الطريق طويل لتحقيق ما نصبو إليه كأمة، لكن الإيجابى أننا بدأنا هذا الطريق بالفعل، وفى الاتجاه الصحيح حتى لو كانت السرعة أقل نسبياً مما نأمل. لن تكون هناك عصا سحرية لحل مشكلاتنا التى تراكمت عبر عشرات السنين، ولن يتمكن الناس فجأة من الإحساس بأن أمورهم باتت متيسرة، الطريق طويل ولكن يحتاج إلى مناطق مضيئة ليشعر المواطنون بأن التغيير قادم، وأن الأمل حقيقى.
سألت نفسى سؤالاً: ماذا يمكن أن تفعل الحكومة – أى حكومة – لكى يرضى عنها الناس؟ واستعرت جزءاً من إجابة سبق أن كانت محور حديث لى مع صديق، هذه الإجابة تفترض القادم، متى يرضى الناس فى أى وقت عن حكومتهم؟ وعندما أتحدث عن الناس فإننى أعنى معظم الناس بدرجات متفاوتة، ليس هذا بسبب عيب فى تكوين الناس، أو تعلية لطبيعة ونوع الحاكمين، ولكنها الطبيعة البشرية التى تبحث دائماً عن سقف أعلى للتطلعات، ولكن الأزمة تكون عندما يكون العيب فى الحكومة وليس من الشعب، عندما تكون متطلبات الناس ممكنة وتعجز عنها الإدارة، أو عندما تفشل الحكومة فى أن تحوز رضا الناس.
بتطبيق ما فات على أوضاعنا المصرية يمكن القول إن الأزمة الحقيقية فى العلاقة بين الحكومة والناس تتمثل فى لغة الخطاب من الحكومة إلى شعبها، وتتمثل فى قدرة الحكومة على جذب الانتباه إلى ما تفعل من إيجابيات، وعندما تغرق نفسها فى أخطاء صغيرة تفسد ما تفعله من إنجاز، الخطأ الآخر الذى تقع فيه الحكومة عندما لا تركز على وسائل إرضاء المواطن البسيطة والممكنة، وهى وسائل لو استطاعت أن تضع يدها عليها لتمكنت من أن تكسب المواطن معها مشاركاً ودائماً لها فى مواقع الإنجاز الأخرى بدلاً من الوقوف موقف المناوئ الناقد لها.
يبدأ هذا الأسلوب بتحديد مناطق تعامل المواطن مع الحكومة، ابتداءً من الميلاد وحتى الوفاة، ويمكن تحديد بعضها بسرعة عندما نبدأ بمكتب الصحة الذى تخرج منه شهادة الميلاد إلى المستشفى الذى يعالج فيه الطفل إلى إدارات التعليم التى يتعامل معها الأهالى، إلى مكاتب الضرائب، وأقسام الشرطة وإدارات المرور، ومكاتب الجوازات والسجل المدنى، وغيرها من المصالح الحكومية أو المتصلة بالحكومة التى يتعامل معها المواطن فى حياته كلها، وقبل أن نحدد المطلوب دعونا نغمض أعيننا للحظة ونتخيل حجم معاناة المواطن فى كل ما ذكرت من أماكن، وغيرها مما لم أذكر، وأترك لكم تصور ما يحدث وما يلقاه المواطن من معاناة، وتخيلوا معى لو قررت الحكومة- كبداية فى خلق جو من الثقة بينها وبين المواطن- أن تبدأ بإصلاح أحوال هذه الأماكن، وقررت أن تيسر على المواطن فى كل هذه النقاط- نقاط التماس المباشرة لها مع الجمهور- فى حياته، وأن يجد موظفاً مبتسماً، ومكتباً نظيفاً، وإنهاءً سريعاً لإجراءاته وأوراقه المطلوبة.
تخيلوا معى لو شعر المواطن بأن الحكومة وضعت نصب عينها – وعرف ذلك وشعر به – أن تجعل حياته فى هذه المناطق البسيطة أسهل وأيسر، تخيلوا معى ماذا يمكن أن يكون شعور المواطن فى هذه الحالة تجاه حكومته؟ لا أقول إن هذا يحل المشكلة، ولا أقول إن الحكومة بذلك تكون قد حلت مشكلتها مع الناس، ولكنها بداية لكى يشعر الناس بأن الحكومة بحق معنية بمعاناتهم، والتالى لذلك أن يشعر المواطن بأن الحكومة حكومته، وأن مشكلاتها هى مشكلاته، وأن إنجازاتها هى إنجازاتهم، دعونا نجرب.
menawy@gmail.com
نقلا عن المصرى اليوم
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com