علي سالم
اسمح لي أن أقضي معك في عصرك لحظات قبل أن أعود إلى مقر عملي في شركة الأتوبيس في دمياط سنة 1950. ما حدث هو أنني فقدت جزءًا من جسمي، كانت هناك سنا غير مستقرة في فكي السفلي، كانت مخلّعة ومخلخلة وسائبة، وبالأمس وأنا أتناول طعام الإفطار
وجدتني أحاول مضغ شيء صلب، آه.. إنها سنتي وقد انخلعت أو خلعت نفسها.. أخيرا. ترى ما هو شكل فمي الآن؟ فتحة خلفها كهف مظلم، وهو ما يجعلني أحرص على إبقاء فمي مغلقا معظم الوقت. حكام في المنطقة فشلوا في إرغامي على إغلاق فمي، ولكن هذه السن غير المسؤولة نجحت في ذلك.
والآن ماذا أفعل بهذه السن؟ وجاءت صور من الطفولة سريعة متدفقة، عندما تنخلع السن، فاخرج إلى الخلاء واقذف بها في وجه الشمس وأنت تصيح: يا شمس يا شموسة.. خدي سنة الجاموسة وهاتي سنة العروسة.
فكرت في القيام بهذا الطقس القديم، وعندما تذكرت سني، امتنعت على الفور، فقد يكون مزاج الشمس عكرا هذا الصباح وتصيح فيّ غاضبة: عروسة إيه يا راجل يا شايب يا عايب يا عجوز؟ انتم مش ناويين تسيبوا حاجة للشبان؟ مش عاجباك الجاموسة.. احمد ربنا.
عدت أتأمل السن المخلوعة، كانت قبيحة كئيبة بشعة، يا إلهي.. هل تحولت إلى جاموسة دون أن أدري؟ ربنا يستر فقد حدث ذلك لكثيرين. يبدو أن وقوفي معك في هذا العصر سيستغرق أكثر من لحظات، الشمس في الديانات الفرعونية القديمة كانت هي تلك التي اختارها إخناتون رمزا للإله الواحد محدثا بذلك ثورة ضد الإله آمون وكهنته الذين قاموا بثورتهم المضادة وقضوا على نظامه. لقد اختار الشمس ليس بوصفها الإله آتون.. بل هي تلك القوى العظمى والنيران التي يقف خلفها الإله آتون (كلمة آتون في الفرعونية هي بذاتها وبنفس المعنى في اللغة العربية
هل تذكر التعبير الشهير.. أتون مستعر؟).
ولكن لماذا يعرض الطفل جزءا من جسمه على الإله القديم في عصور تعدد الآلهة؟ طالبا في الوقت نفسه جزءا أفضل؟ الواقع أن هذا الطقس ظل يمارس لآلاف السنين، هو يقول للإله القديم، سأترك لك قطعة مني لكي ترضى عني، هكذا نفهم فهما أعمق عملية الختان.
ويمضي شارع الحضارة صاعدا بنا من إنجاز لإنجاز، لا بد أن تدفع من جسمك أو من مالك لكي تظل على وفاق مع أهلك أو مجتمعك أو دولتك، وفي وظائف معينة أنت لست تدفع من جسمك أو من مالك فقط، بل تدفع حياتك نفسها دفاعا عن أهلك وبلدك. هذا هو ما يجب أن نعرفه ونعترف به. نحن جميعا مدينون بحياتنا لهؤلاء الذين ماتوا دفاعا عنا في الحرب ضد الإرهاب.
ياه.. لقد أضعت الوقت معك في هذا العصر، لا بد أن أعود فورا إلى مكاني ومقر عملي.. تاكس.. من فضلك.. عاوزك تاخدني بسرعة لدمياط سنة 1950.
- اتفضل اركب.. أنا باشتغل هناك بعد الضهر.. يعني الصبح آجي أشتغل سنة 2014 في القاهرة وآخر النهار أطلع على سنة 1950 في دمياط.. التنقل بين العصور يوميا، حايموتني.. أعمل إيه..؟ أكل العيش مر.
نقلآ عن الشرق الأوسط
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com