ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

تجديد الفكر الدينى (٣)

د. رفعت السعيد | 2014-08-17 07:38:45

بقلم- د. رفعت السعيد
وعندما دخل محمد رشيد رضا المعركة متنكراً لكل تراث أستاذه محمد عبده، متبنياً أشد المواقف والأفكار السلفية تطرفاً ازدادت حدة الكلمات واستخدمت فيها ألفاظ لم تكن واردة فى الكتابات الصحفية. فرشيد رضا يصف عباس العقاد بأنه كاتب «مراحيضى» ويصف سلامة موسى بأنه نصرانى كافر وبلشفى عميل، ويكيل له سلامة موسى الصاع صاعين متهماً إياه بأنه عميل للأمن، متسائلاً من أين لك هذه الثروة؟ ولعل تردى أدوات الحوار كان أحد أسباب تسحّب الكثيرين من المعركة. لكننا نخطئ كثيراً إذا تصورنا أن الأمر كان مجرد شتائم

بل كانت المعركة جادة وتداولت وأرست قواعد فهم راق لتجديد الفكر الدينى. فمحمد عبده خاض معركته على مستويين الأول الدفاع عن الإسلام ذاته ضد هجمات من أمثال كرومر وهاناتو ورينان، وثانيهما محاولة إنقاذ الإسلام من فكر التطرف والجمود والخرافة. فكرومر عندما كتب «إن الإسلام إذا لم يكن ميتاً فإنه فى طريقه إلى الاحتضار اجتماعياً وسياسياً

وتدهوره المتواصل لا يمكن إيقافه عبر إصلاحات تحديثية لأن التدهور كامن فى جوهره الاجتماعى، فالنظرة للمرأة متخلفة وهناك تغاض عن الرق وجمود الشرع وقطعية النص» (Modrn Egypt P.١٣٤ٍ) ويدافع محمد عبده بعبارات تصيب الهدفين معاً «فالإسلام برىء من الجمود والنصوص قابلة للتأويل»، ويقول «لكل مسلم أن يفهم عن الله من كتاب الله وعن رسوله بدون توسط من أحد لا من سلف ولا من خلف»، ويقول «إذا تعارض النص مع العقل أخذنا بما دل عليه العقل» (الأعمال الكاملة – جـ٣ – صـ٥٨٢)

وعندما أصبح مفتياً للديار المصرية قدم فتاوى تقتاد مصر فى سبيل تجديد حقيقى وبناء دولة حديثة، فأفتى بأن الملبس هو مجرد أداة وزينة تختلف بحسب المقتضيات، وأفتى بصحة التعاملات المصرفية والفائدة وبجواز التأمين على الحياة والأموال، وبإقامة التماثيل والتصوير الفوتوغرافى وأكل ذبائح أهل الكتاب وحقوق المرأة فى التعليم ورفض تعدد الزوجات إلا لعلة.

أما الشيخ على عبدالرازق فقد هدم بكتابة الرائع «الإسلام وأصول الحكم» جوهر فكرة الخلافة، وأكد أنه «إذا كان فى الحياة الدنيا شىء يدفع المرء إلى الاستبداد والظلم ويسهل عليه العدوان والبغى فذلك هو مقام الخلافة»، ويقول «ليس من حاجة إلى تلك الخلافة لأمور ديننا أو لأمور دنيانا، ولو شئنا لقلنا أكثر من ذلك، فإنما كانت الخلافة ولا تزال نكبة على الإسلام والمسلمين وينبوع شر وفساد».

ونتوقف أمام ملاحظة هامة. هذا الكتاب التجديدى الرائع والذى أسهم فى تدمير حلم الملك فؤاد فى الخلافة أيده بحماس قادة حزب الأحرار الدستوريين [حزب كبار الملاك] وعارضه سعد زغلول الذى كتب «قرأت كثيراً للمستشرقين ولسواهم فما وجدت من طعن فى الإسلام مثل على عبدالرازق، وقد عرفت أنه جاهل بأبسط قواعد دينه». وبرغم هجوم هيئة كبار العلماء وسعد زغلول ظل كتاب على عبدالرازق علامة شامخة مزقت وهم الخلافة. ثم كانت كتابات عاصفة من مفكرين غير أزهريين

فيكتب إسماعيل مظهر «أن عصوراً بأكملها قتلت فيها العقول لأن أصحاب المصالح السياسية أوهموا المسلمين بأن أوهامهم وخرافاتهم ومصالحهم جزء من العقيدة»، ثم يؤكد «الحاضر قائدنا وهادينا وما الماضى إلا صفحة طويت وفيها كثير من الخرافة والأوهام». كما أبدع المفكرون المحدثون مثل العقاد ومحمد حسين هيكل وأحمد أمين عشرات من الكتب جمعت بين فهم صحيح الإسلام وبين العقل وتحريره من الوهم والخرافة، ومن الخضوع لسلطان رجال الدين الذين يرفضون التجديد والاستفادة من المعارف الغربية. هكذا كانت دعوة التجديد عبر القرن الماضى أساساً لما نستشعره الآن ببعض حداثة.. وحافزاً كى نواصل. فنواصل.
نقلآ عن المصري اليوم

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com