بقلم د. طارق الغزالى حرب
منذ تولى د. جابر عصفور حقيبة وزارة الثقافة وأنا أتابع تلك الهجمات الشرسة على الرجل من التيارات الدينية بمختلف فصائلها وتنوعاتها، إخواناً كانوا أم سلفيين، أم دُعاة منتسبين للأزهر الشريف، أو موظفين فى مناصب دينية.. خطيئة الأستاذ الجامعى والمثقف الكبير هى أنه يرفض تفسير المادة الثانية فى الدستور من جميع هذه التيارات بأنها تعنى تديين الدولة ورفض الدولة المدنية التى تفصل الدين عن السياسة وإدارة الدولة..
وخطيئته أيضاً، والتى جعلتهم يهبون جميعاً على قلب رجل واحد – رغم ما بينهم من اختلافات ظاهرية – يناشدون رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية إنقاذ الثقافة المصرية من هذا المفكر العلمانى، هى شجاعته وقوة حجته وصلابته فى قول الحق، فهو القائل فى حديث له مع صحيفة مستقله ما نصه «للأسف منذ حوالى ٤٠ سنة والعقل المصرى تغزوه فيروسات التطرف الدينى دون رادع حقيقى وقوى ودون استراتيجية حقيقية لمقاومة هذه الفيروسات، وكانت النتيجة أن وصل إلى حكم مصر جماعة دينية تريد أن تقضى على الدولة المدنية تماماً». لقد أفزعتهم شجاعة الرجل فى الإعلان عن رأيه فى بعض المسائل الدينية الخلافية مثل موضوع تجسيد الأنبياء والصحابة فى أعمال فنية
وأثارت تساؤلاته وآراؤه عن حرية الإبداع حالة من الفزع والهلع تهزهم دوماً كلما علا صوت يدعو إلى إعمال العقل أو مناقشة ما يدعونه من ثوابت وإجماع هى من عقول بشر، لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، حتى لو كان هذا الصوت من الثُّلة القليلة من المُجددين المحترمين والعقلاء فى داخل المؤسسات الدينية أمثال د. سعدالدين هلالى ود. أحمد كريمة وغيرهما.. إنها نفس الحالة التى انتابتهم من كتابات الراحلين العظيمين فرج فودة ونصر أبوزيد فى زمن مضى. نداءان مهمان أريد توجيههما فى هذا الشأن..الأول إلى كافة المثقفين وأصحاب الرأى والفكر والسادة الإعلاميين المحترمين من غير الجهلة والمنافقين لعامة الناس الذين يلعبون دوراً كبيراً فى تشكيل ثقافة المجتمع ووعيه، فأقول لهم: هل نترك د.جابر عصفور وحده فى الساحة يجابه هذه الهجمة الظلامية لتغيير هوية الدوله، أم نقف جميعاً الآن بأقلامنا وألسنتنا وجهودنا فى وجه هؤلاء الرجعيين الذين يقولون بأفواههم شيئاً ويضمرون فى نفوسهم شيئاً آخر؟
هل نسيتم إصرار بعض من هذه التيارات على عدم ذكر لفظ «مدنية الدولة» فى الدستور، ومحاولاتهم المستميتة لوضع تفسير للمادة الثانية منه تتيح لهم سطوة رجال الدين على كل أمور حياتنا؟! ما أقبح عذر المتقاعسين عن الوقوف مع وزير الثقافة فى خط المواجهة الآن بحجة أن الوقت غير مناسب لهذا الخلاف! هوية الدولة يا سادة لا تحتمل تأجيلاً ولا تأويلاً، وكفانا ما جرَّ علينا هذا التقاعس والنفاق من مصائب فى الماضى القريب. النداء الثانى للمسؤولين الكبار فى الدولة الذين بيدهم مقاليد الأمور، بأن يكون على رأس اهتماماتهم وضع استراتيجية محددة وخطوات عملية لمجابهة الأفكار المنحرفة عن صحيح الدين.. وبصراحة شديدة فإن ترديد مقولة إن الأزهر الشريف يمثل ما يسمونه «الإسلام الوسطى» هو كلام فارغ.. ليس هناك وسط ولا يمين أو يسار فى الإسلام.. يكفى أن نقول «دين الإسلام» وكفى، لأنه بحكم ما جاء صريحاً فى القرآن الكريم هو دين وسطى
لا يعرف الغلو والتشدد ولا الكهنوت، ويتفق مع الفطرة الإنسانية التى فطر الله الناس عليها.. متى نسمع من حاكم جرىء شجاع قرار إلغاء قانون تنظيم الأزهر الذى صدر فى ستينيات القرن الماضى فأفسد التعليم الأزهرى والعام رغم سلامة قصد من أصدره حينئذٍ، ليعود الأزهر إلى سابق عهده جامعة للعلوم الإسلامية فقط، وينكمش عدد المعاهد الدينية التى هى مفارخ للفكر المتطرف، وجارت على التعليم العام أساس بناء الدولة الحديثة؟
وأخيراً متى سنحدد دور دار الإفتاء المصرية التى نرى مُفتيها الآن يتدخل بالرأى فى كل صغيرة وكبيرة دون أن يدعوه أحد، وكأن كلامه فتوى مُلزمة، مع أن أفكاره لا تختلف كثيراً عن أفكار جماعة الإخوان إلا فى مداهنته للسلطة؟! وأخيراً متى سنحسم أمر قانونية ارتداء النقاب فى أماكن العمل والمنشآت التعليمية والاجتماعية، ونحاسب كل من يفرض ويدعو لزى معين يكرس الفتنة والانقسام فى المجتمع؟ الحيز المُتاح للكتابة ضيق ولكن الصدر قد ضاق أكثر بما فيه من دواعى الحسرة والألم على أحوالنا.. وليرحمنا الله.
نقلآ عن المصري اليوم
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com