ماجد عزت اسرائيل
يقع وادي الريان في الجزء الجنوبي الغربي لمحافظة الفيوم، وهو منخفض عميق من الحجر الجيري الأيـــوسيني. ويبعد عن مدينة القــــاهرة بنحو( 80 كيلو متر)، وعن دير الأنبا صموئيل بنحو 50 كيلومتر شمالاً، وعن الفيوم نحو 25 كيلومتر جنوباً، وتبلغ مساحته نحو 7 كيلومترات عرضًا و30( كيلومتر طولاً)، ويوجد بها عين مــــاء مالحة ولكن يـــمكن معالجته واستخدامها للشرب والري، وتنتشر بالمنـــطقة بعض النباتات الطبيعية مصاحبة بين جنــــابتها أشجار النخيل والزيتون، ولا يسكن الوادي إي إنسان ولكن يتردد بعض العربان عليه من أجل أعمال السلب والنهب، أو تهريب المخدرات، أو سير قوافلهم التجارية ما بين الشمال والجنوب أو ما بين الشرق والغرب.
ويعتبر الأب" متى المسكين" أول من سكن دير القديس مكاريوس الإسكندرى بوادى الريان منذ منتصف القرن المنصرم، ونظمـه وشيد به بعض القــــلالى ورمم البعض اللآخرمنها هو ومَن معه من الرهبان المصاحبين له - الذي وصل عددهم نحو إثنا عشر راهبًـا- وادي الريان، وعانوا الكثير من العـذاب الذي تمثل في شــدة ملـوحة مياه الشرب وعدم صلاحيتـها للاستخدام الآدمي، بالإضافة إلى انتــــشار العديد من الذباب والبعوض والحشرات التي لا ينجو منها إي شخص يمر بالــــوادي، فما بالك ساكنيه، كما عانى الرهبان من نقص المــوارد الغـــذائية التي كانت تصل إليهم من القاهرة كمساعدات من أصدقـــــاء الأب" متى المسكين"، والتي غــالبًا ما كانت تنجو من نهب العربان لها أو دفع إتاوة عليها لتسهيل مرورها.
كل هذه الظروف الطبيعية والبشرية؛ كانت عاملاً من تعرض الرهبان وعلى رأسهم الأب "متى المسكين" للعــــديد من الأمراض وتعرضهم للضعف والهـــوان، بالإضافـة إلى تعرضهم للضغط النفسي، والذي تمثل في الإعــــلان المنشور في جريدة الأهــــرام بتاريخ (17 أكـتوبر 1960م) والذي أعلن فيه أسقـــــف دير السريان بـــوادى النطرون بالبحيرة؛ أن رهـبان وادي الريان مجــردون ومشلوحــــون من الرتبة الكهــــنتوية والرهبانية - طبعًا بـــدون إجراءات أو محاكمات قانونية كنسية، وهـــذا مخالف لـلوائح وقوانين كنيستنا القبطية الأرثوذكسية- مع العلم أن هؤلاء الرهبان نالوا الحل من الأنبا "بنيامــــين" قبل السفر إلى ذات الـــمكان،نقصد هنا دير وادى الريان بالفيوم.
وبالرغم من كل ذلك لم تتأثر الدوافع الروحية بل زادت ونمت أكثر مما كانت، ويذكر الأب متى المسكين هنا قائلاً: "كان اختـــــبارًا رائعًـــا لي شخصيًا، إذا نجحت فيه عندما تجردت من نفسي وضعفي ومرضي، وظللت على أعــلى مستوى من المسئولية الروحية والجــــسدية لمدة تسع سنوات، استطعت خلالها أن أسلم هؤلاء الرهبان حياة الأيمان المطلق......"
ولم يختلف نظام الرهبنة في وادي الريان عن أي منطقة نسكية أخرى مثل دير السريان أو الأنبا صموئيل؛ فكان الراهب يجمع ما بين العـــمل والنسك، فكان الرهبان يقــــومون بالعـــمل الجماعي مثل قطع الأخشاب لخزين الشتاء لاستخــــدامها في الفرن والكـــوانين لصناعة الخبز وطهي الطعام، وكان العمل يتم وفق نظام محدد بالساعات، ومــــوزع بشيء من عدالة التوزيع بينهم، أما الجـــانب الروحي فكان القداس في أوقــاته الرسمية بالإضافة إلى القراءات والصلاة الانفرادية، كل منهم في قــــلايته، وبدأت الحـــياة تأخذ بسرعة صبغة حيــــاة الآباء الأوائل في الرهـبنة سواء في النسك أو البعد عن العالـــم أو البساطة أو حب الإنجيل أو الأيمان المطلق.
على أية حال،منذ أوائل الــقرن الحالى ودخل دير وادى الريان دائرة الضوء،وذلك لـكثرة الاعتراض على نظم رهبنته وتقـــاليده الطقسية ومشاكل بعض رهبــــانه،وربــما حتى بعض القادمين من دير الأنبا مقــــار،ويحمل بعضهم لقب مقـــارى فهم أيضاء يوجد حولهم الكثير من المشاكل ولا يعترف بهم "دير أنبا مقار ــ ربما ـ حتى فى عصر قــداسة البابا الراحل "شنودة الثالث"(1971-2012م) لم يعترف بالدير ورهبانة،وبعــــد وصول قـداسة البابا "تواضروس الثانى" تم الأعتراف بالدير ورهبانه فى 6 ديسمبر 2012م،واسند رئاسته لنيافة الحبر الجليل الأنبا "مخائيل "مطران أسيوط ،وأصبح القمص "أليشع المــــقارى"المتحدث الرسمى عن الدير ورهبانه وهو المنوط لأدارته فى عدم وجود الأسقف.
ولكن الأمور بدير الأنبا مكاريوس الإسكندرى لم تستمر على وتيره واحده فمنذ سبتمبر 2014م ،بدأت مشاكل ما بين الدير و وزارتى النقل والمــواصلات والبيئة،وزارة المواصلات تريد شق طريق بمنتصف الدير للوصول إلى منطقة الواحـــات لإقامة المشروعات الاقتصادية والاستثمارية وخاصة بعد تولى المشير "عبد الفتاح السيسى" رئيسا لمصر،أما وزارة البيئة فقد اعربت عن عدم رغبته فى وجــــود الدير لأن منطقة وادى الريان محمية طبيعة ولــيس مكان مناسب للرهبنة والمعيشة،ومن هنا بدأ اعتراض رهبان الدير وعلى رأسهــم المتحدث الرسمى القمص "أليشع المقارى"،حتى وصل الأمر لرأس الكنيسة القبطية البابا "تـــواضروس الثانى"، الذى اتخذ عــــدة قرارات نــــذكر منها:الموافقة على شــق الطريق للـــربط بين محافظة الفيوم والواحات،وقف القمص "ألشيع المقارى " عن ممارسة مهامه كـــونه متحدثا رسمياً للدير،تعين لجنة من مجموعة من الأساقفـــة،يكون على رأسهم الأنبا" آبــــــرام " أسقف الفيوم وتــــوابعها وآخرون.
وأخيراّ،بكل صدق يعتبر قرار قـــداسة البابا "تواضروس الثانى" غير صائب،وخاصة بعد التغير الإيجابى فى موقف وزارتى الآثار والنــقل والمواصلات بتشـــيد الطريق بعيداً عن الدير،وهــنا أتذكر موقف للبابا "كيرلس الرابع "(1854-1861م) وكيف كان يسعى للـــتشيد والبــــناء والترمــــيم للمؤسسات الكنسية من أجــــل الخدمة،حتى أنه أشرف بنفسه على أحــد الأديرة بمنطقة الواسطى بمحافظة بنى سويف، وساهم فى محو الأمية عن طريق مدرسة الدير ،وكان يقـــــوم بتوزيع المساعدات بيده للــــفقراء والمحتاجين من أقباط مصر ومسلميها،كنت أتمـنى أن يذهب بنفسه قـــــداسة البابا "تواضروس الثانى"ويجلس مع أولاده الرهـبان ويناقشهم ويحل مشاكلهم ــ ومن يخرج عن قوانين الكنيسة يتم محاكمته كنسياً أى كان الحكم "شلح " أو حرمان لمدة معينة نحن لا نقف ضد الخطأ بل نسعى للتوافق والسلام ــ ويسهم فى ترميم وتشيد وتجديد الدير لأعادة للخريطة السياحة الدينية،ورسامة رهبـان و أسقف لرئاسته .
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com