بقلم: عـادل عطيـة
كنت أقرأ في جريدة مسائية، إلى أن جذبني عموداً صحفياً، ينهي كاتبه سطوره بكلمة: "فُتّكم بعافية"!
هذه الخاتمة؛ اشعرتني وكأنني أشتمّ عطراً قادماً من أيام أجدادي؛ فقلت: أخيراً جاء من يطلق الضوء على كلمة من الكلمات الغارقة في مسائياتنا، ولا نريد لها أن تستيقظ أبداً!
ولأن الشيء بالشيء يذكر؛ فقد تذكرت مادار بيني وبين صديقي في احدى امسيات السبعينيات، عندما قال لي مودعاً، وهو في ذهابه إلى فراشه: "نوم العوافي"، متمنياً لي تلك الحالة، التي تجعلك تضع رأسك على المخدة، تغمض عينك فيأتيك النوم طائعاً، لا تفكر في هموم، ولا تؤرق مضجعك مشكلة، ولا يوقظك خاطر أياً كان نوعه، ولا يوقظك حتى حفار يعمل في شارعك، حتى تصحو منه نشيطاً منتشياً في يوم جديد!
وبدلاً من أن أقول له: "الله يعافيك"، قلت له بفذلكة: ماذا لو قصدنا من "نوم العوافي"، ان العوافي هي التي تنام.. وفي هذه الحالة من يوقظها؟!..
لم اكن أدري وقتها، انها النبوءة التي تحققت؛ فقد نامت العوافي، فعلاً؛ ربما بفعل فتاوي القهاوي، التي يتعامل اصحابها مع فتاويهم، بحسب المثل العراقي: "يأكل ويقول لنفسه عوافي".. وهاهوذا الكاتب يوقظها في كلماته!
فقد كنا، ونحن صغار، نسمع مثل هذه التحيّات، ذات اللكنة والنكهة المصرية، عندما نلتقي بضيوفنا، فيقولون: "عوافي" أو "العوافي عليكم"!
وعند الاستئذان لمغادرة المكان، يقولون: "فُتّكم بالعافية"، أو: "أقعدوا بالعافية"!
وكنت أظن، حتى عهد قريب، أن الفتاوي هي المصدر الوحيد، الذي جعلنا لا نريد أن نحافظ على هذه التحيّات من الزوال، حتى تقابلت مع شخص مغربي، يزور مصر لأول مرة، واردت أن أشكره على أمر ما؛ فقلت له: "الله يعطيك العافية"!
فإذا بالمغربي، يتغيّر لون وجهه، حتى ظننت انني قلت له على انغام فيروز ـ بعد تشويه كلماتها ـ: "سبيّتك بالصيف .. سبيّتك بالشتا"!
وقد عرفت بعد ذلك، أن كلمة: "يعطيك العافية" تستثير غضب المغاربة؛ لأنها في دارجتهم، معناها: "الله يعطيك النار"، والأفضل أن نقول: "الله يعطيك الصحة"!
مسكينة كلمة "العافية"؛ فمع أن معناها الأصلي: "الصحة التامة"، إلا انها أصبحت تحت وطئة: "السلام عليكم" في خبر كان، وتحت رحمة: "التشاؤم"؛ حيث صارت بديلاً عن النار عند المغاربة، وبديلاً عن المرض عند المصريين!...
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com