منذ شهر تقريباً، أثار الحوار الذى أجرته الصحفية كيتى كوريك مع القاضية الأمريكية روث بيدر جينزبرج ضجة. فقاضية المحكمة العليا لم تخذل «محبيها» وكانت «مشاكسة» كعادتها. فهى وصفت خمسة من زملائها القضاة الرجال بالمحكمة العليا بأنهم لم «يفهموا تبعات قرارهم» وأعربت عن أملها فى «أن يتغيروا»!
وتعبيرات مثل «محبيها» و«مشاكسة» لا تستخدم عادة عند الحديث عن القضاة، لكن المفارقة أنها صارت مستخدمة شعبيا على نطاق واسع بأمريكا عن قاضية جليلة من أكثر قضاة المحكمة العليا فى أمريكا احتراما ووقارا. والمحكمة العليا الأمريكية تتكون من تسعة قضاة، يظلون بمواقعهم مدى الحياة، إلا إذا قرر أحدهم التقاعد. وأحكام المحكمة تصدر بالأغلبية، ويحق لقضاة الأقلية التى ترفض الحكم أن ينشروا تقريرا معارضا يشرح أسباب الرفض.
وتعليق جينزبرج، البالغة من العمر ٨١ عاما، بخصوص زملائها الرجال بالمحكمة العليا، جاء دفاعا عن الدستور وعن المرأة. فالقرار الذى قصدته كان ذلك الحكم الذى أصدرته المحكمة العليا مؤخرا وسمح للمؤسسات الخاصة بالامتناع عن توفير عقاقير تنظيم الأسرة ضمن التأمين الصحى الذى توفره للعاملين لديها إذا كان ذلك يتعارض مع المعتقدات الدينية لملاك المؤسسة. وهو الحكم الذى وافق عليه القضاة الخمسة وكلهم من الرجال، بينما رفضه أربعة آخرون، ثلاث قاضيات وقاض واحد. وجينزبرج، التى كتبت تقرير المعارضة، ووقع عليه زملاؤها، وصفت الحكم بأنه «لغم»، لأنه يفتح الباب واسعا للامتناع عن تغطية خدمات أخرى كنقل الدم أو التطعيم وغيرهما الكثير، وفق المعتقدات الدينية، فى مجتمع يعج بالديانات والمذاهب المختلفة. وأوضحت أن الحكم يعاقب الفقيرات تحديدا لأنهن سيتحملن تكلفة تلك العقاقير التى تساوى، فى سعرها، الحد الأدنى للأجور. واعتبرت جينزبرج الحكم معاديا للمرأة ويعطى لصاحب العمل الحق فى التحكم فى حياتها الشخصية. والطريف أن جينزبرج وضعت أملها فى زوجات القضاة وبناتهم، قائلة: «هم لهم زوجات وبنات... وأعتقد أن البنات يمكنهن تغيير مدركات آبائهن». والقاضية جينزبرج معروف عنها، ليس فقط دفاعها عن حقوق المرأة، وإنما دعمها القوى للحريات المدنية وحقوق الأقليات والفقراء.
وفى حوار آخر نشر مؤخرا فى مجلة «نيو ريبابليك» أكدت جينزبرج أنها لا تفكر فى التقاعد، فأنا «باقية هنا». وقد أشعلت تلك العبارة حماس «محبى» القاضية التى سئلت فى الحوارين عما إذا كانت على دراية بهم. فردت بالإيجاب وبأنها ليست مستاءة مما يفعلون. فالقاضية صارت جزءا من الثقافة الشعبية الأمريكية، إذ يوجد عالم كامل من «محبى جينزبرج»، الذين يستخدمون الأحرف الأولى لاسمها ويطلقون عليها عبارة «ر. ب. ج. المشاكسة». فهم يطبعون العبارة، أو صورة القاضية على الملابس والأكواب وغيرهما من الهدايا التذكارية. وهناك أغنيات بموسيقى الراب تقتبس عبارات قوية مما تقوله القاضية فى التقارير التى تكتبها اعتراضا على أحكام تصدرها المحكمة العليا، بل ظهرت مؤخرا أوبرا كوميدية مستوحاة من أطروحاتها ضد أحد زملائها.
والمعروف أن القضاة، فى كل مكان، يستخدمون لغة قانونية صارمة وربما جافة وبالغة التعقيد أحيانا. لكن تلك هى القضية. فالمفارقة هى أن تتحول تلك اللغة إلى مصدر رئيسى للثقافة الشعبية، لأن هناك أمريكيين كثيرين يشعرون أنها تعبر عن همومهم. شباب يشترون قمصانا عليها عبارات لقاضية بالمحكمة العليا، ونساء يشربن القهوة فى أكواب عليها صورتها!
نقلا عن المصري اليوم
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com