الأبيض أو الوسط الأسود حتى أصيب بمرض شاع بين جيله أسماه الأطباء بـ (عقدة الماتيس). وهي عقدة الضياع بين عالمين متناقضين. قصة ممتعة تأخذ بلب القاريء بما فيها من مصاعب وتناقض. وكعادة إحسان في كتبه ورواياته يحتضن السلاسة والسهولة في أسلوب ممتع.

أدرجت تلك المقدمة الموجزة عن رواية إحسان ليس فقط لمحتواها ومغزاها الرائعين، بل لإعجابي باختيار إحسان لعنوانها "ثقوب في الثوب الأسود". قصد إحسان في روايته بـ "الثقوب" بِيض البشرة المستعمرين المهاجرين فرنسيين وعرب المستوطنين لأفريقيا من جهة، وبـ "الثوب الأسود" القارة الإفريقية ومواطنيها الزنوج أصحاب الأرض الأصليين من جهة أخرى، طارحاً للقراء بمقدرة فائقة ما بينهما من تناقضات طبيعية وطبائع وأمراض نفسية واجتماعية.

وبما أني في مقالي هذا أتحدث عن أخطاء جسيمة في السياسة المصرية، فيحلو لي أن اسميها "ثقوبٍ أو خروق أو شقوق أو خروم أو عيوبٍ أو بقَعٍ أو لُطَعٍ في الثوب المصري". وقد أجريت عدة محاولات لمطابقة عنوان رواية إحسان عبد القدوس في اختياري لعنوان المقال. وأخيراً اخترت العنوان المباشر وهو "ثقوب في ثوب مصر" وأقصد بثوب مصر حدودها التي تغلف كيانها، أي حدودها الجغرافية وحدودها الايديولوجية.
***
بذلت جهداً ووقتاً أسبح في العديد من الكتب والمراجع والمواقع والمكتبات والخرائط الجغرافية والتاريخية باحثاً في أوضاع وتواريخ العديد من الدول، منها الدول الكبيرة الشاسعة الذي تكاد تشغل قارة كاملة، ومنها الصغيرة الضئيلة التي لا يصل حجمها إلى حجم محافظة أو ولاية صغيرة. وكان بحثي مُرَكَّزاً عن دولة تترك حدودها الجغرافية أي "الأمنية" وحدودها السياسية أي "الأيديلوجية" أو كليهما مفتوحة على مصراعيها "سداح مداح" كما يقال بالعامية لكل من هَبّ ودَبّ من جيرانها أو أصدقائها أو حلفائها، مهما شاركتهم في اللغة أو الدين أو العرق أو الأيديولوجيات الفكرية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والدينية، ومهما ارتبطت معهم بصداقة وتعاطف اجتماعي أو بتحالف دفاعي وتعاهد حربي، ألخ... فلم أجد إلا مصر!!
نعم، تركت مصر "حدودها الجغرافية والسياسية" أي "حدودها الأمنية والايدولوجية" مفتوحة على مصراعيها "سداح مداح" لكل من هَبّ ودَبّ من جيرانها أو أصدقائها بل وأعدائها.. ولا تجَنّي أو مبالغة في ذلك!! و"سداح مداح" تعبير عامي يوصف به حالة العشوائية والفوضى والانفلات، وعدم الانضباط والتدبير، وعدم وجود قواعد منظمة لأمر ما، مثل انتشار الفتاوى الدينية على المنابر وفى القنوات الفضائية في عهد حسني مبارك ومحمد مرسي حتى صارت الفتاوى سداح مداح بضاعة وتجارة لكل عالم وغير عالم.
***

أولا: الحدود الجغرافية الأمنية:
لم أجد دولة واحدة كمصر، تحت حكم حسني مبارك وحكم محمد مرسي، وصل بها (الهبل والغباء) أن تفتح حدودها الشرقية في سيناء على الغارب لجيرانها، أصدقاء وأعداء، فوق سطح الأرض بمداخل ودروب، وتحت سطح الأرض بأنفاق وصل عددها المئات. ساهمت تلك "الخروق الحدودية" في السرقة والتهريب والاتجار الغير مشروع من بضاعة وأسلحة وسيارات إلى أعضاء بشرية، بل بآدميين قُصَّر وقاصرات مخطوفين ومخطوفات للاتجار بهم وبهن للأخوة حكام وأغنياء وحتى فقراء العربان بالسعودية ودول الخليج. كما استخدمت تلك الأنفاق في تسريب المجرمين المحكوم عليهم والمسجلين خطر من السجون المصرية وإستعادة المنفيين والهاربين في الخرج من أحكام قضائية مصرية، واستيراد ارهابيين من حماس والقاعدة والجمعيات الإسلامية والمتأسلمة إلى مصر "المفتوحة". هذه (الخروق) كانت إحدى العوامل التي ساهمت في استنزاف اقتصاد مصر، إلى جانب الإضرار الجسيم بالشعب المصري بحجة أنها تنفيساً لأخوتنا بغزة المحاصرة.
ولم يكتف مرسي بذلك، فقام بتصدير مواد تموينية وأساسية مما كان أبناء مصر في أشد الحاجة إليها. من يبرر ذلك بأنها كانت لمساعدة الشقيقة "غزة" فهو أهبل، لأنك لا تساعد جارك على حساب أبنائك أو أهل بيتك. وهنا أدرج بعض المثل المصري "إن كان البيت يعوز الزيت حُرُم ع الجامع" وأيضاً " سابت ابنها يبكي وراحت تسَكِّت ابن الجيران".
كما تغاضت مصر أيضاً في نفس الوقت عن حماية حدودها الغربية بينها وبين ليبيا والجنوبية بينها وبين السودان فتسرب لمصر أفراد الجماعات الإرهابية من كل صوب بالعالم.

ثانياُ: الحدود السياسية الايديولوجية:
ارتكبت مصر أكبر خطأ في تاريخها الحديث، وبالتحديد بدءاً من حكم أنور السادات تدريجياً، متزايداً في حكم مبارك، ومتفاقماً في حكم مرسي. فعلى مدار 40 عاماً تقريباً تهاونت في حماية حدودها "جغرافياً و"ايديولوجياً". حيث فتحت أحضانها: أي مطاراتها وموانيها وميادينها وشوارعها وإعلامها وقضاءها ومؤسساتها وجامعاتها ونقاباتها ومدارسها ومساجدها ومنابرها بل وأزهرها لمن لا يؤمن بالهوية المصرية ولا بوحدة مصر واستقرارها ولا يقدر تاريخها العميق الذي يفخر به العالم أجمع. فتحت مصر أحضانها للإرهابيين "المتأسلمين" الأخوان الساعين للسلطة والتسلط والوهابيين السلفيين الخوارج على الطبيعة المصرية البسيطة، بل وعلى إسلام مصر الممثل في الأزهر المعتدل أو الذي كان معتدلا إلى أن تدخل التطرف في نخاشيشه وكواليسه وحناياه وثناياه.

واليوم، مصر في عهدها الجديد، تحت دستورها الجديد، وتحت رئاسة البطل الشهم، الرئيس عبد الفتاح السيسي، ما زالت مصر تتهاون في حماية حدودها ً "ايديولوجياً" و"سياسياً". فما زال للآخوان خلايا نائمة في كل مجال في مصر، وما زالت أذنابهم تبدو من جحورهم، كما أن الوهابيون ما زالو يرتعون تحت عباءة تقية غير خافية بإسم حزب النور!!

مصر اليوم تحتضن حزب النور، الحزب الديني، الذراع السياسي للسلفية الوهابية التي تحاول بمبادئها المتخلفة وشرائعها المتعسفة أن تبذر في مصر المدنية الجديدة  سلفيتها المتخلفة وشرائعها المتعسفة فتعرقل تقدمها المأمول. بينما حكومة مصر تقف جامدة تجاه تلك الأخطار الجذرية ربما مجاملة لعاهل المملكة العربية السعودية!!. حزب النور ثعبان خطير يلبس عباءة التقية متظاهراً باعتداله وليس به اعتدال، متظاهراً بالمدنية وليس بمدني، بل حزب النور ووهابيته أخطر من الأخوان المسلمين بمراحل.

كيف تنسى مصر أنهم من أعلنوا نواياهم جهراً بهدم الأهرام وأبو الهول وباقي آثار حضارة مصر العظيمة ومعالم عراقتها، وقتل السياحة والسياح أهم دعائم الاقتصاد المصري ومصدر أرزاق ملايين المصريين، وتحريم وتجريم الفن الرفيع والإبداع الفكري بكافة صوره.

كيف تنسى مصر أنهم من رفعوا أعلام القاعدة الارهابية على أرض مصر، ومن هتفوا باسم السعودية العربية ورفعوا أعلامها، دولة أجنبية، في صعيد مصر وفي أهم ميادين عاصمتها، ومن رفضوا القيام لتحية العلم المصري ورفضوا احترام النشيد القومي المصري، بينما وصل نفاقهم وتقيتهم أن يقفوا لتحية العلم الأمريكي وللسلام الوطني الأمريكي بالسفارة الأمريكية!!

كيف تنسى مصر أنهم من أقاموا من أنفسهم، او بالأصح من أذنابهم ومأجوريهم،  قضاة وشرطة على المصريين الأبرياء وعاثوا فساداً في شوارع مصر بشعار "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، بينما هم منغمسون في مستنقع المنكر وأبعد ما يمكن عن فضيلة المعروف. حيث قتلوا المصريين الأبرياء وهددوا نساء مصر بإلقاء (مية النار) على وجوه غير المحجبات وغير المنقبات. وحيث قامت نسائهم المنقبات بقص شعر طفلة 13 سنة في مترو الأنفاق ثم غادرت عربة المترو تاركة الفتاة البريئة لبؤسها!!

كيف تنسى مصر أنهم، باعترافهم على صفحاتهم ومنابرهم، لن يعطوا أصواتهم إلا لرئيس ديني، واليوم يعلنون كاذبين أن حزبهم حزب مدني!!

كيف تنسى مصر أنهم يكفرون المصريين المسيحيين ويتعمدوا إهانتهم والتطاول عليهم وعلي عقيدتهم وإزدراء ديانتهم ومقدساتهم جهاراً وبلا حياء، وأنهم قاموا بحرق الكنائس ومنعوا أعادة بنائها ووقفوا ضد ترميمها وأنزلوا الصلبان من على قبابها في صعيد مصر.

كيف تنسى مصر أنهم من نادوا بتحريم وتجريم تهنئة المصريين المسيحيين في أعيادهم وأفراحهم وعدم تعزيتهم في موتاهم. وكيف تنسى مصر قول أبرز قادتهم بمصر الشيخ المتطرف برهامي أن عيد القيامة المسيحي هو أكثر الأعياد كفراً، وقوله أنه يبغض المسيحيين في الله، وأنه يلزمهم بدفع الجزية لأجل أن يتركوا لكفرهم!!
والغريب العجيب الذي يكشف أن هؤلاء لا حياء ولا ضمير ولا ذمة لهم، ولا ثقة فيهم، فهم تحت خيمة النفاق والرياء وعباءة التقية يحاولون اليوم ضم أقباط لعضوية حزبهم لإيهام المصريين وحكومة المصريين أنه حزب مدني لا ديني، متلاعبين بدستور مصر، وقوانين مصر، وذكاء المصريين!!!.

***
الخلاصــة:
1. إن وجود حزب النور ضمن أحزاب مصر يعد خرقاً للدستور المصرى الصادر فى 18 يناير 2014 والذى يحظر قيام احزاب سياسية على أساس دينى أو قيام أى نشاط سياسى على أساس دينى أو طائفى.

2. كما أن الحزب يعد خرقاً لقانون الاحزاب الصادر عام 1977 المعدل بالقانون رقم 12 لسنة 2011 والذى يحظر قيام أى حزب أو استمرار نشاطة إذا كان يقوم على أساس دينى أو على أساس التفرقة بين المواطنين بسبب الدين أو الجنس.

3. كما أن حزب النور السلفي الوهابي المتشدد، يعد خرقاً لإيداع ثقة المصريين به وبالقائمين عليه. فرغم محاولة القائمين به أن يدعوه حزباً مدنياً متلفعين بمبدأ "التقيـَّـة"، فالحزب بلا شك يقوم على قواعد بالية أهمها التطرف الديني والتخلف الحضاري واحتقار المرأة.

فعلاوة على أن السماح بوجود حزب النور ضمن أحزاب مصر خطر وطني جوهري حيث يمثل مخالفة لدستور مصر ولقانون مصر، فهو خطر وطني يهدد النسيج المدني التعددي بمصر. كما يمثل خطراً جسيماً على التناغم والتجانس بين مواطني مصر ويتناقض مع الطبيعة المصرية البسيطة السمحاء. وهو يمثل الوهابية البدوية الصحراوية الشمطاء، فكل مبادئهم وتصرفاتهم تدل على أنهم قطيع وصُوليّ منافق متلون متخلف متشدد إرهابي ومنفصل فكرياً عن العقل الجمعي لبقية المصريين، ولا يضمر خيراً لمصر.

السماح بوجود حزب النور بين أحزاب مصر يمثل خطراً جسيما حيث يسمح لهم بالوصول إلى الكراسي النيابية عن طريق السَّيْف والزَّيْف والزَّيْت والسُّكَّر. عندئذ يمكن لهم دَسَّ مبادئهم التي تسمم مسرى القوانين الحرة المدنية العادلة في المجالس النيابية والتشريعية والقضائية. هو ثقب كبير وخطير في حدود مصر السياسية والايديولوجية.
تذكري يا مصر أن قوة المتأسلمين الإرهابيين القتلة والفوضويين أتت وتأتي من ضعف الحكومات. وداعش الإرهابية المغتصبة لأرض الشام والعراق أمام أعينكم دليل قائم.

فكما قامت حكومة السيسي بردم الأنفاق لسلامة الحدود الجغرافية والأمنية، يجب تنقية النهر السياسي من تلك السموم بحل حزب النور فورا لسلامة الحدود السياسية والايديولوجية. وإلا ستقع مصر في براثن من هم أسوأ وأشد خطراً من الأخوان المسلمين وقد عشنا سوءَهم وخطورتهم.

 

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com