بقلم د. مراد وهبة
فى كلمته للأمة بمناسبة ذكرى ثورة يوليو تساءل الرئيس عبدالفتاح السيسى قائلا: «بعد مرور ٣٠ و٤٠ سنة من إدارة أمر ما بشكل معين دون تحقيق تقدم ألا يجب مراجعة الطريقة التى يُدار بها هذا الموضوع وتعديله».
وأنا بدورى أتساءل: ما مغزى هذه العبارات؟ أظن أن مغزاها يكمن فى أن ثمة أزمة فى أسلوب التفكير. وإذا كانت الأزمة تنطوى على تناقض فما التناقض الكامن فى تلك العبارات؟ أو فى صياغة أوضح: ما هو التناقض الكامن فى غزة؟ أجيب عن هذا السؤال بمسار تاريخى.
كان عام ١٩٤٨ هو بداية المسار، وقد تميز بهزيمة ساحقة للجيوش العربية من قِبل إسرائيل. ويومها سألت ضابطاً مصرياً برتبة عميد: لماذا انهزمنا؟ أجاب بأنه لو كان لدينا عشرون دبابة لانتصرنا. ولكن إحسان عبدالقدوس قال بأن الأسلحة الفاسدة هى سبب الهزيمة. الجواب الأول يكشف عن «جهل» بحقيقة المعركة، والقول الثانى يكشف عن «فساد» فى نسق القيم. وسواء كان هذا أو ذاك فإن المغزى واحد وهو أن الهزيمة «حالة ذهنية متخلفة».
والسؤال إذن:
ما سبب هذه الحالة الذهنية المتخلفة؟
استعنت فى الجواب عن هذا السؤال بكتاب لأبو مازن عنوانه «عبر قنوات سرية» (١٩٩٥) يحكى فيه قصة المفارقات، أى التناقضات فى الصراع الفلسطينى الإسرائيلى. والذى دفعه إلى ذلك ما حدث فى ١٢ سبتمبر ١٩٩٣. ففى ذلك اليوم غادر تونس مع وفد فلسطينى إلى واشنطن. وأثناء الرحلة انفرد أبو مازن بنفسه وراح يراجع ما أُنجز بعد ثلاثين عاما من النضال ونصف قرن من الغربة فى المنفى. وراح يتساءل: هل هذه الرحلة تعنى العودة إلى الوطن؟ أم هى تعنى الاستسلام لاجتزاء أغلب أرض الوطن. لماذا أنا رئيس وفد ذاهب لكى يوقع اتفاقاً قد لا يهديه وطناً؟ هل ما نحن مقدمون عليه من توقيع اتفاق يفتح باباً للمستقبل أم يغلقه؟
كان حملاً ثقيلاً ومسؤولية جسيمة. كيف سيكون رد فعل شعبنا فى الوطن وفى الشتات؟ مَنْ الذى سيؤيدنا ومَنْ الذى سيعارضنا؟ وماذا سيقول التاريخ عنا؟ هل فى إمكاننا نسيان الدماء التى غذت أرض الوطن؟ هل فى إمكاننا ونحن أمام إنجاز تاريخى نسيان الشهداء الذين أسهموا فى أن يكون هذا الإنجاز ممكناً؟
هذا جزء من الصفحة الأولى من كتاب أبو مازن سردته لكى يكون القارئ على وعى بتوتر الزعيم مع شعبه إلى حد القلق من ضياع الأمل وإلى حد الرعب من خيانة الشهداء. وإلى هذا الحد يكون هذا السرد قد أدى مهمته فى الكشف عما يبطنه الزعيم.
والسؤال بعد ذلك:
ماذا تذكر أبو مازن وهو يسرد الحكاية؟
تذكر أربع ثورات وخمسة حروب من غير راحة للمحاربين، إذ هم حاربوا من أجل أمل كان فى البداية يبدو وكأنه سراب، ولكن دون أن يصيبهم اليأس.
والسؤال إذن: كيف كانت بداية هذه الثورات وهذه الحروب؟
فى عام ١٩٤٨ احتلت إسرائيل جزءًا من فلسطين وشردت جزءا من الشعب الفلسطينى. وفى عام ١٩٦٧ احتلت ما تبقى وهجرت جزءًا آخر وأصبح الشعب الفلسطينى بعد ذلك إما فى حالة هجرة أو فى حالة احتلال. كما احتلت إسرائيل جزءا من هضبة الجولان ومعها كل سيناء. والمفارقة هنا أن ما يعلمه الفلسطينيون عن إسرائيل أنها قوية ومهيمنة. وما عدا ذلك فالظلام يخيم على عقولهم، إذ لم يعرفوا سبيلاً إلى مواجهتها سوى بشعار «اعرف عدوك». وكان هذا الشعار شائعاً ولكنه لم يكن موضع نقد وتحليل.
نقلآ عن المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com