في الحملة الفرنسية على مصر في نهاية القرن الثامن عشر، خرج بونابرت شمالا عن طريق سيناء متجها بجزء من جيشه إلى سوريا. غير أنه فشل في تجاوز أسوار عكا شديدة التحصين واضطر للانسحاب عائدا بقوات أصاب الطاعون عددا كبيرا من أفرادها. في الوقت نفسه كان جزء آخر من جيشه يحارب في صعيد مصر بقيادة الجنرال ديزيه. كان الجنرال الشاب، الذي لم يكمل الثلاثين من عمره، يطارد جيش مراد بك، وهو مملوك مصري قرر أن يقود المقاومة في الصعيد. مراد بك كأي مملوك مصري ولد مقاتلا، هم جميعا لا يجيدون في الحياة إلا القتال والحرب. إنهم المماليك الذين استطاعوا أن يصدوا زحف التتار على بقية العالم وهم أيضا الذين قضوا على طائفة الحشاشين.
لجأ مراد بك في قتاله مع ديزيه إلى الانسحاب المنظم، أي الاختفاء من أمامه ثم الظهور فجأة ليوجه له عدة ضربات ثم ينسحب مختفيا. تأتي الأخبار لديزيه بأن مراد بك ظهر في المكان الفلاني فيسرع زاحفا في اتجاهه وبعد مئات الأميال يجد أن جيش مراد غادر المكان منذ عدة أيام. لا نستطيع أن نقول إن مراد بك تتلمذ على يد القائد الأفريقي هانيبال، فقد كانت هذه خطته بالضبط وهو يحارب الجيش الروماني في جبال الألب.
خطابات ديزيه لقائده الأعلى نابليون مؤلمة للغاية، العمى كان يفتك بجنوده، خسائره اليومية مرتفعة للغاية، جنوده يعانون الحفاء والعراء أيضا. ولكن نابليون لا يرسل له دعما أو معونة. ثم تأتي المعارك، ليس مع مراد بك، بل مع آلاف البشر القادمين من الجزيرة العربية يرتدون العمائم الخضراء ويزعمون أنهم من الأشراف. عبروا البحر الأحمر في المراكب الصغيرة والزوارق إلى صعيد مصر ليحاربوا الكفار مع إخوانهم المصريين.
هذه الظروف التعسة التي مر بها الجيش الفرنسي في الصعيد هي المسؤولة عن ذلك المشهد غير المشرف للجيش الفرنسي وهو ظهور عدد من الفرسان الفرنسيين في صفوف قوات مراد بك وهو على مشارف القاهرة.
لقد تذكرت هذا المشهد من التاريخ وأقصد بالتحديد عبور مئات المقاتلين من الجزيرة العربية إلى صعيد مصر. لكي أذكر بأن البحر الأحمر ليس مانعا مائيا يعتمد عليه إذا كان هناك أعداء على ضفته الأخرى. الحوثيون يحكمون اليمن الآن وكما يفعل كل متطرف، سيسببون متاعب كبيرة للملاحة جنوب البحر الأحمر، وفي حدودهم مع السعودية.. فهل سيفكرون في إزعاج المصريين باستخدام البحر الأحمر كمعبر لعمليات عسكرية أو شبه عسكرية بهدف إحداث فرقعة إعلامية.
ليس لي أن أتجاوز حدودي وأطالب أحدا بالمزيد من اليقظة، فأنا مجرد فنان ربما يتحكم الخيال في أفكاره بأكثر مما يتطلب الواقع. أنا فقط أريد أن أنبه إلى أنه لا أحد بعيد عن «داعش» و«الداعشية»، ما يحدث للآخرين سيحدث لنا بشكل أو آخر.. «داعش» قريبة من كل البلاد والعباد، وأنا أعترف بأني قد أخطأت عندما قدرت زمن المعركة مع «داعش» بثلاثة أعوام، هي ستطول عن ذلك بكثير، علينا جميعا أن نفهم ذلك، كما أن علينا أن نمتنع عن تقدير وقت لنهاية المعركة لكي لا نشعر بالألم أو اليأس عندما يطول القتال أكثر مما قدرنا..
نقلا عن الشرق الاوسط
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com