100 متر.. المسافة التي تفصلهم عن محطة مترو محمد نجيب، وتحديدًا تقاطع شارعي شريف وقصر النيل.. "ثمن القطعة الواحد بـ20 جنيه يا أستاذ.. قرب وخد فكرة"، جملة يسمعها المارة مرارًا وتكرارًا، قد يكون من يسمعها متضررًا.. على الرغم أن مرددها يراها "لقمة عيش".
مشكلة الحكومات السابقة والحالية والقادمة.. "حيطة الحكومة المايلة"، كما يراها الباعة الجائلون، قرار نقلهم إلى جراج الترجمان بشكل مؤقت لمدة 6 أشهر لحين الانتهاء من "وابور التلج"، والمقرر له أن يكون المقر الدائم لهم.
عقارب الساعة تشير إلى السادسة والنصف مساء، عدد من المارة ليس بالقليل يرمقونهم بنظرات تجمع ما بين الدهشة والاستنكار والتعاطف، حيث افترش الباعة الجائلون الرصيف في "محاولة يائسة" منهم لإثبات أنهم ملتزمون بعدم إشغال الطريق، قبل ساعات من نقلهم إلى الترجمان.
تصريحات الحكومة بنقلهم إلى عدد من الأماكن، لعدم إعاقة المارة، أمر وصفه معظمهم بـ"خراب بيوت مستعجل"، نظرًا لسيطرة أهالي منطقة بولاق على منطقة "الترجمان"، فيما يرى رأفت جلال، البائع بمنطقة قصر النيل، أن "ما تفعله الحكومة الآن مجرد محاولة من للتخلص منا، دون الرأفة بحالنا"، متهمًا الحكومة بـ"عدم توصيل المعلومات الصحيحة إلى الرئيس، حيث إن الحكومة تقنع الرئيس بأن نقل الباعة هؤلاء جاء بناءً على مطالبهم، وهو ما لم يحدث قط".
"الترجمان مش هينفع يكون وسيلة بيع وشرا، والراجل ياخد مراته وبنته وينزل الترجمان"، كلمات وصف بها البائع الثلاثيني، حاله بعد قرار النقل لسوق الترجمان، مضيفًا أن في حالة نقله إجباريًا إلى منطقة الترجمان، لن يتحصل في يومه على 10 جنيهات، موضحًا "لو حصلت في اليوم على 10 جنيه مكسب من الترجمان، ليك عندي 100 جنيه".
"تعالى قنن وضعنا متر في متر ولو حد تعدى المساحة دي تعالى حاسبني، الحكومة عايزة تنفذ وخلاص دون شعور بالغلبان"، عبارة قالها رأفت، لخص بها حاله بجانب حال زملائه، مؤكدًا أنهم ليسوا "عالة" على الدولة، وذلك بسبب عدم طلباتهم المتكررة بتوفير وظيفة أو مرتب ثابت لهم من الدولة.
فيما يرى "محمود"، أحد الباعة الجائلين، أن سعي الحكومة لنقل الباعة إلى منطقة "الترجمان" أمر غير عادل، وذلك لوجود عدد كبير من المحال العالمية التي ذهبت إلى تلك المنطقة، ولم يستمر وجودها أكثر من ثلاثة أيام، وتركوا ذلك المكان لأنه "غير صالح للاستخدام الآدمي"، بحسب وصفه.
"فيه جيش وشرطة جايين يشيلونا، ليه يا عم هو إحنا مين"، كانت كلمات محمود تعليقًا على ما سمعه من وسائل الإعلام المختلفة بشأن قرار النقل الذي ستنفذه الحكومة غدًا، مضيفًا أن "أصحاب المحال المجاورة لا يريدون ذهابنا من أماكننا، وذلك بسبب وقوفنا بجانبهم وقت الحاجة"، موكدًا أن فور وصول رئيس الوزراء إلى منطقة "وابور الثلج" هرول جميع المسؤولين الذين وضعوا حجر الأساس ليراه المهندس إبراهيم محلب، وبعد ذهابه، "شالوا حجر الأساس، وردموا الحفرة اللي عملوها لينا، والمعدات روحت على مكانها"، داعيا الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى "إنقاذهم مما وصلت الأوضاع إليه".
"هينقلونا في حتة ضالمة، وروحنا وشوفنا الخراب المستعجل، ومن إمتى الجيش بينزل يضرب في المواطن، عايزين يعدمونا يعني"، كان هذا وصف أحمد هاشم لما سمعته أذناه من هول الفض التي ستقوم قوات الأمن به صباح غد، طالبًا من رئيس الجمهورية أن يري حالهم، باعثًا برسالة إلى المحافظ قائلًا "أنا مسؤول منك، خدني لمكان يريحني وألاقي فيه لقمة عيشي".
"أم أحمد"، إحدى الباعة الجائلين تقول: "مش هنروح ولا هنسأل فيهم، جراج الترجمان مافيهوش نور، هما كدة عايزنا نسرق، ولو هيمشونا بالعافية يبقي يموتونا أحسن"، مضيفة: "يقعدونا في البيت ويصرف علينا".
"ليه افتكرونا دلوقتي، مانا من 1986 وأنا في نفس المكان، وساعتها كنت شاب وأقدر أتصرف"، كلمات وصف بها حسن، أحد الباعة الجائلين، حاله مذ أن كان شابًا يستطيع تبديل مكانه بسهولة، مشيرًا إلى تصوير الإعلام لزملائه بكونهم لا يتعدون الـ"بلطجية".
"رئيس الوزراء كان واعد بمنطقة وابور الثلج، ليه غيَّروا كلامهم وهيودونا الترجمان"، قالها عم رمضان مستنكرًا عدم تنفيذ وعود رئيس الوزراء، وسعيه في حل تلك المشكلة، مضيفًا "الترجمان ماينفعش حد يروح يشتري منه حاجة، وإحنا رحبنا بالفكرة الأولية، بس أنهم يقولوا إن التندة بتاعة الترجمان اتكلفت 2 مليون و800 ألف، يبقى أكيد فيه حاجة غلط"، مؤكدًا عدم ذهاب أي من المسؤولين للتحدث معهم، واصفًا بعض الأشخاص الذين تحدثوا باسمهم بأنهم ليسوا منهم.
من جانبه، قال المهندس أشرف، أحد أصحاب محلات الأحذية: "البياعين مش بيضايقوا حد هنا، ومعظمهم عيلة واحدة، وناس محترمة وبيسمعوا الكلام، وكلهم متعلمين، بس هيعملوا إيه مالهمش وظيفة ولا مهنة، أنا مش متضرر من وجودهم، ولما بيبقى فيه صاحب محل عنده مشكلة، بيتدخل علشان يساعده، وهو عمره ما كان بلطجي أو وحش".
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com