بقلم : ماجد سمير
صرخت الموظفة في المواطن أثناء قيامها بتصويره لإصدار بطاقة الرقم القومي " بلاش تضحك يا استاذ دي صورة رسمية .. حضرتك مش طالع رحلة للقناطر"، سحب المواطن الابتسامة فورا، فاستغلت الموظفة التكشيرة الواضحة على معالم وجهه وبسرعة شديدة جدا التقطت صورة البطاقة في نفس اللحظة التي بدأ يحرك شفتاه ليسألها عن سبب عدم الابتسام في صورة رسمية مع بعض"الحولان في عنيه"– دون أن يحرك وجهه- كرد فعل طبيعي لفتح موظف آخر باب الغرفة و دخول نسمة هواء"نكشت" خصلة من شعره الطويل.
اعترض المواطن بشدة على أن تكون صورة بطاقته غير ملائمة متخيلا شكله الذي سيثير السخرية، رفضت الموظفة وزميلها اعتراضة وصرخت فيه مرة أخرى قائلة: "اتفضل يا أستاذ مش فاضيين ورانا مواطنين غيرك".
خرج المواطن حامدا ربه شاكرا فضله على تمكنه من انجاز المهمة التي ناضل من أجل الوصول اليها نحو ستين يوما ؛ كل مرة يصل فيها للشباك بعد انتظار طويل استمر لساعات طوال"النور يقطع" قبل لحظة التصوير التاريخية الفاصلة الحاسمة، وابتسم لأنه أوفر حظا من الكثيرين الذين عانوا سنوات من أجل اصلاح بعض الأخطاء المميتة في بياناتهم أولهم زوجته "مرثا" التي أصر موظف تسجيل المواليد أن الكتابة الصحيحة لاسمها "مرسى" بحرفي "السين والألف اللينة" ويومها أعطى – الموظف- لوالدها درسا في قواعد كتابة اللغة العربية مشددا على أنه تربية موجه عتيد وفحل من فحول لغة "الـ ض"، ولم تنتهى المشكلة عند هذا الحد لأن شيخ الحارة قرر أن يضع ابداعه الخاص فسجل اسم زوجته "مرسي" بحرف الياء فتحول اسمها لإسم رجل بالغ راشد، والنكتة التي تجعله يسخر من زوجته حتى الآن أن كتابة اسمها الخاطئة تسببت في طلبها للتجنيد.
ظل المواطن يفكر في طريق عودتد لمنزله غير البعيد عن مصلحة الأحوال المدنية بالعمرانية الشرقية بالجيزة في أسباب اصرار الموظفة على عدم الابتسام وكأنها تنفذ خطة فرض التكشيرة التي ستصبح شعارا لشعب ظل على مدار تاريخه المديد يبتسم ويضحك ويسخر من كل شىء حتى من نفسه
ربما الموظفة نفسها خضعت "لكورسات" مكثفة لنشر ثقافة الكآبة وعدم الضحك وكذا تغيير ثقافتها الأساسية ففقدت قدرتها على الضحك وقبوله وكذا الاضحاك، صناع البهجة أحيانا يصابوا بالاكئتاب فما بالك اذا تعرضت امة كاملة للمنع من الضحك بل وتجريمه وقد يصل الأمر إلى تحريمه.
في الطريق مر أمام مقهى المعاشات كما يطلق عليه شباب المنطقة لاحظ أن والده وأصدقائه توفقوا عن الضحك على غير عاداتهم، صامتون منهم يقرأ الجريدة ومنهم من يلعب الطاولة بشكل آلي وآخر يتأمل لاشىء، تذكر زوجته التي تبدلت ابتسامتها الملائكية بعصبية مستمرة وشيل الهموم التي لاتنتهي، نجحت ثقافة الكآبة في غزو الشعب الساخر من كل شىء، واحتلت التكشيرة الصدارة ضياع الضحك كسمة رئيسية للشعب لا يعني سوى أن وطنا قد فُقد في ظروف غامضة ونحن نعيش في مجرد "بدل فاقد"
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com