بقلم سمير مرقس
«١»
تعكس الطريقة التى يعالج بها البعض كثيرا من القضايا الفكرية والسياسية التى تشغلنا إعلاميا وبحثيا أنه لا يهم أن يكون المرء ملما بجوهر ما يقول، ولا يهم أن يكون قد اطلع على جديد الموضوع الذى يدلى بدلوه فيه وما طاله من مراجعات، ولا يهم أن يتبع أى منهج فى عرض ما يطرح من أفكار، ولا يهم أن تتضمن الطروحات التى يتم عرضها شفاهية، أو كتابة الفكرة ونقيضها،
وأنه دون أن يدرى يقوم بتسويقهما معا بنفس الحماس، ولا يهم، ولا يهم، ولا يهم... الأهم أننا نفاجأ بأن الساحة الفكرية والثقافية تتلقى هذه «الأفكار الهائمة التى لا قوام لها وغير المؤصلة بالاهتمام.. ولا بأس من تسخين هذه المعالجات لإكسابها الانتباه.. وفجأة نجد أنفسنا أمام ما يمكن تسميته شبكة سجالات الفهلوة، التى تنسج خيوطها حولنا لتورطنا فى هذه السجالات التى قد تثير الضجيج، وتشغل الناس.. ولكنهما ضجيج ومشغولية لا طائل ولا فائدة منهما.. لماذا؟
«٢»
أولا: لأن بعضها موجه، حيث مطلوب منه أن يمرر أفكارا بعينها بغض النظر عن مدى صحتها أو دقتها أو علميتها، ذلك لأن الحديث «مسيّس» من الأصل.. ثانيا: أو ينم عن جهل «جدى» بالموضوع، رغم توفر النية الطيبة فى ضرورة الاهتمام به، لكن الواجب المطلوب عمله لا يتم- أى ضرورة التحضير «المتأنى التأصيلى التفصيلى»، إما لظروف تتعلق بالوقت، حيث تحت إلحاح الإنجاز السريع يدفع إلى «الكَرْوَتَة»، والنتيجة ضعف المنتج المعرفى، فيأتى أقل من المطلوب بكثير، ولا يمت بصلة بجوهر وأبعاد ومستويات الموضوع المثار.. ثالثا: ملء الوقت و«خلاص!»، وهنا يتم «الاجترار المعرفى بصورة تتنافى مع المستجدات حول الموضوع محل النقاش، بمنطق هو «هو حد حيراجع ورانا».. وفى النهاية نجد أنفسنا أمام ما يمكن أن نطلق عليه سجالات الفهلوة، التى يضيع مضمونها فى «الهوا» بمجرد أن تنتهى.
«٣»
لنأخذ، مثلا، تحليل موقف الولايات المتحدة الأمريكية مما يحدث فى المنطقة.. فهناك من لم يزل يحلل الموقف وكأن «الحرب الباردة» لم تزل حاكمة منظومة العلاقات الدولية.. وهناك من يحيل التحرك الأمريكى للإرادة الفردية للرئيس الأمريكى، وكأنه يعمل فى فراغ سياسى متحرر من أى ضوابط حاكمة.. وهناك من يتعاطى مع الشأن الأمريكى باعتباره شأنا ساكنا، رغم أنه جرت فيه مياه كثيرة بفعل تحولات مجتمعية غاية فى التركيب، غير مرصودة منذ عقود.. لذا نجد الاجترار هو سيد الموقف.. ويمكن القياس على ذلك فى كثير من الموضوعات التى تثار فى حياتنا العقلية، بحسب تعبير زكى نجيب محمود، سواء كانت داخلية أو خارجية.
«٤»
ليسمح لى القارئ الكريم أن أتذكر كلمات للعلامة الراحل زكى نجيب محمود، مع بعض التأويل، يقول فيها: «المأساة فى حياتنا العقلية كلها اليوم فى أنها قد انجرفت فى تيار (الفهلوة)، فلم يعد المهم هو أن ندقق النظر إذا فكرنا، وأن نجيد الصياغة إذا كتبنا، ومن ثم نخرج باجتهادات تستحق التأمل.. بل لم يعد المهم هو أن نفكر، وأن نكتب على الإطلاق، فقط يكفى أن نتكلم دون حساب، وأن نشغل الدنيا صخباً دون مضمون حقيقى يبنى الناس، ما يضعنا فى مساقط الضوء دون أن تكون قد مهدت لذلك، بعمل ما يجب أن يكون، من قراءة، ومتابعة لجديد المعرفة، وعليه فالاجتهاد وفق معطيات اللحظة ومستجدات الأحوال.. وإثراء الفكر وتجديده».
نقلآ عن المصري اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com