محصل كهرباء: أحد زملائي في بنها تعرض للضرب بـ"مطواة".. والمسؤولون لا يشعرون بنا
يحمل أوراقه ويغادر مكتبه متوجهًا إلى منازل ضربها الظلام في أزمة طالت كل البيوت المصرية، لا ذنب له سوى أنه يؤدي عمله ويحصل فاتورة الكهرباء.. وجوه عابسة تستقبله وهمهمات غاضبة "يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم"، تقع المعاناة على المواطن ومحصل الكهرباء، والأزمة مستمرة.
أصوات وضجيج وهموم يحملها المواطن كل له شكواه يسعى لإنجازها ليزيل الهموم التي تراكمت على صدره، إنه المكان الذي يثير أزمة داخل كل بيت مصري، حيث شركة كهرباء بولاق الدكرور المواجهة لمحطة مترو فيصل.. هنا في ذلك المكان، حيث مكتب بسيط في الطابق الأول، يخرج كل محصل قاصدًا منطقة ما في شوارع المحروسة، يحمل داخل عقله همَّ تحصيل الفواتير، ونسبة الشركة التي تطلبها منه دون الاعتناء بالهموم الملقاة على كل من المحصل والمواطن، ينزل حاملًا على كتفيه أدواته من "حقيبة بداخلها حزمة من فواتير التحصيل، وآلة حاسبة، وجهاز قياس الكهرباء".
على باب الشركة، حيث كان يخرج رجل بلحية قاصدًا منطقة "صفط اللبن" بالجيزة، جلس على المقهى قائلاً لـ"الوطن": "إحنا في بهدلة.. وبنروح مش عارفين هنرجع سُلام ولا لأ".
محمد صالح: "قبل كده واحد قالي هات الفاتورة وأديك بتمنها حشيش"
عم ناصر، قال إن أحد زملائه في بنها تعرض خلال تلك الأزمة الطاحنة للضرب بالمطواة من المواطنين، وآخر بلطجية ضربوه أثناء طلبه منهم دفع الفواتير، مضيفًا: "أننا في محنة لا يشعر بها المسؤولون، وكل همهم النسبة التي جمعناها"، الرجل الأربعيني، قال بغضب يحمله في نفسه من آثار تعب مهنته: "إحنا مالناش ذنب في الأزمة دي.. إحنا ناس على باب الله".
6 ساعات قضاها محمد صالح، في جمع مديونيات الفواتير التي يحملها من شارع محمد عثمان ببولاق الدكرور، بدأ جولته جالسًا على أحد المقاهي بناصية الشارع، لترتيب فواتيره وإعدادها.. أكثر من 115 بيتًا و13 محلًا مرَّ عليها خلال تلك الفترة من أجل التحصيل.. ابن مدينة بنها، اتجه إلى المواطنين حاملًا في كتفيه فواتير لم تُدفع منذ عامين، إلا أنه يواصل عمله مضطرًا للذهاب لهم، حتى لا يسمع حجج عدم الذهاب إليهم من قبل الشركة.
الساعة الواحدة ظهرًا، انتهى "صالح" من ترتيب فواتيره وبدأ جولته بالشارع المذكور، وطلب من صاحب المقهى الذي جلس عليه دفع قيمة استهلاكه التي امتنع عن سدادها لمدة عامين، إلا أن عاملًا في المقهى، رد قائلًا: "لسه صاحب القهوة مجاش.. لف وتعالى آخر اليوم"، وأثناء سيره في الشارع ألقى السلام على عم هاني، صاحب أحد محلات الفول والطعمية، وأكمل جولته ذاهبًا إلى فكهاني على ناصية الشارع، كان الرد منه: "مفيش فلوس.. لف وتعالالي آخر اليوم على المغرب"، وقام بدوره بالكشف على "عداد الكهرباء"، وعند عودته إلى صاحب محل الفول والطعمية، الذي ألقى السلام عليه قبل خمسة دقائق، كان قد غادر المكان، ولم يعد موجودًا في المحل، ما أضطر المحصل لإعطائه كعبًا بقيمة إيصال الشهر الجديد وتبليغه بالشهور المتأخرة.
واصل جولته ذاهبًا إلى المحال المجاورة، ليجد منهم نفس الردود: "صاحب المحل مش موجود.. لف وتعالى تاني.. لسه الحال واقف والواحد ما استرزقش"، وروى محمد صالح ذكرياته مع التحصيل، قائلًا: "أنا قبل كده حد طالبته بالفاتورة طلب مني الإيصال وأديلك بتمنه حشيش"، وخلال سيره إلى إحدى العمائر، كانت الحاجة أم عابد، تسكن في الدور الأرضي في العقار المتهالك ببولاق الدكرور، عليها 17 شهرًا لم تسددها، المحصل نصحها بدفع كل شهرين متجمعين خلال الشهر حتى تنتهي من الفواتير المديونة عليها، وألقت أسرة أم عابد الأزمة على انقطاع الكهرباء، قائلين: "إحنا كل حاجة عندنا اتحرقت بسبب الكهرباء وعاوزين تاخدوا فلوس كمان"، رد المحصل: اتحرقت منين، قالت: "ماس كهربائي"، وبعد جدال، دفعت الحاجة أم عابد مديونيتها وذهب المحصل بسلام.
محصل: "فاتورة الكهربا بـ61 جنيه".. والمواطن يرد: "هو النور بييجي أصلا"
ما بين بيوت تعاند معه بسبب انقطاع الكهرباء وأخرى لم يكن أصحابها موجودين، ليترك لهم كعب الكهرباء، يعرفه الناس جيدًا، حيث إنه الشهر السادس للعمل في ذلك الشارع.. ويعرف كل بيت وصاحبه وكيفية التعامل معه، واستكمل جولته، وفي أحد العقارات، داعب الفتى العشريني، إحدى ربات المنزل أثناء تحصيل فواتيره بعد شكواها من غلاء الفاتورة: "إزيك يا حاجة.. انتي عمرك ما سألت الإيصال بكام إشمعنى المرة دي"، فردت عليه أم محمد، قائلة: "النور بيقطع كتير المرة دي"، وفي نفس المكان طرق على منزل أحد المواطنين، قالوا له: "مين"، رد المحصل: "النور يا فندم"، فإذا به يفتح الباب، ويقول له: "كام الفاتورة"، رد: 35 جنيه، فقال ساخرًا: "35 جنيه على قطع النور".
يواصل عمله متجهًا إلى طابق ومنزل آخر، ليقول لهم الفاتورة خلال الشهر: "61 جنيه و45 قرش"، قالت سيدة من داخل المنزل: ليه 61 جنيه، رد قائلا: استهلاك حضرتك 300 كيلو، قالت: "إحنا ندفع ليه.. هو النور بييجي أصلًا عشان ندفع"، قال لها: "انتي معترضة على المبلغ"، ولم يستطع مواصلة كلامه حتى قالت: "ده افترا وحسبي الله ونعم الوكيل.. إحنا المفروض ما ندفعش"، أما محمد مصطفى، الساكن في أحد العقارات، سلَّمه محمد صالح كعب الفاتورة، كانت "81 جنيه و25 قرش"، فإذا بصاحب المنزل يصرخ في وجه زوجته، قائلًا: "قولنا نطفي الأنوار عشان الشريحة بتعلى.. مفيش حد بيفهم.. بنقول الشريحة بتعلى كل ما الاستهلاك بيزيد"، وقال أحد أبنائه: "هي جايه غالية ليه.. ده حتى النور بيقطع"، رد عليه والده، صارخًا: "يا ابني هو ماله النور.. إحنا قولنا ومفيش حد بيسمع الكلام".
وفي تمام الواحد ظهرًا، خرج المحصل محمد سعيد من الشركة، مستقلًا دراجة بخارية اتجه بها إلى منطقة "صفط اللبن"، حيث يستعد لتحصيل فواتير الكهرباء المطلوبة للشركة من المواطنين، بدأ جولته إلى صاحب مقهى بالمنطقة، التي يعتاد دائمًا الجلوس عليها عند تحصيل الفواتير من المنطقة، وبعد تناول الشاي، طلب من صاحب المقهى قيمة الفاتورة المستحقة عليه، اعترض بشدة في بداية الأمر، وقال له: "إزاي تطالبني على فلوس والنور بيقطع 7 مرات في اليوم"، فرد عليه المحصل وهو يقول في قرارة نفسه: "يا رب عدي اليوم ده على خير"، موجهًا حديثه له: "يا حج أنا مش ذنبي حاجة.. أنا راجل شغال باكل عيش"، وبعد معاناة مع أول مواطن يطلب منه قيمة التحصيل، والتي استمرت لقرابة نصف ساعة ما بين أزمة النور التي يرويها صاحب المقهى وتبرير المحصل بأن هذه الأزمة مؤقتة وعلى الجميع تحملها، قال له: "بعد إذنك يا حاج.. إديني فلوس الإيصال ورايا شغل كتير".. انتهت بدفع الأموال المستحقة، قائلًا للمحصل: "يلا مش عايز أشوفك تاني لحد ما ييجي النور".
مواطن لـ"المحصل": "مش عايز أشوف وشك تاني لحد ما النور ييجي"
واصل محمد سعيد عمله بشارع ملصق بالمقهى غير عابئ بأول المشاكل التي صادفها مع أول مواطن، يدق جرس الباب ليأخذ قيمة التحصيل، فإذا بسيدة أربعينية تقول له بعد طلبه منها فاتورة الكهرباء، "النور قاطع دلوقتي.. انت بتطلب فلوس على شيء مش موجود"، منفعلة في وجه المحصل: "أنا باظت مني تلاجة الأسبوع اللي فات.. وإمبارح الماتور باظ بسببكم"، صمت برهة، وأجاب: "يا ستي إديني الفلوس خليني أمشي واتفضلي الإيصال"، فطلبت منه أن يمر عليها الشهر القادم، غادر الشاب الثلاثيني متجهًا إلى شقة أخرى، بعدما ضاقت به كل السبل في إقناع السيدة بأنه لا يملك شيئًا يفعله، قائلًا لها: "أنا مش بإيدي حاجة.. أنا راجل باكل عيش ومينفعش أرجع من غير فلوس".
"أنا لما بقف قدام الشقة بيكون في اعتباري أمرين وهو أنه مفيش حد في البيت، أو أنهم عارفين إننا بره فما يردوش".. كلمات وصف بها المحصل معاناته خلال أيام تحصيل فواتير الكهرباء، وأثناء مروره بأحد المنازل، قال له أحد السكان: "مش دافع روحوا رجعوا الكهرباء الأول.. وسلمولي على وزير الكهربا"، فنظر إليه المحصل بابتسامة وأخرج إيصال الكهرباء: "عليك 56 جنيه يا عم الحاج من فضلك خد الإيصال وهات الفلوس عشان أمشي"، إلا أن الرجل أصر على موقفه بعدم دفع الإيصال، فقرر المحصل أن يغلق حقيبته ويغادر الشقة دون أن يتحدث معه بكلمة واحدة.
يروي الشاب الأسمر معاناته مع تلك المنطقة، قائلًا: "طلبت من صاحب شقة قيمة استهلاكه أربع جنيهات، وشكيت في الفاتورة، التي لم يسددها من شهرين، وطلبت أن أدخل الشقة للكشف على العداد، وفتحت الباب، فوجدت 5 أشخاص يشربون حشيش وبانجو داخل الشقة"، مضيفًا: "أنا بصراحة خفت لما لقيتهم كده ومطالبتهمش بفلوس الفاتورة"، متابعًا: "جمعت التحصيل من الشقق الأخرى، وأنا عائد كانوا في انتظاري داخل الشقة، وحاولوا الإمساك بي، لكني هربت منهم".
وفي سياق حديثه عن الواقعة، يدعو محمد: "يا رب أكرمني وطلعني من الشارع ده على خير"، إلا أنه وقع في مشاجرة بينه وبين سيدة مسنة، قالت له: "اخرج من هنا محدش هيدفع"، بعدما طالبها بالفاتورة، ولم يلتفت لهذه السيدة مكملًا عمله بالذهاب إلى البيت المجاور لها، طالبًا منهم قيمة الإيصال، منهم من قام بالدفع، وهو يقول: "حسبي الله ونعم الوكيل"، وآخر يقول: "خد الفلوس وبلغهم لو الكهربا متحسنتش مفيش فلوس".
وعن جولة أخرى للمحصل "الشقيان"، يحكي : "ذهبت لعقار آخر، وطلبت من رجل خمسيني قيمة استهلاكه التي بلغت 2000 جنيه، عن أكثر من شهر لم يدفعها، وليس شهر واحد، إلا أن الرجل أبلغه أنه يعاني من ضيق مادي ولا يملك في شقته أي مبلغ، فرد المحصل عليه: "يا عم
الحج كلنا عندنا ظروف لو سمحت ده آخر إنذار، وهرجع بعد 48 ساعة أفصل الكهربا"، بعدها يكمل جولته في نفس العقار، وتحرك إلى الطابق الذي يليه، وطرق جرس الباب فلا يرد عليه أحد فقام بفصل الكهربا بسبب تراكم الفواتير على ساكني الشقة، وحين غادر العقار طاردته صيحات
امرأة من النافذة: "انت إزاي تعمل حاجة زي كدة انت بتستهبل"، فأبلغها المحصل بأنه قام بطرق الباب ولم يرد عليه أحد، وأثناء هذه المشادة الكلامية، تجمع سكان العقار أمام بوابتها، متوعدين المحصل، وما إن رآهم، همس بصوت غير مسموع: "والله شكلنا هنضرب"، حيث نزل صاحب الشقة، التي فصل عنها التيار الكهربائي، وطالبه بإرجاع التيار، قائلاً: "بعد إذنك تعالى رجَّع الكهربا زي ما كانت ده غلط"، فرد عليه
المحصل وقال: "طيب يا حاج هات اللي عليك انت الأول"، ظل قرابة الربع ساعة بين الشد والجذب بينهم، وكاد الأمر أن يتطور إلى الاشتباك بالأيدي، إلا أن المحصل قرر أن يقوم بتوصيل النور لهم خوفًا من افتعال مشاكل معه، وظلت هذه الحال قرابة الخمس ساعات بين التعب والتبريرات بأنه يقوم بتأديه عمله.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com