رغم العدد الضخم من الدول التى استطاعت الولايات المتحدة جمعها تحت لواء التحالف الدولى ضد «داعش»، تظل المعضلة الرئيسية لذلك التحالف هى أنه سيعمل بقيادة دولة عظمى لم تتعلم أبدا من أخطائها، بينما يسعى كل من أطراف التحالف لتحقيق أهداف تختلف جوهريا عن الباقين. وبالتالى فإن حركة التحالف مرشحة لتعقيد الأزمة لا حلها وخلق المزيد من التطرف لا محاربته، وتوسيع نطاق الدمار والحرب لدول أخرى فى المنطقة ولأجل غير مسمى. فالولايات المتحدة لم تأت للمنطقة لمحاربة تنظيم «داعش»، ولا هى تعتبره تهديدا مباشرا لمصالحها الحيوية. فالرئيس الأمريكى، فى خطابه الذى ألقاه بداية سبتمبر «بخصوص داعش»، قال صراحة إن استخبارات بلاده «لم تكشف عن أى مخططات تدبر» من جانب ذلك التنظيم ضد الولايات المتحدة. واعتبر أن تهديده موجه «للشعب فى العراق وسوريا وعلى امتداد الشرق الأوسط» وللأمريكيين الموجودين بها. وداعش بالمناسبة ليس تنظيما جديدا وإنما هو نفسه «تنظيم القاعدة فى العراق سابقا»، كما قال جى جونسون، وزير الأمن الوطنى الأمريكى، بنفسه فى خطاب ألقاه مؤخرا. والولايات المتحدة كانت على علم بما يفعله التنظيم، وغضت الطرف عن تدريبه على أراض عربية وبتمويل خليجى بهدف الإطاحة بالنظام السورى. وهى لم تعلن محاربته إلا عندما تخطى خطوطها الحمر وهاجم الأكراد. وبالتالى، فإن أهداف الضربات الأمريكية هى بوضوح حماية الأكراد، وربما وضع الأساس اللازم لإقامة دولة كردية فى المستقبل المنظور، فضلا عن تغيير النظام السورى. وإدارة أوباما منذ توليها تشن حروبا بالوكالة، لكن الجديد دوليا أن تلك ربما المرة الأولى التى تعلن فيها قوة عظمى صراحة أنها ستخوض «حربا بالوكالة». فالرئيس الأمريكى قال «إننا لا يمكننا أن نحل محل شركائنا العرب فى تأمين منطقتهم» وتعهد «بدعم القوات التى تحارب أولئك الإرهابيين على الأرض»، سواء فى العراق، أو عبر تسليح وتدريب المعارضة السورية التى تعتبرها أمريكا «معتدلة» لمحاربة داعش فى سوريا.
الطريف فى ذلك كله، أنه فى اليوم الأول لبدء المعركة، أعلنت الولايات المتحدة أنها استهدفت قيادات تنظيم آخر«لا علاقة له بالقاعدة» لم يسمع عنه أحد من قبل ويدعى «خراسان»، لأنه كان يدبر «هجوما وشيكا على الولايات المتحدة وأوروبا». لكن بعد أيام من تلك التصريحات الرسمية، ذكرت النيويورك تايمز أن «أحد المسؤولين الكبار وصف تآمر خراسان بأنه أقرب للتطلعات وقال إنه لا يبدو أن هناك مخططا محددا». أما وزير الأمن الوطنى، فلم يذكر «خراسان» مطلقا ضمن قائمة التنظيمات التى تهدد أمريكا فى خطابه!
الخطير فى الأمر أن الولايات المتحدة التى جلب تدميرها للعراق تنظيم القاعدة لهناك أصلا، ثم تحول على النحو الأكثر وحشية الذى نراه اليوم، لم تتعلم الدرس، وها هى تسعى لمد الحرب إلى سوريا. فأمريكا تعلم جيدا أن المعارضة السورية التى تدربها أمريكا، بحكم التعريف معارضة للنظام السورى، لا لداعش، ولن تتخلى عن هدفها الأصلى.
باختصار، فإن تغيير أمريكا للنظام فى سوريا يمثل إعادة إنتاج لكارثة العراق. فأمريكا، لا السوريون، هى التى ستختار البديل للنظام. وإقامة الدولة الكردية ستأتى بعد حروب ممتدة فى المنطقة لأجل مفتوح، لن تكون إيران وروسيا بعيدتين عنها. أما التطرف والإرهاب، فيخرجان من بين أشلاء القتلى والجرحى فى كل مكان على امتداد المنطقة.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com