كتب: هانى دانيال – خاص الأقباط متحدون
حصل الباحث محمد طه عليوة، على درجة الدكتوراه بعد مناقشة رسالته التي جاءت تحت عنوان" دور الدين في النظام الدستوري المصري على ضوء الاتجاهات العامة للأنظمة المعاصرة" ورصد الباحث في رسالته إشكاليات تطبيق نموذج الدولة القومية الحديث على المجتمع المصري الذي كانت تحكمه دولة قديمة لعب فيها الدين دورًا كبيرًا.
كما رصدت الرسالة دور الدين في مؤسسات الدولة المصرية الحديثة، بما فيها المؤسسة التشريعية وانعكاس ذلك على الحقوق والحريات العامة، في إطار من المقارنة مع عدد من النظم التي يمكن اتخاذها أمثلة لصيغ مختلفة في معالجة العلاقة بين الدين والدولة، ومحاولة فهم دقائق علاقة كل دولة في علاقتها بالدين.
تشكلت لجنة المناقشة من كل من الدكتور يحي الجمل أستاذ القانون الدستورى مشرفًا، والمستشار طارق البشري نائب رئيس مجلس الدولة الأسبق، والدكتور يسري العصار الفقيه الدستوري، وذلك بقاعة السنهوري بكلية الحقوق جامعة القاهرة.
اختار الباحث ثلاثة نماذج من بينهم اثنان وثيقا الصلة بالحالة المصرية، أولهما النموذج الفرنسي الذي شق طريق العلمانية وبلغ فيها الغاية بتأثيره المعروف على مجمل أوجه الحياة القانونية في مصر، والثاني النموذج التركي الذي كانت مصر جزءًا من عالمه القانوني حتى بدأ مسيرة التحديث، ومعاجلته للعلاقة بين الدين والدولة طبقًا للنهج العثماني في بلد مسلم، كذلك النموذج الإيرانى وتجربته في إقامة جمهورية على أساس ديني في القرن العشرين لمعرفة مقدار الحقيقة في هذا الأمر ومدى الاختلاف بينه وبين الدولة الحديثة.
أوضح الباحث أن الجدل الدائر الآن فيما يتعلق بالمفاضلة بين الدولة التقليدية والحديثة يكاد ينحصر في الدعوة إلى تطبيق الشريعة الاسلامية، بعد أن مثلت الشريعة نظامًا قانونيًا عاشت به وازدهرت في ظله شعوب منطقة واسعة متعددة الأعراق والثقافات توسطت العالم القديم على امتداد القرون، ومع الوعي التام بأن لكل مجتمع إطار عام أو مرجعية عليا هي في المجتمعات الإسلامية مباديء الشريعة وهي في المجتمعات العلمانية النظام العام، وتماشيًا مع الموقف الوسطي للدولة المصرية الحديثة استقر القضاء على حل موفق وهو اعتبار المباديء الكلية للشريعة الإسلامية أحد مكونات النظام العام في مصر.
والنظام العام فكرة علمانية ومقوماته متغيرة بتغير المكان والزمان، ويتكفل القضاء ببيان حدوده منطلقًا من ثقافة المجتمع وثقافة قضاته ومدى تطورها وانفتاحها، وهذه الفكرة يتسع نطاقها ويضيق فيما يخص العلاقة بين الدين والدولة، وبحسب حال المجتمع من الرخاء أو الشدة ورقى الثقافة أو تدنيها.
نوه الباحث إلى أن المشكلة ليست في الدين ولا في الدولة الحديثة ولا في مدى تقبل الإسلام لها، ولكن المشكلة في طابع الدولة المصرية والأزمات الاجتماعية والاقتصادية والمستوى الثقافي العام، وأن الأزمة التي تعانيها مصر هي أزمة سياسية بالأساس، فالخلاف ليس على الإسلام، وإنما هو على الدولة والسلطة، والسبب وراء الجماهيرية الواسعة لجماعات الإسلام السياسي هو التمرد الاجتماعي المتخذ أيدلوجية سياسية معاكسة لسياق التاريخ والمتمسك بالإسلام كسلاح في صراعه ضد سلطة النخبة الحاكمة المستبدة.
أشار الباحث إلى حظر استخدام الدين في العمل الحزبي والسياسي في مصر عمومًا وسعي النخبة السياسية أو البيروقراطية التي تدير الدولة إلى تحجيم تيار الإسلام السياسي ووعيها بخطورة استغلال الدين في العمل السياسي، ولكن هذه الدولة المصرية ذاتها لا تمنتع عن استخدام الدين في العمل السياسي، فتستولى على المؤسسات الدينية الإسلامية التقليدية كالأوقاف والأزهر وتدمجها في بنيتها، وتستخدم نفوذ تلك المؤسسات المعنوي في دعم شرعيتها المهتزة وسياساتها الخاطئة، وهي تعلن في دستورها أن الإسلام دين الدولة وشريعته والمصدر الرئيسي للتشريع، وتحظر في ذات الوقت وبالنص الدستوري مباشرة أي نشاط سياسي أو قيام أحزاب سياسية على أي مرجعية دينية، وتمتنع ضمن تقييدها للحياة السياسية بشكل عام عن الترخيص لأحزاب ذات مرجعية إسلامية تعلن التزامها بالدولة المدنية والمساواة بين المواطنين والديموقراطية وتداول الحكم، كما هو الحال في حالة حزب الوسط الذي لا يزال يحاول ما بين لجنة الأحزاب ودائرة شئون الأحزاب بمجلس الدولة النفاذ إلى الشرعية منذ اثنى عشر عاما دون جدوى.
والدولة بذلك تسعى إلى احتكار استغلال الدين وتنافس الاتجاهات السياسية والاسلامية التي تسعى إلى السلطة تحت راية الدين في الإبقاء على الوعي السياسي المتدني للجماهير، وهو موقف غير منطقي وغير عادل ولا يمكن اعتباره حلاً لإشكالية العلاقة بين الدين والدولة.
وبمقارنة الوضع الفرنسي أشار الباحث إلى أن العلمانية انتقلت من العداء الجذري للدين الذي ساد في أعقاب الثورة الفرنسية إلى الفصل الكامل بين الدين والدولة، وإعلان أن الدولة لا تعتنق دينا معينا وتحترم جميع الأديان وتتخذ منها موقف الحياد، وأن هذه العلمانية مع تنظيم الدولة للمارسة الشعائر الدينية تحترم حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر لأوسع مدى، وتحرص فرنسا على أن يكون التعليم علمانيًا وتكون المدرسة مكانًا لغرس قيم المواطنة والدولة الحديثة.
وفى تركيا لاحظ الباحث أن الدولة الحديثة في تركيا اتبعت نموذج العلمانية المتشددة المشابهة للنموذج الفرنسي في بدايته، وفرضت علمنة الحياة العامة ومؤسسات الدولة والقانون ولكن الدين ظل قوة اجتماعية مؤثرة وأفلحت تريكا في تحديث دولتها واقتصادها، وفى تحجيم دور العسكر في الحياة السياسية وفى إرساء أسس الديموقراطية لمسألة السياسة والحكم، إلى أن صبحت قوة اقتصادية يشار إليها بالبنان ودولة ديموقراطية تعلن علمانيتها ويمارس شعبها شعائر دينية بكل حرية، وتتيح لحزب سياسي ذى مرجعية اسلامية أن يصل إلى الحكم.
أما إيران فأوضح الباحث أنها بعد أن سارت شوطًا بعيدًا في طريق التحديث شرعت بعد ثورة 1979 في إقامة دولة دينية بكامل المعنى، ومحاولة المزج بين الثيوقراطية ومفاهيم الدولة الحديثة، ويعكس دستورها الطبيعة الثيوقراطية للدولة التي يقوم على أمرها رجال الدين، كما يأخذ ببعض المفاهيم الأساسية للدولة الحديثة، ورفعت شعار تطبيق الشريعة ولكن إنجازها في هذا الصدد لم يكن بحجم ما يوحد به الشعار.
أوضح الباحث أن التاريخ في المجتمع المصري سار في اتجاه الفصل بين الدين والدولة، وأن من يرفعون الرايات الدينية في ساحة العمل الحزبي والسياسي هم طلاب سلطة يسيئون إلى الدين والشعب معًا، كما أن الدولة المستبدة والفاشلة تفتقر إلى وسائل المواجهة الصحيحة لتلك التيارات .
ركز الباحث على أن الخيار الصعب ما بين الاستمرار في سطوة الدولة العميقة على الحياة السياسية من جهة، والخشية من سيطرة التيار الاسلامي على الحكم وتقويض أساس الدولة الحديثة والعودة بمصر إلى القرون الوسطى، أو التقدم بها إلى حالة شبيهة بالحالة الإيرانية من جهة أخرى هو نتاج سياسات الدولة ذاتها، وتلك السياسات التي آلت إلى زيادة الفقر والبؤس الاقتصادي وتدهور التعليم والثقافة والقضاء على الوعي السياسي والحياة السياسية في مصر.
دعا الباحث إلى ترسيخ الآليات الديموقراطية الصحيحة باعتبارها المخرج الوحيد لأزمة المجتمع المصري، وتحويل الديموقراطية إلى أداة راقية لإدارة المجتمع وحل مشكلاته والعمل على تطوره ورقيه، بدلاً من أن تكون أداة لقهره وإدامة فقره وتخلفه، خاصة وأن الديموقراطية لا تتحقق إلا إذا قبلت جميع القوى السياسية بأن تضع مصالحها وقيمها تحت رحمة القرار غير المعلوم مسبقًا للجمهور المشارك في العملية السياسية، واعتبر أن الديموقراطية هى التي تسمح بترويض التيارات الدينية العاملة في حقل السياسة، ويكشف عجزها عن التحدث بلغة العصر إن لم تفعل، وهى التي تسمح بمداواة العلل التي يعاني منها المجتمع وتمكنه من حل مشكلاته بما يتوافق مع مصالح أغلبية مواطنيه في إطار من العقلانية والعلم، ومن ثم إزالة حالة الاحتقان الاجتماعي والفكري التي يعاني منها.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com