أيام اجتمع عدد من قادة دول العالم على هامش اجتماع حلف شمال الأطلسى «ناتو» فى ويلز لوضع استراتيجية لمواجهة تنظيم «الدولة الإسلامية» التى استولت على مساحات واسعة من الأراضى السورية والعراقية، وقبل ذلك بأيام أكد الرئيس الأمريكى باراك أوباما عدم وجود استراتيجية واضحة للإدارة الأمريكية لمواجهة التنظيم الإرهابى، فى الوقت الذى شدد فيه رئيس الوزراء البريطانى ديفيد كاميرون بقوله «إن دولاً مثل بريطانيا والولايات المتحدة لن تسمح لقتلة همجيين بترهيبها».
مثل هذه الاجتماعات والتصريحات تكشف عما يسببه التنظيم الإرهابى للمجتمع الدولى، وليس للدول العربية فقط.
لذا، المتأمل لتطورات الأحداث الإقليمية والدولية، سيجد تفاوتا بين الأهداف والتطبيق، وفى الوقت الذى يجرى فيه محاولات تشكيل تحالف دولى، لا يزال التنظيم يتمتع بقنوات إمداد العون والسلاح، وسد احتياجاته من المال، بل ولا يزال يبيع براميل النفط التى يقوم بنهبها من العراق وسوريا عبر تركيا إلى جهات ودول غير معروفة وبأسعار بخسة تضمن له استمرار التمويل.
هذا الموقف يعكس ازدواجية الغرب فى التعامل، ويثير الشك فى جدية مواجهة التنظيم، كما أنه يضع علامات الاستفهام بشأن استخدام التنظيم فزاعة للتفاوض مع بلدان المنطقة فى ملفات مختلفة، الشيء المؤكد حتى الآن هو عدم مشاركة الولايات المتحدة بقوات برية فى أى تحالف لمواجهة «داعش»، والاكتفاء بضربات جوية أو مساعدات لوجستية.
الوضع الراهن يثير علامات استفهام عديدة، ويفتح باب الاجتهادات بشأن دلالات ظهور «داعش» الآن، ومحاولة بث الرعب فى المنطقة وترويع المواطنين من خلال استخدام التنظيم لوسائل التواصل الاجتماعى ولقطات الفيديو التى يتم بثها على الانترنت لترويع المواطنين، وما هى الخطوة التالية لمواجهة التنظيم؟
حقيقة الأمر أن هناك غموضا يكتنف هذا التنظيم الإرهابى، ويثير الشبهات فى دول عربية وإقليمية ساهمت- ولا تزال ـ فى تمويل عناصره، والمساعدة فى بناء امبراطوريته الاقتصادية، والغموض يتواصل أيضا فى المرحلة الراهنة التى تكشف عن غياب الاستراتيجية والرؤية المستقبلية للتعامل مع التنظيم المتطرف، فليس بالسهولة أن يسبب عناصر تنظيم إرهابى لا يزيد على ١٠ آلاف مقاتل كل هذه الضجة ما لم يكن وراءها مناورات آخرى، وهل فشل حلف شمال الأطلسى بكل ما يملك من قوات وقدرات على ردع هذا العدد من المقاتلين مقنع للمتابعين؟
أعتقد أنه من المهم هنا الدعوة لقمة عربية مصغرة لوضع استراتيجية عربية واضحة لمواجهة الجماعات والتنظيمات الإرهابية فى المنطقة وليس تنظيم «داعش» فقط، فالإرهاب فكر قبل أن يكون حروبا ومعارك، وما لم يكن هناك استعداد حقيقى وملموس وجاد لملاحقة التطرف والإرهاب، ستفرز المنطقة تنظيمات آخرى حتى لو تم القضاء على «داعش»، فالتطرف الفكرى والدينى لا يزال هو المسيطر على العقول، وما لم يتم تجفيف منابعه، ستظل المشكلة مستمرة.
وأذكر أننى فى المقال السابق أشرت إلى «الحرب بالوكالة»، والتحديات التى تموج بالمنطقة، مع استمرار دعم الأفكار الإرهابية والمتطرفة، وأنه لابد من رؤية عربية واضحة لمواجهة الإرهاب، والاستعانة برؤى وأفكار لدول وقوى دولية صديقة لها خبراتها فى هذا المجال، وأكرر دعوتى هنا من أجل تحالف عربى إقليمى يضم مصر والسعودية والإمارات لمواجهة الإرهاب والتطرف وتجفيف منابعه.
نقلا عن المصري اليوم
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com